يوم الإثنين قبل الماضى، قال اللواء محمود توفيق وزير الداخلية خلال كلمته فى الاحتفال بعيد الشرطة أن الشرطة والشعب المصرى واجهوا عام ١٩٥٢عدوا ظاهر الهوية، لكنهم يواجهون الآن عدوا مختلفا غير ظاهر الهوية، يتخفى تحت مسميات وأقنعة كثيرة فى إطار حروب الجيل الرابع والخامس.
ما قاله الوزير شىء مهم ويمثل مشكلة تواجه العديد من الدول العربية والإسلامية التى كانت واقعة تحت الاحتلال، وحينما استقلت وتحررت فوجئت بعدو جديد يعيش معظم أفراده بين الناس يلبسون ويأكلون ويتصرفون مثلهم.
قبل ثورة ١٩٥٢ كان العدو واضحا جليا ومحددا وسافرا وهو الاحتلال الإنجليزى، ومنذ عام ١٩٤٨ وحتى زيارة السادات للقدس فى ١٧ نوفمبر ١٩٧٧، ثم توقيع معاهدة السلام رسميا مع إسرائيل فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، كانت إسرائيل هى العدو الرسمى للبلاد، وأظن أنها ما تزال كذلك بالنسبة لعدد كبير من المصريين.
لكن سرطان التطرف الذى ضرب البلاد والمنطقة العربية منذ بداية حقبة الثمانينيات جعل عددا كبيرا من المتطرفين هم الخطر الأكبر لغالبية البلدان العربية.
ظنى أن العدد الأكبر من هؤلاء المتطرفين مغرر بهم ولا يدركون أنهم ينفذون ما تريده قوى خفية قد تكون فى تناقض كامل مع كل ما يؤمنون به.
المحتل الأجنبى أو المعتدى الإسرائيلى كان واضحا ويقول لك «أنا عدوك» ولا يخفى أهدافه ونواياه، لكن العدو الجديد يعيش بيننا وقد يكون داخل بعض بيوتنا ويدعى أنه الأكثر تدينا حينا والأكثر وطنية حينا آخر.
هذا العدو أخطر كثيرا من كل الأعداء المعلنين، لأنك لا تتعامل معه باعتباره عدوا.
تخيل أنك تدخل المسجد لأداء الصلاة، وخلال هذه الصلاة تتفاجأ بأن أحد المصلين قام بتفجير نفسه أو فجر عبوة ناسفة ليقتل أكبر عدد ممكن من المصلين، كما رأينا فى العراق وباكستان وأفغانستان وأحد مساجد سيناء ما أوقع أكثر من ٣٠٠ شهيد فى مسجد الروضة.
تخيل أيضا أن يحمل أحد المواطنين العاديين حقيبة عادية لكن داخلها قنبلة، ويكون جالسا بجانبك فى الأتوبيس أو القطار، ثم يغادر المكان ليفجرها، من الذى سوف يشك أن هذا الجالس بجانبك إرهابى؟!
إسرائيل لا تخفى نواياها فى السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية بأكملها، لكن كيف يكون الأمر مع جماعة تطلق على نفسها مثلا «أنصار بيت المقدس»، وبدلا من أن توجه بنادقها ورصاصاتها فى كفاح مشروع ضد من يحتل بيت المقدس منذ عام ١٩٦٧، فإنها استدارت لتوجه هذه البنادق ضد رجال الشرطة والجيش والأقباط وقادة قبائل سيناء وكل من يعترض على تطرفهم.
فى المنطقة العربية أيضا، وجدنا العديد من الجماعات والميليشيات التى تحمل أسماء مثل «فيلق القدس»، أو «جيش القدس» لكننا لم نضبط رصاصة واحدة تطلق من هذه الفيالق والجيوش والسرايا والكتائب ضد العدو الظاهر الذى يحتل القدس. بل رأينا رصاصاتهم تصوب ضد حكوماتهم وشعوبهم ومجتمعاتهم.
المفارقة أن المستفيد الوحيد من أنشطة هذه الجماعات كان هو إسرائيل وكل القوى المناهضة لأى تقدم عربى أو إسلامى. النتيجة الأساسية لصراع هذه التنظيمات المتطرفة مع حكوماتها كان هو الإساءة للدين الإسلامى السمح لدى غالبية غير المسلمين. صحيح أن هناك حكومات عربية وإسلامية ارتكبت أخطاء كبيرة فى سياساتها مما أدى إلى تخلف هذه البلدان، لكن مواجهة هذه الأخطاء بالطريقة التى اتبعتها هذه الجماعات المتطرفة قاد إلى انحراف عدد كبير من بلدان المنطقة فى بحور من الدم والتخلف والفقر.
حتى فى إفريقيا ومن يتابع أنشطة جماعة بوكوحرام خصوصا فى نيجيريا سوف يكتشف مدى الإجرام الذى بلغته هذه الجماعة، بحيث إنها تخطف المواطنين العاديين خصوصا الفتيات طلبا للفدية. ولا يختلف الأمر عند جماعة الشباب فى الصومال، أو تنظيم داعش فى العديد من البلدان الإفريقية بحيث إن نشاطه الأساسى صار فى المناطق البترولية أو الغنية بالمعادن النفيسة مثل الذهب.
هل كل ما سبق يعفى بعض حكومات المنطقة من اللوم؟! الإجابة هى لا، لكن هناك فارق كبير بين أن تواجه أخطاء حكومة هنا أو هناك بالوسائل السياسية والدبلوماسية والشعبية المختلفة، وبين أن تتحول إلى «بندقية للإيجار» لدى كل كارهى بلدك وأمتك والمأساة أن غالبية أفراد هذه الجماعات لا يدركون أنهم صاروا بنادق للإيجار فى أيدى مشغليهم، يستخدمونهم حيثما شاءوا، ثم يلقون بهم فى أقرب مكب للنفاقيات حينما تنتهى مهمتهم، ومن لا يصدق عليه أن يدقق فيما يحدث فى منطقة الشام.