بقلم:عماد الدين حسين
هل سيشهد الجيل الحالى حلا عادلا للقضية الفلسطينية؟ هذا سؤال يكرره كثيرون، والإجابة تختلف من شخص لآخر ومن جهة لأخرى حسب الزاوية التى يقف فيها أو ينطلق منها.
المتشائمون وقد صاروا كثيرين فى المنطقة العربية هذه الأيام يقولون إننا نعيش أسوأ أيام القضية وأسوأ أيام الانقسامات العربية. يقول هؤلاء أيضا إن غالبية الدول العربية التى أقامت علاقات مؤخرا مع إسرائيل لم تفكر حتى فى طلب الحصول على ثمن لهذه العلاقات، حتى مثلا تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطينى، وبالتالى فإن إسرائيل لم تعد مشغولة برد الفعل العربى، لأن بعض الدول صارت تتعامل معها كدولة عادية، فى مواجهة قوى أخرى تتربص بالمنطقة مثل إيران.
المتفائلون يقولون إن الصورة ليست قاتمة كما يتصور المتشائمون والقضية الفلسطينية التى صمدت أمام كل التحديات منذ النكبة عام ١٩٤٨ بل وقبلها بسنوات لقادرة على الصمود وتحقيق هدفها إن آجلا أو عاجلا.
هم يقولون إنه وفى عز انشغال الحكومات العربية بمشاكلها وهمومها الداخلية، فإن الشعب الفلسطينى صمد بصدوره العارية وتمكن من إفشال كافة المحاولات الإسرائيلية لتهويد كامل الأراضى الفلسطينية وكذلك التصدى للاعتداءات المتكررة التى يشنها الاحتلال على غزة أو مدن الضفة.
لكن المتشائمين يقولون إن ما سبق كلام جميل ويصلح للموضوعات الإنشائية فقط، لأن الواقع على الأرض يقول إن إسرائيل تقضم كل يوم المزيد من الأراضى وتهودها، وأن الاستيطان ينتشر كالسرطان، وبدلا من المقاطعة العربية السابقة، فإن عددا من الدول العربية أقامت علاقات مع إسرائيل من دون أن تضغط عليها للحصول ولو على الحد الأدنى من الثمن السياسى لصالح الشعب الفلسطينى.
فى تقدير المتشائمين فإن الزمن ليس فى صالح الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، لأن إسرائيل تغير الوقائع على الأرض وتحصل على المزيد من الاعترافات العربية الرسمية، بل والشعبية حينما زارت وفود أهلية عربية فلسطينية المحتلة فى الأعوام الثلاثة الأخيرة.
لكن المتفائلين يقولون إن الزمن هو العدو الأول للمشروع الصهيونى فى المنطقة، والدليل أن إسرائيل يرعبها تزايد التعداد السكانى للفلسطينيين داخل وخارج فلسطين، بل داخل حدود أرض ١٩٤٨، وأن القنبلة السكانية الفلسطينية سوف تنفجر فى وجه إسرائيل إن آجلا أو عاجلا. وحتى إذا أصرت إسرائيل على وأد حل الدولتين فسوف تكتشف قريبا أن عدد السكان العرب الفلسطينيين صار أكبر من عدد السكان اليهود الإسرائيليين.
يضيف المتفائلون أن أفضل استفتاء طبيعى وتلقائى حدث أثناء كأس العالم الأخير فى الدوحة، حينما عبّرت الشعوب العربية داخل الملاعب وفى الشوارع القطرية المختلفة عن تضامنها الفطرى مع القضية الفلسطينية، وحينما قاطعوا الإسرائيليين الذين وفدوا للدوحة، والإسرائيليون هم الذين لاحظوا ذلك بكل وضوح وانعكس على كتابات الإعلاميين منهم.
يقول المتشائمون إنه طالما هناك خلافات عربية عربية، وفلسطينية فلسطينية فلا يرتجى أى أمل قريب لحل القضية، وإنه لا يعقل أن نطالب العالم بالتضامن معنا فى قضيتنا فى حين أننا منقسمون بهذا الشكل خصوصا بين فتح وحماس.
لكن المتفائلين يقولون إن كل حركات التحرر شهدت انقسامات عديدة وصلت إلى الاشتباكات العسكرية، لكنها سوف تنتهى طال الزمن أو قصر.
يقول المتشائمون إن الأوضاع الفلسطينية والعربية تسير من سيئ إلى أسوأ والانقسامات وصلت إلى مراحل غير مسبوقة، وإسرائيل تكسب عالميا كل يوم، وتسجل تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا غير عادى، ورغم كل أزماتها الداخلية وصراعاتها السياسية وصعود اليمين المتطرف، فإن أوضاع العرب المتردية لا تجعل الانقسامات الإسرائيلية تتعمق أكثر، بل يتم تجاوزها.
لكن المتفائلين يقولون إنه يستحيل أن تستمر الأحوال الراهنة إلى الأبد، وأن بعض الحكومات العربية لا يمكنها أن تدير ظهرها للقضية الفلسطينية لأن شعوبها قد لا تقبل ذلك.
هذه هى الصورة الموجودة فى الشارع العربى، وظنى أن الصورة تقول بوضوح إنه من دون توفر الشروط الموضوعية العربية الأساسية فإن إسرائيل هى الكاسب الأكبر حتى هذه اللحظة من كل التطورات، وبالتالى فنحن نحتاج أن نغير من أنفسنا أولا إذا أردنا حل هذه القضية.