كيف يدير الغرب خلافاتهم

كيف يدير الغرب خلافاتهم؟

كيف يدير الغرب خلافاتهم؟

 العرب اليوم -

كيف يدير الغرب خلافاتهم

بقلم:عماد الدين حسين

يحسب للغرب أنه نجح بدرجة كبيرة فى إدارة الخلافات الموجودة بين أعضائه مهما كان حجمها، وتمكن ببراجماتية من تعظيم المشتركات وحصر الخلافات قدر الإمكان حتى يمكن معالجتها وحلها.

فى السطور التالية كلام تفصيلى فى هذا الموضوع لعلنا نحن العرب نستفيد منه فى كيفية إدارة خلافاتنا إذا وجدت.
فى مرات كثيرة يتعامل بعض الكتاب العرب مع مصطلح البراجماتية فى الغرب باعتباره سيئ السمعة ودليلا على التفكير المادى النفعى المصلحى، وحتى إذا صدق ذلك وهو ليس عيبا على طول الخط، فإن هناك جوانب إيجابية كثيرة فى هذا التفكير العملى، الذى يعلى من جانب المصالح والنتائج ويجنب المشكلات قدر الإمكان، ولا يغرق فى التفاهات والهوامش. هو تفكير يبتعد عن العواطف والانفعالات والحروب الكلامية والغرق فى الماضى لمصلحة العقل والحسابات الباردة والنظر للمستقبل.
نعلم أن السوق الأوروبية المشتركة بدأت خطوتها الأولى فى ٢٥ مارس ١٩٥٧ بإتاحة حرية حركة السلع والخدمات والأفراد ورأس المال من حيث المبدأ، وفى الأول من يناير عام ١٩٩٣، تم إطلاق السوق الأوروبية المشتركة، بعد أن أقرت اتفاقية ماسترخت تأسيس اتحاد اقتصادى ونقدى وفى أول الألفية دخلت منطقة اليورو حيز التنفيذ وصار كل الأوروبيين والمقيمين يتنقلون بحرية بين كل بلدان الاتحاد الأوربى الذى وصل الآن إلى ٢٧ دولة.
هذا هو الفعل البراجماتى الغربى الذى أنجزه الاتحاد، فى حين أن العرب بدأوا خطواتهم الأولى فى نفس التوقيت تقريبا، حيث أنشأوا فى ٣ يونيو ١٩٥٧ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية. كانت النوايا طيبة لكن للأسف غابت العديد من المقومات مثل الآليات والأسس والهياكل والبنية المجتمعية والتفكير العقلانى وساد التسلط وغياب التعددية والديمقراطية وهشاشة المجتمعات. والنتيجة أن الغرب أنجز التوحد شبه الكامل فى حين أن معظم بلداننا تعيش حروبا أهلية ومذهبية وعرقية طاحنة وبعضها لم يحسم هويته حتى الآن.
ليس هدفى اليوم الحديث عن الاقتصاد بل عن كيفية إدارة الخلافات.
فى كل يوم نسمع فى الإعلام الغربى خصوصا الأوروبى العديد من الخلافات بين بلدانه المختلفة، لكنها ورغم أنها كبيرة أحيانا فلا تؤدى إلى القطيعة وإغلاق الحدود، وطرد السفراء وشن حروب كلامية طاحنة، تطور أحيانا إلى مواجهات عسكرية كما يحدث فى منطقتنا.
قبل أيام وقعت وزيرة الخارجية الألمانية نالينا بيربوك فى ذلة لسان حينما قالت إن أوروبا ينبغى أن تتحد أكثر وأن بلادها فى حرب ضد روسيا.. ورد عليها الرئيس الكرواتى زوران ميلانوفيتش ساخرا: «حرب مع روسيا.. لم أكن أعرف ذلك، ربما تكون ألمانيا فى حالة حرب مع روسيا مرة أخرى.. حظا سعيدا لهم، ولا أعرف كيف يكون إمداد أوكرانيا يساهم فى إحلال السلام»!!. ورغم ذلك لم تتأثر علاقات البلدين.
قبل شهور أيضا ألغت أستراليا صفقة غواصات مع فرنسا، واتفقت على صفقة بديلة مع الولايات المتحدة.، باريس انتقدت الأمر بأشد العبارات، لكنها لم تقطع العلاقات مع سيدنى وواشنطن.
ونعلم أن هناك خلافات حادة دائمة بين الثلاثة الكبار فى أوروبا ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، لكنهم يديرون خلافاتهم بمنتهى الاحترافية، نعلم أيضا أن هناك خلافات مستمرة بين أمريكا وللعديد من البلدان الأوروبية، وداخل حلف الناتو نفسه، وبعض الأوروبيين يعتقدون أن واشنطن ساعدت فى تأجج الصراع الروسى الأوكرانى حتى تستنزف روسيا وتضعف أوروبا لتكون تابعة لها دائما.
وفى الصحافة الغربية هناك الكثير من الانتقادات والحديث عن خلافات، لكن كل ذلك يدار بصورة حضارية وهادئة.
تختلف الحكومات كثيرا، لكنها تناقش خلافاتها علنا حينا وسرا أحيانا حتى تحلها.
ورغم كثرة الخلافات فلم نسمع أن دولة أوروبية شنت حربا كلامية على أخرى على الطريقة العربية، أو أغلقت حدودها فى وجه الآخرين أو أوقفت العمل باتفاقية الشينجن.
وحتى حينما قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبى فإن الأمر استغرق سنوات فى نقاش علنى أعقبه استفتاء شعبى، ولم نسمع أن الاتحاد الأوروبى قرر طرد كل البريطانيين من أرضه عقابا لهم على موقف حكومتهم.
العقل السياسى البراجماتى الغربى ورغم عديد المآخذ والسلبيات عليه إلا أنه نجح فى التعامل بمهارة مع الخلافات وإدارتها بطريقة هادئة، نجح إلى حد كبير فى تعظيم مصالح شعوبه ومحاصرة الخلافات والعمل على حلها بمنطق لا غالب ولا مغلوب وعدم تحميل الشعوب خلافات الحكومات.
سيقول قائل ولكن هذا النجاح الغربى حصيلة تراكم معرفى طويل ومجتمعات متقدمة وغنية والمقارنة بيننا وبينه ظالمة، نعم هذا صحيح ولكن من حقنا أن نحلم وأن نحاول.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف يدير الغرب خلافاتهم كيف يدير الغرب خلافاتهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab