سوريا أولاً

سوريا أولاً

سوريا أولاً

 العرب اليوم -

سوريا أولاً

بقلم : سوسن الأبطح

«الكعكة السورية» دسمة وشهيّة. كل يريد أن يقتطع الحصة الأكبر. تركيا وإسرائيل حازتا نصيب الأسد. أميركا هي سيدة اللعبة، والمشرفة على تحريك خيوطها. فكل قطعة شطرنج تحرك، تتم بإذنها. تعفف ترمب، وتحججه بأن «سوريا ليست صديقتنا، ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها»، هو من باب ذرّ الرماد في العيون. انظر كيف يحاول المحلل السياسي الشهير توماس فريدمان في مقالته في «نيويورك تايمز» أن يقنع ترمب بأن «سوريا هي حجر الزاوية في الشرق الأوسط بأكمله، وإن انهارت فكما جسر متفجر، سيُوجِد فرصاً هائلة يستغلها الجميع». مع أن ترمب ليس بحاجة لمن يقنعه.

لا يخفي الأتراك أنهم ينسقون مع أميركا، خطواتهم ودعمهم للمعارضة المسلحة، بل ثمة اتفاقات تتعلق بترتيبات المناطق الكردية في سوريا. استولت المعارضة المسلحة بلمح البصر على دير الزور ومنبج، ثم أوقف القتال، لأن ثمة ما أبرم بين الطرفين.

الاتفاقات التي تحقن الدماء ليست بالأمر السيئ، لكن بعضها شرير وقاتل. إسرائيل أيضاً تتوافق في خطواتها العدوانية في سوريا، مع الإدارة الأميركية الحالية.

وما ترتكبه من تدمير واحتلال، بهدف إثارة البلبلة والفوضى، هو الأخطر على مستقبل سوريا. لم تترك إسرائيل فسحة يوم واحد للشعب السوري للابتهاج بحريته التي نالها بعد ديكتاتورية 54 عاماً. كان بمقدورها أن تؤجل حربها الحاقدة لو لساعات. شنّت أكبر وأشرس عملية قصف في تاريخها، شارك فيها 300 طائرة حربية. أي عملياً كل أسطولها الجوي. وكهدية في هذه المناسبة السعيدة، سرقت إسرائيل هضبة الجولان.

وقف نتنياهو على قمة جبل الشيخ، وقال كمن امتلك العالم، وقد انكشفت أمامه دمشق والبقاع اللبناني، وهضاب الجليل وبحيرة طبريا: «ستبقى الجولان قطعة من إسرائيل إلى الأبد». لم يكتفِ بذلك، بعد أيام من قصفه الوحشي لعاصمة عربية هي بيروت، زحفت دباباته لتتمركز على بعد 20 كيلومتراً من دمشق، وكأنما يقول إنه قادر على الوصول إلى العاصمة العربية التي يريد. كل ذلك متزامناً مع إبادة كاملة لمعدات وأسلحة الجيش السوري، من سفن وطائرات ودبابات وصواريخ ودفاعات جوية، ومراكز أبحاث مدنية وعسكرية، حتى بعض مراكز الدولة المدنية. تباهى الإعلام العبري بأن «إعادة تأهيل الجيش السوري ستكلف مئات المليارات، وستمتد لجيل كامل». وانتشى ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي قائلاً: «كم عظيم أن تصبح سماء دمشق آمنة لطائراتنا، كأننا نحلق فوق حيفا أو تل أبيب».

عدوان ستحاسب الأجيال السورية عليه إسرائيل من دون شكّ. فأولئك الذين قصفت بيوتهم طائرات بشار الأسد قبل 12 عاماً، هم الذين عادوا بأسلحتهم وغضبهم ليدخلوا المدن السورية فاتحين. أياً تكن قدرات إسرائيل اليوم، فإن الأطفال الذين رأوا الطائرات الإسرائيلية تحرق ممتلكاتهم، وتحطم قوة جيشهم، وتقتحم قراهم وتجتاز أراضيهم، لن يحملوا في قلبهم محبة ولا سماحة لهؤلاء الغزاة. ولا داعي للحديث عن أطفال غزة، فهؤلاء سيفعلون ما لا يخطر على بال أحد.

حسابات الربح والخسارة معقدة في الحروب، بالأمس، كانت إيران سيدة في سوريا، وها هي خرجت. وروسيا تفاوض لإبقاء قاعدتيها والحد الأدنى من قواتها، وقد لا تفلح. و«حزب الله» محاصر من إسرائيل جنوباً وشرقاً من الجهة السورية، ومرصود من البحر والجو. لكن محللين إسرائيليين يتحدثون عن خطر لا يزال يحيط بهم، من الخاسرين، الذين ربما يَجِدون بعد حين منافذ صالحة ليعودوا.

إسرائيل أرادت التخلص من بشار الأسد، واحتفت بالمعارضين، لكنها تخشاهم أيضاً. ما تحلم به حقاً هو تقسيم سوريا، لا يتكلمون في إعلامهم بغير ذلك. غالبية محلليهم يراهنون على اشتباكات بين مجموعات النظام الجديد، بفئاتها المختلفة، التي قد تشغلهم سنتين على الأقل. يراهنون على أن «سوريا كدولة لم تعد موجودة» كما يقول إيتان دانغوت، السكرتير العسكري السابق لوزراء أمن إسرائيل. هذه مقولات يتبنونها، كي تصبح أرض سوريا مستباحة، وإسقاط اتفاقية فكّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل بعد حرب 1973 مبررة.

من المشين أن هذه الاتفاقية التي تلغيها إسرائيل اليوم من جانب واحد عُقدت برعاية أميركية. لكن كل شيء يسقط أمام المفاهيم المطلقة التي يشنّ وفقها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ما يسميه «حرب القيامة»، التي باتت حرباً على كل ما يتحرك في المنطقة، يريد فيها «انتصاراً حاسماً»، وقضاء «كاملاً» على «حماس»، و«تغيير الشرق الأوسط».

وهو بالفعل يتحول، وتنقلب الموازين. ومع ذلك، فإن إسرائيل كلما شعرت بقوة أكبر، ازدادت شهوة لمزيد من القوة والتملك. وهذا ما اعتبرته «هآرتس» خطراً. فها هي إسرائيل تكثر من المناطق العازلة حولها، ثم تحتاج أن تبني عليها المستوطنات، ومن ثم ستجد ضرورة لحمايتها، بمناطق عازلة جديدة. وكل أرض محتلة إضافية تستجلب من يقاوم الظلم ليستعيدها. ونبقى مع هذا الداء في لعبة دائرة العنف المغلقة، لمجابهة الأطماع «المطلقة».

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا أولاً سوريا أولاً



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab