سقطة أخرى في الكابيتول

سقطة أخرى في الكابيتول

سقطة أخرى في الكابيتول

 العرب اليوم -

سقطة أخرى في الكابيتول

بقلم:سوسن الأبطح

يصل بنيامين نتنياهو إلى أميركا ويداه ملطّختان بدماء عشرات آلاف الفلسطينيين، تاركاً خلفه آلاف المعوقين ومبتوري الأطراف، عدا اليتامى والثكالى، وأكثر من مليون جائع، وحرباً مشتعلة لا تزال تحصد الأبرياء.

سقطة جديدة للديمقراطية الأميركية... استقبال وتكريم شخص مُدانٍ من أغلب المنظمات الإنسانية، وتستعدّ المحكمة الجنائية لإصدار مذكرة توقيف بحقه، وتطارده المظاهرات التي تطالب بمحاسبته أينما حلّ. تلك حادثة سيسجّلها التاريخ؛ لأنها «المرة الأولى التي يعطَى فيها مجرم حرب شرف إلقاء خطاب أمام الكونغرس»، كما علّق السيناتور بيرني ساندرز.

نتنياهو ارتكب مختلف الجرائم والمخالفات، متّهم بقضايا فساد بصفته رئيس وزراء، وبإبادة شعب، وسرقة وبناء مستوطنات على ما يقارب نصف أراضي الضفة الغربية، واللائحة تطول.

يأتي الاستقبال بعد أيام فقط من قرار الكنيست رفض إقامة دولة فلسطينية، ونتنياهو نفسه استبق القرار وكأنما يوجّه صفعة لكل القرارات الأُمَمية عندما أعلن: «لن نسمح لهم بإقامة دولة إرهابية، ولن يمنعنا أحد من ممارسة حقنا الأساسي في الدفاع عن أنفسنا، لا الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا أي هيئة أخرى».

الكابيتول، الذي يُفترض أن يكون رمزاً لأرقى الممارسات الديمقراطية، يتحوّل إلى مكان لتحطيم صورتها وتشويه سمعتها. قبل استقبال نتنياهو بـ4 سنوات كان الحدث الذي هزّ العالم.

ظن البعض في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2021، أن حرباً أهلية قد نشبت في أميركا، عندما رفض دونالد ترمب هزيمته بالانتخابات الرئاسية في مواجهة جو بايدن، وهاجم آلافٌ من مؤيديه الكابيتول، في مشهد هوليوودي لم تعرف له أميركا مثيلاً في تاريخها. اقتحم مناصِرو ترمب المبنى على المجتمِعين، وحطّموا وكسّروا، وضربوا وقتلوا 5 أشخاص، انتصاراً لترمب الذي رفض الخسارة، ثم تمادى وقال إن النتائج مزوّرة، دون أن يقدّم دليلاً ملموساً، لكنه بقي مُصرّاً على عناده.

أميركا لا يبدو أنها تعباً بأضرار غزوة الكابيتول وأبعادها، أعادت ترشيح ترمب للرئاسة مرة أخرى، وتبيّن أنه لم يُنبَذ أو يُرفَض، بل لا يزال له مؤيّدوه، ومَن يَعُدّونه مُخلِّص البلاد من أزماتها، وأمام هذا الإعجاب اضطر جون بايدن للتخلّي عن ترشّحه تحت ضربات ترمب الساخرة، أقلّها وصفه له بأنه «محتال»، و«مليء بالهراء»، و«لا يمكنه المشي، أو أن يجمع كلمتين معاً».

تحويل اللعبة الانتخابية إلى مجموعة من الشتائم بين مسنَّين، بدلاً من أن يتنافسا على تقديم برامج انتخابية ناجعة، لبلد يعاني التضخم، والديون المتراكمة، وضعف الدولار، لهو في عمق الاهتزاز الثقافي. أما خضوع الناخبين لبروبغندا وسائل التواصل، فهذه مسألة لا تقل خطراً؛ إذ لا شيء يمكنه أن يُقنع محبي ترمب بأن عدد العاطلين عن العمل في أدنى مستوياته في عهد بايدن، عكس ما يُشيع ترمب، وأن الوضع الاقتصادي في زمن هذا الأخير لم يكن أفضل حالاً، على غرار ما يدّعي.

اختلّت الموازين والمقاييس في بلاد العم سام، وانحدرت الحملات الانتخابية إلى درك مَعيب، بمجرد أن تنحّى جو بايدن كانت فيديوهات الهزء من المرشّحة الديمقراطية المحتملة كامالا هاريس جاهزة، «إنها مجنونة»، اتهمها ترمب، «أدعوها كاميلا الضاحكة، هل رأيتها تضحك؟»، ثم ينشر فيديو خضع لمونتاج رخيص، يجمع ضحكات هاريس المفرقعة، بشكل متوالٍ، لتبدو كأنها في حالة هستيرية.

في الحملة السابقة نعت ترمب المرأة بأنها «وحش» و«امرأة غضوبة»، وهي ألفاظ تنطوي على بُعد عنصري، وتعبّر عن الصورة النمطية للمرأة السوداء في المجتمع الأميركي.

أضرّت أميركا بالديمقراطية أكثر من الديكتاتوريات المعادية لها، متى كانت أميركا تغفر لمرشّحيها عدم دفع ضرائبهم، أو التحرش بالنساء، أو التنمر على العجز والمرض، ووسْم الآخرين بألفاظ عنصرية؟ تهمة واحدة كانت تكفي لتطيح بالمرشح، فما بالها تسمح بكل ذلك دفعة واحدة؟

يُعيد ويُكرّر المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود، تأكيده مسؤولية أميركا الكبرى في إضعاف الديمقراطية وقيمها في العالم، وهو ما سيؤدي في النهاية، إذا لم يتم تدارك الأمر، إلى انهيار غربي، ويعتقد هذا الأنثروبولوجي والمتخصّص في الديموغرافيا، بناءً على أرقام وبيانات، أن أميركا بدأت تُغرق العالم في العنف منذ حرب فيتنام إلى اليوم، بحروب جوّالة لم تتوقف، وصولاً إلى حرب روسيا وأوكرانيا، وهو ما ألحق الضرر بنموذج نجح في أن يكون مشتهى الشعوب، وأعطى أحقية لأنظمة ديكتاتورية تدّعي أنها تقدّم نموذجاً أصلح وأكثر إنسانية، رغم كل ما يقال عنها.

فهل يمكن لكامالا، أو أي مرشح ديمقراطي جديد، أن يُنقذ الديمقراطية الأميركية مما آلت إليه؟

 

arabstoday

GMT 05:20 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

السيد النائب

GMT 04:59 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

لبنان وغيره... الأحدب والنوم

GMT 04:57 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

مفاوضات سويسرا السودانية... هل من أمل؟

GMT 04:55 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

الكشف عن المدينة الذهبية

GMT 04:53 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

ليبيا وانطلاقة ماراثون توحيد الحكومتين

GMT 04:50 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

محطات مهَّدت للانهيار في لبنان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقطة أخرى في الكابيتول سقطة أخرى في الكابيتول



كارول سماحة بإطلالات راقية وجذّابة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:19 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

الحيل التي تتبعها أصالة لإبراز خصرها النحيل
 العرب اليوم - الحيل التي تتبعها أصالة لإبراز خصرها النحيل

GMT 11:58 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

جولة على أبرز أحياء العاصمة باريس
 العرب اليوم - جولة على أبرز أحياء العاصمة باريس
 العرب اليوم - نصائح لاختيار ألوان الدهانات لجدران غرف النوم

GMT 04:43 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

طريق آلام الأمم!

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

أبرز صيحات الموضة لفساتين النجمات في صيف 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab