نريد أن نعرف عن درويش

نريد أن نعرف عن درويش!

نريد أن نعرف عن درويش!

 العرب اليوم -

نريد أن نعرف عن درويش

بقلم - سوسن الأبطح

شهادة الكاتب والقيادي في حركة «فتح» نبيل عمرو التي حملت عنوان «لقاء وافتراق قمتَي الثقافة والسياسة»، ونشرت في «الشرق الأوسط» قبل أيام، عن علاقة ياسر عرفات بمحمود درويش، بمناسبة مرور 15 سنة على وفاة الأخير، تفتح الشهية لمعرفة المزيد، عن هذا الجانب الخفي من حياة أحد أنبغ شعراء العرب في العصر الحديث. حياة الأديب تدرس بكليّتها وشموليتها، وقصائده تعاد قراءتها على ضوء المعلومات المستجدّة التي غالباً ما يلقى عليها الضوء بعد مرور سنوات على الغياب. تستّر درويش على حياته السياسية وكأنها عورة تضرّ بالشعر وجماليته، وتجرح قرّاءه، من المفترض أن تسقط بمرور الزمن، ومن حقّ القارئ على زملاء الشاعر ورفاقه في منظمة التحرير، وعايشوا تفاصيل تلك التجربة التاريخية المفصلية في الحياة العربية، أن يبوحوا بما لديهم.

بعض السُتر أشيحت، لكن ما نعرفه لا يفي بتوضيح الصورة. الوقت يمرّ سريعاً، والذاكرة يأكلها النسيان. ترك المساحات البيضاء يملأها محبو التصيد والتسلي بحياة محمود درويش العاطفية وعلاقته بالنساء وادعاء أبوته لأطفال والقرب المزيف منه، تسيء للشاعر، وصمت أصدقائه الخلّص، يُبقي علاقة القراء به منقوصة، وصورته مجتزأة في الوجدان. حذّر الباحث شكري ماضي قبل سنوات طويلة من مغبّة تحويل محمود درويش إلى أسطورة واختزاله وتحنيطه، بحيث يمنع المسّ به، كان ذلك في كتابه «شعر محمود درويش... آيديولوجيا السياسة وآيديولوجيا الشعر».

فكل أديب أو نجم، يحلو له أن يرسم لنفسه هالة خلال حياته، يتمنى لها ألا تخترق، لكن وظيفة النقاد أن يمزقوا الحجب، وواجب النائمين على الأسرار أن يقربونا من الحقيقة، ويدلوا بما لديهم، حتى وإن كان درويش قد رأى في حياته عكس ذلك، بخاصة في مرحلة ما بعد ثمانينات القرن الماضي وخروجه من بيروت، ودخوله مرحلة الكتابة الرمزية، والبعد عن المباشرة.

درويش يملك من العبقرية الشعرية الفذة، ما كان يسمح له أن يكتب عن أوسلو وعرفات وشارون بغنائية شعرية لا تصدّق، لكنه لم يرَ مصلحة فنية في ذلك، وربما أنه كما يقول عنه صقر أبو فخر «هو شجاع لكن يرتجف». فقد كتب شعراً قصص طفولته الأكثر حميمية. كتب عن حادث الباص الذي تعرض له، عن أخته التي ماتت، عن نجاته مراراً من الهلاك، عن تعرضه للغرق في البحر بسبب جهله التعامل مع الماء. نقرأ هذا في ديوانه الأخير «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، وكنا نتمنى حقاً لو أنها لم تنتهِ، وصف مدهش لطفولة وشباب عاديين. يمكنك حقاً أن تصف ما كتبه على أنه اختزال وتقطير ولغوي نادرين حين يحدثك عن أنواع الأمراض التي تعاني منها عائلته، عن الخلل في الشرايين، إلى ضغط الدم، والإنفلونزا، والخجل المزمن وصولاً إلى الفشل في الغناء.

تفتح عينيك واسعتين حين يصل لوصف تفاصيل جسده في قصيدة «لاعب النرد» ويخبرك: «لم أَجتهدْ كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً!» ليست هذه القصيدة الوداعية التي ألقاها على جمهوره من ديوانه الأخير استثنائية. لمحمود درويش نبوغ لغوي خارق في قدرته على إيهامك بالنثر وهو يكتب شعراً، ويجعلك تلهو بالإيقاع، بينما هو يحكي لك عن تفاصيل يومياته في الكثير من الدواوين. هذا وافر في «ذاكرة للنسيان» و«أثر الفراشة» و«في حضرة الغياب». دواوين في غالبيتها أتوبيوغرافيا درويشية مذهلة، والترميزات السياسية فيها، حتماً تحتاج إلى من يعرف مكامنها وخلفياتها، ومقاصدها. وهذا لن نصل إليه من دون مساعدة رفاق درويش الأقرب.

في المقالة التي كتبها نبيل عمرو، وهو ذكر المزيد في كتابه «محمود درويش حكايات شخصية» واضح أن الشاعر كان مثقفاً حراً ومستقلاً، رغم علاقته الوثيقة بعرفات، وتقاضيه راتباً من منظمة التحرير. فهو أحد الأدباء العرب الندرة الذين تفرغوا للكتابة وتمتعوا بترف التمويل، ومع ذلك لم يشعر بأنه يُشترى أو يُستأجر، وأن عليه أن يرضخ، أو يبيع مبادئه. عارض الكثير من مواقف عرفات وسياساته، وحين استوجب الأمر أن يستقيل من اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»، فعل وعاند. وثمة من يروي أن تحويلاته المالية من منظمة التحرير شحّت، في تلك الفترة، بسبب معارضته اتفاق أوسلو وغضب عرفات منه، وأنه عاش في ضائقة في باريس، ومع ذلك لم يخفض السقف، ولم يتنازل عما اعتقده صواباً. تفاصيل كثيرة، وخبايا هي جزء من تاريخنا، وأساسية لقراءة نتاج محمود درويش الغني. فكل تفصيل في حياته الشخصية كان يتموضع على مفصل سياسي حاسم. والروايات المتعددة حين تتقاطع، هي وحدها قادرة على أن تشكل التراكم المعرفي المساند للبحث العلمي الحق.

حين سئل درويش في مقابلة تلفزيونية عام 2001: في ما يتعلق بصورتك، هل تستطيع أن تفصل بين الشعر والسياسة؟ أجاب «لا مش قادر أفصل».

ونحن كقراء وعشاق لقامة شعرية بتنا على ثقة بأنها لن تتكرر «مش قادرين نفصل»، حتى ولو أراد صاحب الشأن أن يقنعنا طوال حياته، بغير ذلك.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نريد أن نعرف عن درويش نريد أن نعرف عن درويش



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab