بقلم - عماد الدين حسين
يوم الثلاثاء الماضى، وخلال تفقد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء لمنطقة مثلث ماسبيرو، قال إن هناك قرارات سيتم إرسالها لجميع الوزارات لترشيد استهلاك الكهرباء، تتضمن الإغلاق التام للتيار الكهربائى عقب انتهاء ساعات العمل الرسمية، وعدم إضاءة أى مبنى حكومى من الخارج وإغلاق الاستادات والصالات المغطاة والملاعب والمولات التجارية فى ساعات محددة ليلا، وأن يكون تشغيل أجهزة التكييف فى الموالات التجارية التى تعمل بالتكييف المركزى عند درجة ٢٥ فأكثر.
ويوم الأربعاء الماضى طلب مدبولى من المحافظين خلال اجتماعه بهم تنفيذ قرارات الترشيد بدقة شديدة خصوصا فى المولات والمنشآت العامة والأندية ومراكز الشباب، وأن تضع كل محافظة خطة تنفيذية لكيفية التطبيق على أرض الواقع.
هذا التوجه الحكومى مهم ومن الطبيعى أن هدفه كما قيل بوضوح هو توفير الغاز الموجه لمحطات الكهرباء بغرض تصديره، وبالتالى الحصول على العملة الصعبة. الهدف العاجل للحكومة هو توفير استهلاك الغاز الموجه لمحطات الكهرباء بنسبة تتراوح ما بين ١٠ ــ ١٥٪، وإذا تم ذلك، فإن الحكومة ستوفر ما بين ٣٠٠ ــ ٤٥٠ مليون دولار شهريا، ونعلم جميعا أن مصر باتت فى أشد الحاجة لكل دولار، بعد ارتفاع فواتير الاستيراد بفعل تداعيات الأزمة الأوكرانية، وانخفاض قيمة الجنيه المصرى.
وجهة نظر الحكومة هى أنه لم يعد هناك سبيل سوى التقشف، حتى يمكن توفير الدولارات لاستيراد السلع الأساسية خصوصا الحبوب والزيوت ومستلزمات الإنتاج.
ووجهة نظرها أيضا أن المواطن ليس مخيرا فى تطبيق هذه الإجراءات لأنه يحصل على معظم أنواع الوقود بأسعار مدعمة كثيرا، وبالتالى لا يحق له القول إنه هو من سيدفع فاتورة الاستهلاك فى النهاية لأنه يحصل أحيانا على بعض أنواع الوقود بأقل من ثمنه 7 مرات حسب تصريحات الحكومة.
مرة أخرى هذه القرارات شديدة الأهمية، وينبغى الترحيب بها، لكن السؤال الأهم هو كيف سيتم تطبيقها على أرض الواقع؟!
أطرح هذا السؤال وأراه شديد الأهمية، لأن معظم الحكومات المصرية رفعت شعار التقشف مرات كثيرة فى العقود الماضية، خصوصا فى أوقات الأزمات، لكن التطبيق على أرض الواقع لم يكن جيدا، لأسباب متعددة.
وبالتالى فالقضية فى جوهرها، ليست فى رفع شعارات الترشيد، والحديث عن إجراءات معينة فقط، بقدر ما هى كيفية ترجمتها على أرض الواقع.
من الواضح أن هناك خللا كبيرا فى جهازنا الإدارى خصوصا فى الحكومة، وأن هذا الجهاز المهترئ يعد أحد الأسباب الأساسية فى التدهور الذى طال مناحى كثيرة من حياتنا.
للموضوعية، لا أحمّل الحكومة الحالية المسئولية عن هذا التدهور، بل هو حصيلة سياسات لحكومات وعهود كثيرة سابقة. وهو انعكاس أساسى لتراجع مستوى التعليم، بحيث أن عددا كبيرا من الناس يرتكبون الأخطاء، ولا يدركون أنها أخطاء، فحينما يرى المسئول الإدارى فى مصلحة أو هيئة أو مؤسسة عامة أو خاصة، الأنوار مضاءة بكامل قوتها بعد نهاية العمل الرسمى ولا يطفئها، فأغلب الظن أن ذلك لا يلفت نظره، بل يراه أمرا عاديا جدا.
فإذا كان يفعل ذلك فى بيته، حينما يترك الأنوار مضاءة أو لا يتمكن من ترشيد استهلاك المياه وغيرها من الموارد أيضا فهل نلومه إذا لم يفعل ذلك فى المنشأة التى يعمل بها؟!
لا أقول هذا الكلام من باب بث روح اليأس والإحباط فى نفوس الناس، بل بغرض أساسى هو البحث عن طريقة للعلاج والتغيير. وأعتقد أن البداية هى بضرورة توفير دورات تدريبية عاجلة ومركزة لكل العاملين فى الجهاز الإدارى خصوصا المفترض أنهم على صلة مباشرة بعملية الترشيد. وأن تكون هناك نوعية شاملة لكل المجتمع بهذا الشأن من أول الأسرة إلى المدرسة إلى دور العبادة إلى الإعلام، حتى تنشأ الأجيال الجديدة، وهى على وعى بأن هذا الإهدار المستمر فى الثروات والموارد خاطئ اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ودينيا وأخلاقيا.
السؤال الذى يحتاج نقاشا حقيقيا وإجابة واضحة أيضا هو: هل تقوم الأجهزة الحكومية المختصة بدورها فى متابعة ومراقبة التنفيذ، خصوصا فى مواعيد الإغلاق للمحلات والورش؟
سؤال مهم يحتاج إلى مصارحة وعلاج فعلى، حتى تكسب الحكومة ثقة المواطنين المفقودة فيما يتعلق بمدى الجدية فى موضوع التقشف والترشيد.