جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني!

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني!

 العرب اليوم -

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني

بقلم: عثمان ميرغني

مفاوضات جنيف التي انطلقت أمس بترتيبات أميركية في الأساس، سوف تضيف إلى تعقيدات المشهد في السودان بعد أن قاطعَها الجيش، إثر فشله في الحصول على التوضيحات والالتزامات التي كان يسعى إليها في اللقاء التشاوري مع الجانب الأميركي في جدة قبل أيام.

خلافاً لما يقوله الذين يتهمون الجيش بالمناورة وعدم الرغبة للانخراط في المفاوضات، فالحقيقة أنه لم يرفض الدعوة لحضور جنيف من حيث المبدأ، لكنَّه حدد المطلوبات التي يراها ضرورية للعودة إلى المفاوضات، ولأجل هذا الغرض بعث بوفد إلى جدة للقاء التشاوري مع الجانب الأميركي، ولو كان حصل على الضمانات وبعض الالتزامات بشأن تنفيذ بنود إعلان جدة، لكان قد ذهب إلى سويسرا وشارك في المفاوضات. لكن الواضح أن أميركا هذه المرة تريد فرض رؤية محددة، وأجندة معينة، وتوسيع دائرة المشاركة رغم التحفظ السوداني، وإدارة المفاوضات بالضغط ولي الذراع، ولذلك نقلتها من جدة إلى جنيف لتكون هي الموجه الأساسي للعملية مثلما نراه حالياً.

هل تمسك الحكومة السودانية بضمان تنفيذ ما اتفق عليه في إعلان جدة موقف خاطئ، أم أن الخطأ هو مساعدة «قوات الدعم السريع» على التملص من التزاماتها، والتجاوز عن كل انتهاكاتها، وعدم تقيدها بأي أعراف أو مبادئ في استهدافها للمواطنين، وسلب ممتلكاتهم، والتعدي على أعراضهم؟

«قوات الدعم السريع» حتى قبل ساعات من إرسال وفدها إلى جنيف، كانت تستهدف بالقصف المستشفيات والأحياء السكنية والمدارس والأسواق، ما يدعم الاتهامات الموجهة لها بأن حربها هي ضد المواطنين الذين كانوا دائماً أولى ضحاياها. وفي هذا القصف المتعمد والمتكرر كانت «قوات الدعم السريع» كثيراً ما تستخدم بيوت المواطنين وأحياءهم المحتلة، كمنصة لعملياتها العسكرية، وهو ما يتناقض مع كل ما قاله قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في خطابه «الإعلامي» الموجه بمناسبة مفاوضات جنيف، الذي تحدث فيه كثيراً عن «حماية المدنيين»، بل أعلن عن تشكيل قوة خاصة قال إنها لحماية أرواحهم وممتلكاتهم، وحماية الأعيان المدنية.

الجيش من واقع المعلومات المتوفرة لديه، واطلاعه على الكثير من الجوانب عن تدخلات أطراف خارجية تؤجج الحرب، لا بد أن يكون قد درس موقفه من المفاوضات، وبحث تبعات وتداعيات مقاطعة المفاوضات. شخصياً كنت أتمنى لو أنه ذهب إلى جنيف وقال كلامه الذي قاله للأميركيين في لقاء جدة التشاوري، وشرح موقفه ثم انسحب بعد أن يؤكد أنه مستعد للعودة متى ما تحققت مطالبه المشروعة. هذا كان سيجعله في موقف أفضل دبلوماسياً، ويساعده في إحباط مخططات وتحركات من يريدون عزله، وإعطاء مشروعية دولية لـ«قوات الدعم السريع» من بوابة مشروع المساعدات الإنسانية والممرات الآمنة. فالدبلوماسية يمكن أن تستخدم أيضاً كجزء من الأسلحة المتاحة في أوقات الحروب، لا سيما بالنسبة للحكومة السودانية التي تواجه حرباً معقدة، ومؤامرات خارجية تشارك فيها عدة أطراف.

والحكومة التي خسرت مبكراً الحرب الإعلامية، لا يمكنها أن تغامر بخسارة الحرب الدبلوماسية أيضاً، وهي بالتأكيد حرب لا تقل تعقيداً عن الحرب في الميدان العسكري، وتحتاج إلى قدرة كبيرة على المناورة. الآن بات عليها أن تتحسب لتداعيات الغياب عن جنيف، وتعد خطواتها القادمة جيداً، بالانخراط في حملة دبلوماسية واسعة تجاه الأطراف المؤثرة، بما فيها الراعيان الأساسيان لمنبر جدة، وتترك الباب موارباً أمام إمكانية الانخراط في المفاوضات متى ما توفرت الشروط المناسبة، حتى لا يتم تجاوزها بخطوات تضر بمصلحة البلاد وسيادتها تحت ستار الإغاثة وفتح الممرات الآمنة. فالواضح أن المشهد أعد بعناية بالترويج للمعاناة الإنسانية والحديث عن مجاعة، علماً بأن المتسبب الأساسي في ذلك هو «قوات الدعم السريع» التي شردت المواطنين بالترويع، ودمرت بشكل منهجي المصانع والمنشآت الخدمية والبنية التحتية، ونهبت وأحرقت مخازن الغذاء. وهناك فيديوهات موثقة تصور الاعتداءات على المزارعين ونهب ممتلكاتهم بما فيها التراكتورات، ونهب وحرق المحاصيل والبذور ومختلف المعينات الزراعية.

لو كانت هناك عدالة حقيقية لوقف العالم بشكل صريح وقوي ضد المؤامرة التي تستهدف السودان، والانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها شعبه، ولأدان وعزل الطرف المسؤول عنها، بدلاً من محاولة فرضه كشريك مساوٍ في المفاوضات الآن، وفي المشهد السوداني لاحقاً. لكن العالم للأسف لا يدار بهذه العقلية بل بمنطق القوة والمصالح، وعلى السودانيين بمختلف أطيافهم أن يستوعبوا أن بلدهم يواجه أخطر تحد يمر به في تاريخه الحديث، وأن يدركوا أن المخرج الحقيقي يكمن في أن يبحثوا بأنفسهم عن الحلول لحماية بلدهم من مصير مجهول، بعيداً عن الضغوط والمصالح الخارجية التي لن تكون في صالحهم، والدروس حولنا كثيرة لمن يريد أن يتعلم ويعتبر.

arabstoday

GMT 02:43 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

4 ساعات مللاً

GMT 02:41 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!

GMT 02:31 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

رسائل محمد الطويّان المفتوحة والمغلقة

GMT 02:28 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

الشرق الأوسط... تشكلٌ جديدٌ

GMT 02:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 02:21 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

متى يراجع الفلسطينيون ما حدث؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:51 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها!

GMT 17:42 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

برشلونة يتعاقد مع مهاجم شاب لتدعيم صفوفه

GMT 02:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 12:15 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب جنوب شرق تايوان

GMT 12:05 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

انفجار قنبلة وسط العاصمة السورية دمشق

GMT 02:41 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab