آثارنا ليست لنا

آثارنا ليست لنا

آثارنا ليست لنا

 العرب اليوم -

آثارنا ليست لنا

بقلم - سوسن الأبطح

«سرقة القرن» التي حصلت في «المتحف البريطاني»، أسقطت ورقة التوت، خصوصاً فيما يتعلق بأحقية مصر باستعادة روائعها الأثرية؛ فإذا كانت الحجة أن سوريا والعراق ما زالا يعانيان من اضطرابات، فإن مصر قادرة على صون كنوزها، وبات لها أجمل المتاحف، وأهل المنطقة أحق بالاستمتاع بآثارهم من الأوروبيين.

     

 

             

 

فكيف يمكن أن تُسرق ألفا قطعة من أقدم وأعرق متحف وطني في العالم، وبريطانيا هي الدولة الأكثر شراسة وصدوداً وإنكاراً لحق أصحاب الآثار في إرثهم، على اعتبار أن لها من الأنظمة ما يصون كل نفيس.

قد يُقال إن السرقات تحدث، والأمر ليس بجديد، لكن الاعتراف بأنه لا كشوفات ولا بيانات دقيقة بمحتويات المتحف البريطاني بسبب غياب الإحصاءات، أمر في غاية الخطورة؛ فما الذي تركه الإنجليز من دقة التنظيم لبقية الشعوب؟! وهذه الكمية من المسروقات لا يمكن أن تخرج من خزائنها دون تواطؤ من الداخل، وثغرة بين الموظفين أنفسهم، وأن تُعرض القطع علناً على الإنترنت، ويراسل أحدهم المتحف ليعلمه بذلك قبل سنتين، دون أن يحرك أحد ساكناً، فذلك كله يشي باستهتار لا يُوصَف.

ما لا تعترف به المتاحف «العظمى» أنها لم تكتفِ بأن تضم سرقات المرحلة الاستعمارية متسلحة بالقوة والسطوة، وتتعامل مع أثريات الشعوب الأخرى وكأنها ورثتها عن أجدادها، ولكنها لا تزال تشتري المسروقات، وتتغاضى عن فظائع المخالفات، حين يكون ذلك في صالحها. ويُقدَّر سعر القطع التي تُهرَّب وتباع بطرق غير شرعية بعشرة مليارات دولار سنوياً، وهو ما تتعامل معه غالبية الدول بتراخٍ... و«اليونيسكو» بما يشبه العجز التام.

بمحض الصدفة اكتشفت مصر سرقة مومياء مذهّبة، حين نشرت نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان صورة لها بقربها، في «متحف متروبوليتان» في نيويورك، قبل سنوات. واضطر المتحف لإعادة المومياء التي قال إنه دفع ثمنها 4 ملايين دولار بسبب أوراق مزورة، واحتفظ بها 7 سنوات قبل أن يُفتضح أمرها؛ فهل الـ«ميتروبوليتان» من السذاجة بحيث لا يتأكد من السلطات المصرية؟ وهل في السويد أو النمسا مومياوات؟

نحن لا نفتري على الـ«ميتروبوليتان»؛ فقد اعترف مديره السابق، توماس هوفينج، الذي عُرِف بـ«صائد الكنوز»، في مذكراته التي نُشرت عام 1994، بأسلوبه في «القرصنة»، وأنه جمع كثيراً من القطع والأعمال الفنية بفضل تعامله مع قائمة طويلة من «المهربين والوسطاء».

ولا يزال مهرب الآثار أو سارق اللوحات الفنية يُنظر إليه على أنه «لص ظريف، وغالباً ما تُغتفر ذنوبه، أو تُخفف الأحكام الموجهة إليه، مع أن المشتغلين بهذه السرقات هم عصابات تعمل بأساليب محكمة ولها أذرعها، وغالباً ما تنسق مع جهات عليا تحميها وتتستر عليها.

ثمة جو مؤاتٍ الآن في أوروبا لإثارة موضوع استعادة المسروقات.

ففي فرنسا أطلق تقرير «صار - سافوي»، الذي أعدته المؤرخة بنديكت سافوي والاقتصادي السنغالي فلوين صار، بشأن إعادة فرنسا ما غنمته من تحف فنية خلال استعمارها لعدد من البلدان الأفريقية.

واعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن 80 في المائة من الآثار الأفريقية موجودة في أوروبا. وما يؤرق الجميع أن هذه الدول نُهبت إلى حد أنه لم يبقَ لها ما تعرضه في متاحفها، وتنتظر أن يمنَّ عليها الغرب بشيء من ممتلكاتها.

يتبين أن «المتحف البريطاني» لديه وحده 70 ألف قطعة، و«متحف كيه برانلي» الفرنسي 60 ألفاً، وقد تجول باماكو وداكار مجتمعتين فلا تعثر على 9 آلاف قطعة أثرية.

لهذا تتجند المتاحف الأوروبية لسد الخلل الفاضح، لكنها تعدّ، وهذا مريب، أفريقيا التي تتحدث عنها هي جنوب الصحراء، وكأن آثار شمال أفريقيا ليست في الحسبان.

ولعلهم محقون؛ فهل تتخيل «اللوفر» من دون القسم الفرعوني، وفيما بعد من دون تحف «بلاد ما بين النهرين»، والأمر نفسه في برلين وأميركا؟!

ثمة مَن يسخر ويقول: «في (المتحف البريطاني) آثار لكل الحضارات إلا البريطانية».

الأثريون يحتفلون بثمار نضال عمره أكثر من 50 سنة، ويرون أن بدء إعادة القطع ولو بالقطارة، ومن دون استشارتهم في نوعيتها وقيمتها، ومراعاة أولوياتهم، أشبه بسقوط جدار برلين، من حيث الأهمية التاريخية.

وبطبيعة الحال، فإن المعارك العربية سابقة على الأفريقية، ومنها ما بدأ في الثلاثينات. وغالبية ما نُهِب من بلادنا خرج بطرق غير مشروعة، بلا خجل ولا وجل، وثمة قوانين إن أعيد العمل عليها، ترافقها ضغوط عربية شعبية وصحافية، يمكن أن تسهم في ترخية القبضة الغربية.

على رأس اللائحة «رأس نفرتيتي» بـ«متحف برلين» الذي يقول الأثريون المصريون إنه تعرض للإهانة مرات عديدة، منذ أن سرقه الألماني بورخاردت عام 1912، وأُعجب به هتلر، ورفض إعادته. ولم يعد مقبولاً أن يبقى «حجر رشيد» على ما له من أهمية تاريخية، ورمزية لمصر، في «المتحف البريطاني»، وهو يضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة.

رغم اتفاقية «اليونيسكو» لعام 1970 التي تهدف إلى إنهاء التجارة غير المشروعة بالآثار، فإن المتاحف، بما في ذلك المتاحف الكبيرة، مثل «متروبوليتان» و«المتحف البريطاني»، استمرت، لم تتوقف أبداً عن الشراء من لصوص الفن والآثار.

يخبرنا الأثري الهندي فيجاي كومار، الذي كتب عن سعيه الطويل لإعادة آثار بلاده المنهوبة أنه اكتشف أن أعمال النهب تتوقف ببساطة حين تكف المتاحف عن شراء المسروقات؛ فبمجرد إطلاق مبادرة إعادة بعض التحف الأفريقية إلى أهلها، انقلبت أسعار الآثار الأفريقية، وتهاوت في الأسواق.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آثارنا ليست لنا آثارنا ليست لنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab