الملابس الفاضلة

الملابس الفاضلة

الملابس الفاضلة

 العرب اليوم -

الملابس الفاضلة

بقلم - سوسن الأبطح

«ملابس نباتية»، «موضة أخلاقية»، «ماركة مسؤولة»، «متجر بيئي»، «بنطلون مرسكل»، كلها مصطلحات ستصبح من يومياتنا، إن لم يكن البعض قد انخرط في الموجة. فبعد الأطعمة العضوية، والإعلاء من شأن النباتيين، والتحفيز على احترام الطبيعة، واحتقار المنتوجات البلاستيكية المدمرة، التي كانت فخر الصناعات الحديثة، جاء دور الملابس.
كثيرون سخروا من بريجيت باردو، يوم كانت تقود حملتها للرفق بالحيوان، وتحارب الذبح وسلخ الفراء من أجل معطف وثير. أصبحت النجمة الفرنسية متأخرة عن الركب، وسبقتها الموجة. تتنافس كبريات دور الأزياء على إعلان توبتها عن استخدام فراء الحيوانات، لكن ذلك لم يعد يكفي. صارت الشركات مطالبة بإعادة النظر في كل دورتها الإنتاجية، من الإمداد إلى إعادة التدوير، بما في ذلك التعبئة والنقل، مع اعتماد نهج تقليل الفائض ومحاربة الاستهلاك المفرط. وكلها شروط تتعارض والربح الوقح الذي بات إدماناً.
سرّعت الجائحة في تهذيب أحاسيس البعض حيال السلوك الإنساني الذي يزداد جشعاً. ففي الـ15 سنة الأخيرة، وبسبب انتقال المصانع من أوروبا المكلفة، إلى شرق آسيا ويدها العاملة الرخيصة والسريعة، تضاعفت المنتوجات وتهافت الزبائن على الاقتناء. صارت بعض المتاجر، بدل أن تطلق مجموعتين في السنة، تجدد معروضاتها 20 مرة، بنوعيات رديئة.
خرج شعار «استهلك أقل ولكن أفضل»، وبات على المصنّعين أن يقدموا قطعاً أكثر جودة، ولو أغلى سعراً، بدل أن تتحول الأرض بمن عليها إلى مزبلة. فقد صارت بالفعل شواطئ تشيلي مكبّ نفايات للأغنياء؛ حيث يصل 60 ألف طن من الملابس كل عام إلى ميناء إكيكي، يتم شراؤها من قبل تجار الملابس أو تهريبها إلى أماكن أخرى، ويكتسي فقراء تشيلي، لكن الغالبية الساحقة من البضائع الرثة، تتحول إلى جبال من النفايات، وتنتهي وبالاً وتلوثاً، وحرقاً، وأمراضاً مزمنة. وإن كانت أميركا واليابان من أكثر الدول تصديراً للنفايات النسيجية والأحذية، فإن غانا إلى جانب تشيلي من أكثر البلدان خضوعاً لمنطق القوي، الذي يحق له أن يرمي كوارثه البيئية على الآخر. 15 مليون قطعة ملابس مستعملة تصل إلى غانا أسبوعياً، نصفها مجرد خرق غير صالحة لشيء، تلوث الشاطئ قبل أن تنتقل إلى عمق المحيط، لا تذوب في الرمل ولا تفنى في البحر.
يتبين أن المصنوعات النسيجية هي الملوث الثالث عالمياً، مسؤولة عن 10 في المائة من إجمالي انبعاثات الكربون، وعن 20 في المائة من إجمالي تلوث المياه نتيجة معالجة النسيج صناعياً. تَلَفُها في الطبيعة يعادل إلقاء 3 ملايين برميل من النفط في المحيط كل عام. هذا عدا الهدر الفائق في استخدام المياه، إذ يحتاج كل بنطلون جينز إلى 7500 لتر من الماء، قبل أن يصل إلى السوق. هذه الصناعة بعد أن انفجرت استهلاكاً، صارت تحتاج 93 مليار متر مكعب من المياه، في زمن نهدد فيه بالعطش، فيما هذه الكمية تكفي لسد احتياجات 5 ملايين شخص.
أرقام الخراب البيئي التي نعرفها محدودة، يتناقلها الخبراء والمعنيون ليدقوا ناقوس الخطر، أمام هجمة الشركات الكبرى وفتنتها بالبيع وجني الأرباح.
الجنون الاستهلاكي، و«البطر»، جعلا الحاويات تجوب البحار، جيئة وذهاباً، لنقل المواد الأولية، ومن ثم شحن الملابس وتوزيعها على الأسواق فور جهوزها، ومرة ثالثة، تنقل وقد تحولت إلى قطع رثة، قبل أن تصبح مقبرة لكائنات البحر، وسُماً للبشر. هذه الدورة الجهنمية غير قابلة للكسر ببعض المسكنات والوعود التجارية.
لا يكفي أن تعلن مؤثرات شهيرات على «إنستغرام» أنهن يبعن أزياءهن الفخمة لمواقع الملابس المستعملة، تشجيعاً للتمثل بهن. ولا يفي بالغرض أن تبدأ بعض المتاجر في أوروبا بتأجير بعض بنطلوناتها أو أحذيتها، مقابل مبلغ شهري صغير، ثم تستعيدها لتدويرها، وبيعها، بسعر أرخص. تلك محاولات متواضعة، يصعب مقارنتها بآلاف أطنان الملابس التي تصنّع، كما لو أن شيئاً لم يحدث.
بدل أن تتخذ الشركات إجراءات سريعة وحاسمة، فإنها تكتفي بالإعلان عن استخدام القطن الطبيعي في بعض المنتوجات، أو تحسين شروط طفيفة، وتؤجل خطواتها الجدّية إلى سنوات مقبلة، ومنها من أعطت وعوداً لعام 2030 و2050. تلك مماطلة، بينما درجة واحدة إضافية من الحرارة، ستجعل من حياة البشر جحيماً مقيماً، ولا أحد يعبأ.
كتبت صحيفة لوموند مقالاً ساخراً أسمته «المدينة الفاضلة للأزياء المستدامة» تتحدث فيه عن سلوك الشركات والوعود البراقة المؤجلة، وصعوبة التحقق من التنفيذ، وقلة الشفافية.
جعجعة كبيرة، إعلانات، مقالات، مواقع، نصائح، تجارب، خطابات، شعارات، ولا نرى طحيناً، كما أننا لا نأكل خبزاً، ولا نزال نشتري ونبذّر ونرمي، إلى أن يأتي يوم، ندرك فيه أننا نُحكم لفّ ملابسنا حول أعناقنا ونختنق.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملابس الفاضلة الملابس الفاضلة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab