معضلة الحل في السودان

معضلة الحل في السودان!

معضلة الحل في السودان!

 العرب اليوم -

معضلة الحل في السودان

بقلم: عثمان ميرغني

التحقيق المشترك الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بالتعاون مع شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية البريطانية، ومؤسسة «لايت هاوس ريبورتس» الصحافية الهولندية، وصحيفة «لوموند» الفرنسية، ونشر في التاسع من الشهر الحالي، سلط الضوء مجدداً على الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع وتزايدت وتيرتها مع الحرب الدائرة في السودان. فقد ركز التحقيق على وقائع ما جرى في معسكر كساب للاجئين بمحلية كتم في شمال دارفور، ووثق بمقاطع فيديو للهجمات التي شنتها قوات من الدعم السريع على المدنيين وقتل الشباب وتدمير القرى، ونقل شهادات الناجين. وعلى الرغم من أن المذبحة التي وقعت في يونيو (حزيران) 2023 ليست الأكبر أو الأسوأ سواء على مستوى دارفور أو بقية أنحاء السودان التي شهدت الكثير من الفظائع إبان هذه الحرب، لكنها توثق لواحدة من عمليات التطهير العرقي والإبادة التي وجهت الاتهامات فيها لقوات الدعم السريع التي كان بعض منسوبيها يرددون هتافات وكلاماً يوضح أن عمليات القتل التي نفذوها في ذلك الهجوم كانت على أساس عرقي.

لعل أكثر ما يثير الاستغراب هو الرد الذي قدمته قوات الدعم السريع لصحيفة «واشنطن بوست» للدفاع عن نفسها في مواجهة الاتهامات التي وثق لها التقرير، إذ قالت: «إن الأبعاد العرقية للصراع قد تم تضخيمها واستغلالها للتلاعب بالإعلام الغربي»، وهو رد يحاول قلب الطاولة بأسلوب الهجوم خير وسيلة للدفاع. فالحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها قوات الدعم السريع اتهامات التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، لا سيما في دارفور، إذ وثقت العديد من التقارير الدولية والتحقيقات المستقلة بما في ذلك التي أجرتها الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وقائع أحداث، بعضها مدعم بالفيديوهات وبصور الأقمار الاصطناعية، وشهادات كثير من الناس، عن تورطها في عمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي وتدمير القرى، مع اتهامات بمحاولة تهجير السكان وممارسة التطهير العرقي في مناطق متفرقة.

ومع اتساع دائرة الحرب الحالية تمددت دائرة الانتهاكات والاتهامات الموجهة للدعم السريع ووثق الكثير منها في الخرطوم وفي ولاية الجزيرة التي لا تزال تشهد الكثير من الاعتداءات والانتهاكات بشكل شبه يومي. وفي مواجهة الاتهامات المتزايدة أعلنت قوات الدعم السريع عن تشكيل ما سمته «قوة حماية المدنيين» في أغسطس (آب)، وهو أمر بدا وكأنه حركة علاقات عامة ومحاولة يائسة لتبييض وجه لوثه تاريخ طويل من الانتهاكات. ذلك أن إنشاء هذه القوة لم يوقف الانتهاكات، بل إنه عندما كان أحد المتحدثين باسمها يتحدث في مقطع فيديو قبل أيام عن إنجازاتها كان مسلحوها يمارسون اعتداءاتهم على القرى الآمنة في ولاية الجزيرة من دون ضابط أو رادع.

بهذا السجل، وبدورها المدمر في الحرب الراهنة في السودان، أصبحت قوات الدعم السريع، مشكلة لداعميها المحليين والخارجيين، مثلما أصبحت معضلة أمام أي حل سلمي أو تفاوضي للحرب. فنسبة مقدرة من السودانيين تشكّل لديها حاجز نفسي يجعلها لا تتقبل وجود هذه القوات أو أي دور مستقبلي لها في البلاد. وأكثر الدعوات التي ترفع شعار «لا للحرب»، لا تخوض في الحديث عن كيفية حل معضلة التعامل مع هذه القوات مستقبلاً، ولا تقدم إجابة شافية عن دورها المفترض في المشهد السوداني. يتحدث البعض بضبابية عن «الدمج» وعن إعادة هيكلة الجيش، بينما تذهب قلة إلى حد المجاهرة بأن من حق قوات الدعم السريع الحصول على «مكاسب» سياسية واقتصادية في مشهد ما بعد الحرب، بناء على التمدد الذي حققته في عدد من الولايات، بما يعني غض النظر عن كل التجاوزات والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها، والدمار الذي أحدثته في البلد.

تقديري أن الحديث عن مكافآت ومكاسب سيكون كارثة على السودان، وحتى إذا توقفت الحرب بالمفاوضات وبهذا المفهوم، فسوف يكون على الأرجح وقفاً مؤقتاً وسلاماً هشاً، وسيشجع آخرين على تجربة الطريق التي سلكتها قوات الدعم السريع، وبالتالي سيعني حروباً مستقبلية ستكون أشرس وأخطر بعدما فتحت شهية المتربصين والطامعين في الداخل والخارج. أما الحديث عن الدمج فيحتاج إلى إزالة الضبابية لأن قوات الدعم السريع تضخمت وباتت تضم العديد من المجندين والمرتزقة القادمين عبر الحدود، وصارت لها ارتباطات وأجندة وطموحات مهددة للاستقرار إن لم تكن للسودان ذاته بحدوده المتعارف عليها.

الضبابية في التعامل مع إشكالية مستقبل الدعم السريع لا تخدم مصلحة السودان في هذا المنعطف الصعب بقدر ما تزيد من تعقيدات المشهد. مبدأ المحاسبة مهم بغض النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب لأنه لا يمكن تجاوز الأذى الكبير الذي لحق بالبلد وبالناس، وليس من المصلحة قبول حلول تعيد تكرار المأساة مستقبلاً.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة الحل في السودان معضلة الحل في السودان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab