بقلم:عماد الدين حسين
قلت بالأمس إن قوة مصر الناعمة موجودة وحاضرة، وسوف تستمر كذلك ــ إن شاء الله ــ إذا قام كل منا بدوره وواجبه.
هذه القوة الناعمة مثل أى شىء فى الحياة تحتاج إلى العمل والجهد والعرق وشروط موضوعية متعددة إذا أردنا أن تستمر فاعلة ومؤثرة ومتطورة فى الداخل والخارج.
المعادلة باختصار أنه إذا كانت بعض الدول فى المنطقة قد امتلكت نوعا أو جانبا أو بعضا من القوة الناعمة، لأنها اجتهدت وعملت وأثرت فى محيطها، وأعطاها الله موارد وثروات هائلة، فإن هذا الامتلاك ليس شيكا مفتوحا على بياض طوال الوقت، وبالتالى فكل من يملك قوة ناعمة يحتاج إلى رعايتها وتنميتها وتطويرها، وإلا ذبلت وتلاشت وتراجعت.
ومن لا يصدق ذلك عليه مراجعة العديد من الدول والامبراطوريات والممالك التى كانت ذات شأن كبير فى العصور الماضية المختلفة، وبعضها يكاد يكون اندثر تماما.
لن نتحدث عن حضارة مصر الفرعونية العظيمة وتاريخها الممتد، وشغف العالم أجمع بهذه الحضارة، لكن نحن نتحدث عن تاريخنا المعاصر، وليكن منذ مائة عام، أى بعد ثورة ١٩١٩ والنهضة الشاملة فى مصر، التى استمرت وتواصلت بعد ثورة يوليو ١٩٥٢. بحيث إن مصر كانت الدولة الأكثر تأثيرا فى محيطها العربى والإفريقى والإسلامى.
بوضوح شديد لكى نستمر مؤثرين وفاعلين فعلينا أولا أن نعرف مواطن ضعفنا وقوتنا. لنعالج الأولى ونعزز الثانية.
وكما أكدنا فإن القوة الناعمة لا تعنى أن تمتلك أموالا فقط، لأن ذلك لا يبنى شيئا ذا بال. لكن القوة المادية مهمة لا شك، وبالتالى فالتقدم الاقتصادى بكل تأكيد هو أحد أسس القوة الناعمة أو المعنوية، لكن نحن نتحدث بوضوح عن عناصر القوة الناعمة المتمثلة فى الإبداع بكل صوره وأشكاله من أول الرياضة نهاية بالإبداع فى كل مكان مرورا بالتعليم المتطور.
بوضوح شديد حينما يكون لديك تعليم متطور من مدارس وجامعات وبحث علمى، فإن كل طلاب المنطقة سوف يتوافدون عليك، كما يفعلون مثلا مع الجامعات الأمريكية، وهذه قوة ناعمة.
وحينما تستقبل جامعاتنا ومعاهدنا ومراكزنا البحثية الأساتذة والدارسين من المنطقة والعالم وتحاورهم وتتبادل معهم الأفكار والرؤى فهذه قوة ناعمة.
وحينما يكون لديك مستشفيات متطورة وأطباء أكفاء يقصدهم الجميع من الدول العربية والإفريقية، ويأتى بعضهم فى طائرات خاصة، فهذه قوة ناعمة.
وحينما تكون السينما والدراما متطورة عندنا، فإن كل أو غالبية الفنانين العرب يقصدون مصر ويقيمون فيها وينطلقون منها، كما حدث كثيرا فى الماضى، فهذه قوة ناعمة جدا.
حينما يزيد هامش الحرية وتتنوع الصحف والمدونات والفضائيات والمواقع الإلكترونية وتتلاقى الأفكار فى إطار القانون والدستور فإن ذلك أحد أهم مظاهر القوة الناعمة، لأننا رأينا بعض دول المنطقة تؤثر كثيرا فى محيطها عبر فضائية واحدة.
لا نعنى بهامش الحرية الانفلات الذى يؤثر فى أمننا القومى، ولكن نعنى به ضرورة وجود هواء نقى فى مجال الإبداع، حتى تستمر وتترسخ سيادتنا وقوتنا الثقافية والفنية والفكرية والإبداعية. ولا يعقل مثلا أن يضطر البعض للنشر فى دور نشر خارج مصر أو يقوم بتصوير مسلسل، وفيلم خارجها بسبب تعقيدات بيروقراطية عقيمة.
نحتاج قرارات جريئة تنسف كل المعوقات التى تجعل كثيرا من المبدعين يهجرون مصر، ويتجهون إلى دول صديقة أو أجنبية بعيدة.
البنية التحتية شديدة الأهمية لأى عملية إصلاح اقتصادى أو تقدم أو تطور لكن من المهم جدا الإدراك بأن البنية التحتية، الثقافية هى شرط ضرورى لتعزيز قوتنا الناعمة.
مرة أخرى ما نزال نمتلك كل العناصر اللازمة لتعزيز قوتنا الناعمة، واستعادة ما فقدناه من تأثير فى السنوات الماضية، فقط نحتاج إلى نفض الغبار عن عناصر هذه القوة، وهو الأمر الذى يحتاج إلى عناصر وكوادر متميزة فى جميع القطاعات ذات الصلة.