بقلم : عماد الدين حسين
الخطأ أو الخطيئة الكبرى التى يمكن أن تقع فيها «هيئة تحرير الشام» وبقية القوى المتطرفة التى أسقطت نظام بشار الأسد، هى أن المظاهرات الشعبية الكبيرة التى احتفلت بسقوط الأسد هى تأييد لها ولسياساتها وتوجهاتها.
يوم الجمعة الماضى كانت هناك مظاهرات شعبية فى العديد من المدن السورية الكبرى من إدلب إلى حلب، ومن حمص وحماة الى درعا والسويداء وصولا إلى دمشق، بالفعل كانت التجمعات كبيرة، لكن هل فكر أهل الحكم الجدد وداعموهم فى الخارج لماذا خرج هذا العدد الكبير ليحتفل بسقوط الأسد؟!
أظن أن على هيئة تحرير الشام وكل الفصائل والميليشيات السورية ــ المعتدلة منها والمتطرفة ــ أن تدرس تجربة النجاح الكبير لتيارات الإسلام السياسى فى السنوات الأولى لثورات الربيع العربى فى عام ٢٠١١، والأهم أن تدرس السقوط السريع لهذه التنظيمات والجماعات، خصوصا فى التجربة المصرية.
وللأسف يبدو أنه لا أحد يتعلم حتى من الدروس القريبة. لأنهم لو تعلموا ما أطلقوا على المظاهرات الأخيرة «جمعة النصر»، لأن من فعلوا ذلك قبلهم، انتهى مصيرهم بالصورة التى يعرفها الجميع.
وهو شأن ملايين المصريين الذين شاركوا فى ثورة ٢٥ يناير واحتفلوا بتنحى حسنى مبارك عن الحكم فى ١١ فبراير ٢٠١١، فهم لم يكونوا إخوانا من قريب أو بعيد أو حتى من المتعاطفين معهم. غالبية هؤلاء كانوا يريدون وطنا تحترم فيه حقوق الإنسان والتعددية ويكون فيه تعليم وخدمات جيدة.
وأحد أهم الأدلة على ذلك أن إجمالى من صوت لمرشح الإخوان محمد مرسى فى الجولة الأولى لم يصل إلى ٢٥٪، وكان الإخوان وقتها فى عز قوتهم وعنفوانهم ومعهم استغلال للمساجد والعواطف الدينية وتكتيك كراتين الزيت والسكر.
أكبر خطيئة ارتكبها الإخوان فى مصر وليبيا وتونس أنهم اعتقدوا أن حصولهم على مقاعد كثيرة فى الانتخابات التى أعقبت سقوط الأنظمة هو تصويت لصالح أفكارهم. لم يدركوا أن الشعوب تصوت لأى معارض، المهم أن يرحل النظام الذى يرونه فاسدا ومستبدا.
الإسلاميون المتطرفون ارتكبوا أكبر خطأ حينما اعتمدوا مبدأ «المغالبة لا المشاركة» ولذلك كان العقاب الشعبى لهم كاسحا خصوصا بعد ثورة المصريين ضدهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والتى كانت ملهمة لدول كثيرة فى التخلص منهم بأشكال مختلفة.
اعتقد إخوان مصر وتونس خطأً ووهمًا أن كل من خرج ضد نظام حسنى مبارك أو زين العابدين بن على كانوا من أنصارهم. ثم تبين للجميع أن الذين تظاهروا واحتجوا كانوا يريدون دولة مدنية حرة وحديثة ومتحررة وليست دويلة تعيش فى عصور سحيقة تلغى هويات أبنائها بل تلغى هوية المكان.
الذين خرجوا إلى ميادين التظاهر العربية أرادوا أوطانا حرة بها تعليم حديث وخدمات ممتازة وتداول سلطة واللحاق بالعالم المتقدم فى البحوث والعلوم والتكنولوجيا، وليست إمارات على شاكلة طالبان وداعش السنية أو إيران الشيعية.
ويخطئ إخوان أو دواعش أو قاعدة سوريا إذا ظنوا وتوهموا أن الذين تظاهروا يوم الجمعة الماضى هم جميعا أنصارهم.
وطبعا هناك من يؤيدهم اقتناعا أو طمعا فى منصب أو جاه، لكن غالبية أبناء الشعب السورى الذين كانوا مغلوبين على أمرهم فى نظام بشار، يريدون حياة كريمة. والأكثر يقينا أن غالبية الشعب الذى عانى الأمرين على يد نظام الأسد، لا يريدون أن يستبدلوا طاغية علويا علمانيا بطاغية سنى متطرف دينيا.
غالبية الشعب السورى يحلم بحياة آدمية بعد أن دفع أثمانا باهظة طوال السنوات الماضية. وما لم يدرك الحكام الجدد ومن يشغلهم ذلك، فسوف يكون الصدام قريبا وشديدا.
إذا اعتقد الحكام الجدد أنهم التنظيم الأقوى والأوحد فى البلاد، ثم بدأوا فى تقسيم الغنائم فسوف يدخلون فى صراعات وحروب أهلية طاحنة مع فصائل كانت معهم حتى أيام مضت، لكنه صراع المصالح والغنائم.
للأسف معظم المؤشرات تشير إلى أن الحكام الجدد لا يختلفون كثيرا عمن سبقهم فى تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان والنتيجة كما نعرفها جميعا، أن هذا الفهم الخاطئ والجهول هو الوصفة للفوضى والفشل والصراع، بل وللحرب الأهلية.
يفترض أن أى وطن لابد أن يتسع لجميع أبنائه. الحكام الجدد يحظون بدعم كبير من قوى إقليمية ودولية، وسوف تتدفق عليهم عبارات الثناء والشكر بل وربما الدعم المادى، وقد تنهال عليهم مساعدات من قوى كثيرة، وقد يسكرهم كل ذلك، فينسون كل ما رفعوه من شعارات. وهنا ستكون بداية سقوطهم، وربما يكون ذلك بأسرع مما يتوقعون إلا إذا اتعظوا من دروس الآخرين القريبة.