عن تسوية الملعب الدولي حالة أوروبا

عن تسوية الملعب الدولي: حالة أوروبا

عن تسوية الملعب الدولي: حالة أوروبا

 العرب اليوم -

عن تسوية الملعب الدولي حالة أوروبا

بقلم: د. محمود محيي الدين

أثناء إعدادي لتقديم جديد لكتاب قمت بترجمته منذ سنوات تحت عنوان «أوروبا تاريخ وجيز» للمؤرخ جون هيرست، سألت أحد الخبراء في الشؤون السياسية الأوروبية عن مدى كفاءة تطبيق استراتيجية الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، فأجابني بقوله: أي منها؟ فهي كثيرة تتشكل من مجموعة من الاتفاقات، والقرارات، والتعهدات، والتوصيات. فهي تضم مثلاً حزمة الدفاع عن الديمقراطية، ومبادرة البوابة العالمية التي تهدف إلى دفع الترابط بين المشروعات الذكية والنظيفة والآمنة في مجالات التحول الرقمي والطاقة والنقل، وكذلك تدعيم نظم الصحة والتعليم والبحث العلمي حول العالم؛ وهناك تشريع المواد الخام النادرة الحيوية، أضف إلى ذلك قانون الرقائق الإلكترونية وأيضاً قانون الحياد الصفري. وهي تشكل معاً مجموعة من الوثائق بدرجات إلزام مختلفة، بهدف التمكين الاقتصادي لأوروبا في الساحة الدولية.

وأضيف إلى ما تقدم تلك المبادرة، الخلافية، المعروفة بآلية معادلة الكربون عبر الحدود، والتي ستكون لها آثار وتداعيات مهمة على صادرات البلدان النامية لأوروبا من الصلب والحديد والألمنيوم والأسمدة والإسمنت ومنتجات الهيدروجين والكهرباء. وستدخل حيز التنفيذ في عام 2026، ويجري التجهيز الانتقالي لها منذ عام 2023 حتى نهاية العام المقبل.

وكما يتندر البعض، فيبدو أن الأوروبيين يتناولون استراتيجية على الإفطار كل صباح. فهناك صناعة ضخمة وراء صياغة هذه الاستراتيجيات داخل الدواوين البيروقراطية وأقسام إعداد الرؤى والسياسات الرسمية، فضلاً عن المئات من مراكز البحث الأكاديمية والمكاتب الاستشارية التي تتبارى في تطوير وتقييم هذه الاستراتيجيات.

ومن أمتع المراجع الموسوعية عن الاستراتيجية وتاريخها كتاب السير لورنس فريدمان، أحد أهم خبراء الحرب والسياسة الدولية. والاستراتيجية في نهاية الأمر، كما يبسطها مايكل بورتر أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، هي عبارة عن اختيارات محددة بين بدائل للتوصل إلى أهداف بعينها. ومع اعتبار أن بورتر في تحديده للاستراتيجية انصب اهتمامه على التنافس في الأسواق، فقد اختار خمسة عوامل مرشدة لاتخاذ القرار هي: مخاطر دخول قوى منافسة جديدة في السوق؛ ومخاطر القابلية للاستبدال بأن تفضل السوق بضاعة المنافس، ومخاطر زيادة القوة التفاوضية للموردين؛ ومخاطر زيادة القوة التفاوضية للمشترين، وحدة التنافسية. ويحتاج الأمر عملياً إلى الجمع بين منهج فريدمان للاستراتيجية في السياسة الدولية، واقتراحات بورتر لقادة الأعمال في تعاملهم مع الأسواق، للتعرف إلى ما أصبو إليه من تقييم استراتيجية الأمن الاقتصادي الأخيرة للاتحاد الأوروبي.

وفيما يتعلق باستراتيجية الأمن الاقتصادي، التي تأتي على امتداد تاريخ من محاولات لإقامة كتلة جيوسياسية متماسكة، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن خمس مبادرات لتنفيذها: الأولى تدقيق ومراجعة قواعد فحص الاستثمار الأجنبي المباشر القادم لأوروبا؛ والثانية تطوير ضوابط الرقابة على الصادرات، وبخاصة فيما يتعلق بالمنتجات التكنولوجية المتطورة؛ والثالثة تأسيس نظام لفحص الاستثمارات الأوروبية المباشرة إلى خارج دول الاتحاد وتتضمن التوافق مع توجهات مجموعة السبع بشأن التكنولوجيا الحيوية، أشباه الموصلات، الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا الكم والتكنولوجيا الحيوية؛ والرابعة تطوير البحث التكنولوجي، إدراكاً بأن الولايات المتحدة تستحوذ على أكثر من 40 في المائة من البحث والتطوير على مستوى العالم وتتبعها الصين بنحو 18 في المائة ويليها مباشرة الاتحاد الأوروبي بنفس النسبة تقريباً؛ والخامسة منع «التسريب» من منظومة البحث والتطوير بحظر أطراف ثالثة من البلدان من الاشتراك في أبحاث يمولها الاتحاد الأوروبي في قطاعات حيوية للأمن الأوروبي.

وكما ذكرت في تقديم سابق للكتاب المترجم عن تاريخ أوروبا، «فليدون في أوراق الاستراتيجيات ما يدون، فالعبرة دائماً وأبداً بالتنفيذ وبنتائج تحدث أثراً في تقدم الدول ومكانتها وأوضاع الناس فيها، إذ يذخر تاريخ أوروبا، في مختلف عصورها، باستراتيجيات ومشروعات كانت أكثر طموحاً من قدراتها، وأشد صعوبة على إمكانيات قادتها على تنفيذها». فلم تفتقد استراتيجيات سابقة الطموح الواجب، ولكن أعاق تنفيذها كوابح بيروقراطية ورياح مناوئة بصدمات سريعة لم تكن لتشتهيها مؤسسات بطيئة العمل. فالاستراتيجية هي عملية متكاملة باختيارات لمن يملك القرار، والقدرة على تنفيذ ما اختاره.

ويشير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بواشنطن، إلى معوقات محتملة عند تنفيذ استراتيجية الأمن الاقتصادي أولها قدرة الاتحاد الأوروبي على حض أعضائه على تنفيذ مبادراتها الخمس؛ ثانيها قدرة الاتحاد على التعامل مع رد فعل الدول المتأثرة خارجياً بهذه الاستراتيجية وتحديداً الصين؛ الثالث، وهو الأهم في تقديري، توفر الإرادة السياسية، وبخاصة مع تغير القيادات بفعل الانتخابات، أو تغير توجهاتها بافتراض استمرارها في الحكم بعدها.

فضلاً عن هذه الاعتبارات التنفيذية، فهناك مبدآن يخشى انتهاكهما عند التطبيق، أولهما أن الأمن الاقتصادي لا يتحقق لبلد أو لكتلة من البلدان بعزلتها، ولكن بفاعلية اندماجها وكفاءة انخراطها في التجارة الدولية والاستثمار. كذلك فإن فرض حماية على صناعات وأنشطة منحدرة الكفاءة ليس من الأمن الاقتصادي في شيء، فلهذا تكلفة تتحملها الموازنات والأوضاع المعيشية للمواطنين.

في مقال مهم للاقتصادي جون بيساني فيري بعنوان «ما المطلوب لإنقاذ أوروبا؟» يشير فيه إلى تحديات اقتصادية كبرى تواجهها تتمثل في تراجع التنافسية وأزمات الطاقة والأمن. وهي تحديات تزيد، في رأيي، من ضعف القدرة على مواجهتها التركيبة السكانية المعتلة وتداعيات تغيرات المناخ، ومشكلات التفاوت في الدخول وتباين فرص العمل. ويذكرنا تاريخ أوروبا بأن مثل هذه التحديات قد تسلك أحد طريقين: الأول، بحسم مبكر لها بقيادات واعية تصل بأوروبا لشاطئ آمن، والطريق الآخر هو الفشل الذي يصير وقوداً لنزعات عنصرية وصراعات، وربما الحرب.

 

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن تسوية الملعب الدولي حالة أوروبا عن تسوية الملعب الدولي حالة أوروبا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بوتين يؤكد لأردوغان بضرورة إنهاء العدوان الإرهابي في سوريا
 العرب اليوم - بوتين يؤكد لأردوغان بضرورة إنهاء العدوان الإرهابي في سوريا

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab