وخذلتهم التكنولوجيا

وخذلتهم التكنولوجيا

وخذلتهم التكنولوجيا

 العرب اليوم -

وخذلتهم التكنولوجيا

بقلم - سوسن الأبطح

ليست المرة الأولى التي تخذل فيها التكنولوجيا إسرائيل. ففي أثناء حرب 2006 دخلت دبابات «الميركافا»، فخر الصناعة الحربية الإسرائيلية الأراضي اللبنانية، في اجتياح واثق، لتتحول رغم طرازها المتطور - وكانت قد وصلت إلى الجيل الرابع - إلى توابيت للجنود الإسرائيليين، بفضل استهدافها بصواريخ بدائية الصنع. وما عرف بعدها بـ«مجزرة الميركافا»، في «وادي الحجير» جنوب لبنان، كان نهاية حياة هذه الدبابة، التي خرجت من الخدمة مهانة، ومذلولة. وفي مواجهة الطائرات الذكية التي تسدد أهدافها ببراعة، حفرت الخنادق، وتموه المقاتلون تحت الأشجار الكثيفة، واختبأوا في بيوت تحت الأرض، وفي قعر المباني، وأوقعوا بالجنود الإسرائيليين.

كان هذا قبل 17 عاماً، من حينها يفترض أن إسرائيل عرفت جيداً أسلحة محيطها المعادي. لكنها بدل أن تفهم منطق عدوها، تسلحت بعنجهيتها وتكبّرها، ليس فقط بأنها فعلت كل ما بوسعها، لتجعل تطبيق اتفاق السلام مع الفلسطينيين ضرباً من المستحيل بزرع المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وحولتها إلى قطعة من جبنة «الغرويير»، وإحكام إغلاق غزة على ساكنيها، والإجهاز على البيوت، والشجر، والتفقير والتجويع والتركيع، بل إن الجيل الإسرائيلي الجديد، الذي يعيش على مبعدة أمتار من الفلسطينيين، يظن أنه ينتمي جغرافياً لأوروبا، ويريد أن يعيش بجوارنا لا معنا.

وبدل أن تتواضع إسرائيل التي لا تزال تحيا نشوة انتصار 67، زادت من اعتمادها على التكنولوجيا العسكرية، مقتنعة أنها كلما شعرت بالخطر دكّت أعداءها بالطائرات وصبت عليهم نيرانها وأسكتتهم. سنوات والجيش الإسرائيلي يتحدث عن ضعف بالغ في قدراته على خوض معركة برية.

مليار دولار لرفع سور ذكي يغلق غزة بالكامل، ويحولها بالفعل إلى أكبر سجن في العالم، يطبق على مليوني شخص، لكن لسوء حظ إسرائيل فإن متوسط أعمار سجنائها الغزيين لا يتجاوز 18 عاماً. هؤلاء جيل آخر، غير أطفال الحجارة الذين قمعتهم، وأطفال أوسلو الذين خيبتهم وسخرت منهم. لقد أحرقت إسرائيل الفرصة جيلاً بعد جيل، تعنتاً، لأنها تريد أن تبتلع كل شيء، وها هي تواجه جيل الإنترنت الذي يجيد الإفلات من لعنة الذكاء الاصطناعي.

تتحدث مجندة إسرائيلية عن استحالة اختراق جدار غزة الإسمنتي - الحديدي الذكي، المزود بكاميرات وأبراج مراقبة وأجهزة استشعار، وله فريق بشري، يراقبه على الشاشات، مدار اليوم، ويتأكد أنه ما من نملة تدب بالقرب منه. تصرخ المجندة وهي تتوجه للإسرائيليين بالقول: «علينا أن نعرف ما الذي حدث بالضبط، كانوا يوقظونني من النوم، لو شعروا أن فأرة تمر من هناك، كيف اجتاز الجدار مئات الأشخاص؟!».

ظنت إسرائيل أن الكاميرات والآلات الذكية، كافية وحدها لردع الغزيين، فإذا بهم يمرون من بين الثغرات ويتسللون من العيوب الصغيرة، ويعطلون الأجهزة، بطرق بدائية، فيما حولوا حرّاس الجدار إلى عميان، والقبة الحديدية التي يقول عنها المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي إنها تعمل بكفاءة عالية، إلى تقنية مشلولة، هذه أيضاً حيّدت بفضل خمسة آلاف صاروخ رشقت في وقت واحد، مع أنها تشبه مواسير بيتنا لكنها حشيت بالديناميت، بحيث إنها شغلت القبة الحديدية ليطير المظليون وكأنهم أسراب حمام ويبدأون مهمتهم من قاعدة رعيم، بعد أن قطعوا الصلة بين الجنود في المركز الرئيسي لقيادة غزة العسكرية ومحيطه، واستفردوا بالعناصر.

المظليون الذين رأيناهم يطيرون فوق الجدار، يذكّرون بفرق ألمانية وتابعة للحلفاء استخدمت هذه الوسائل في الحرب العالمية الثانية. إنها أساليب لا تنتمي للعصر، لكنها تناسبه تماماً.

قرر الغزيون إذن، تعطيل التكنولوجيا، أو التحايل عليها، طالما أن التفوق غير ممكن. حكي كثيراً، عن قراصنة، وشلّ مواقع إلكترونية، لكن يبدو أن كل هذا لم يحدث.

وكي تعرف مدى اعتماد إسرائيل على الذكاء الاصطناعي، في جمع المعلومات وتحليلها، والإفادة منها، فإن عشرات آلاف جنود الاحتياط الذين استدعتهم مؤخراً هم من الضليعين في هذا المجال.

كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «غزة هي المكان الأكثر تصويراً ومراقبة على هذا الكوكب؛ حيث إنه بفضل صور الأقمار الاصطناعية والطائرات من دون طيار وكاميرات المراقبة، يُقدر أنه يتم تصوير كل متر مربع من غزة كل عشر دقائق».

كل هذا الإخفاق الاستخباراتي في استثمار التكنولوجيات المتقدمة، يشكل دعاية سيئة لإسرائيل وكفاءتها في ميدان لا تكل عن المباهاة به.

تعاني أصلاً شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة من انخفاض التبرعات التي تتلقاها بما يقارب 70 في المائة، نسبة إلى الأعوام السابقة، ويتوقع أن تعاني الشركات الناشئة أكثر في الأشهر المقبلة، وهي التي تعتمد على الاستثمارات الخارجية، وذلك بعد صدمة «طوفان الأقصى». إذ لم تجمع الشركات الناشئة سوى خمسة مليارات دولار هذا العام، مقارنة بـ26 ملياراً قبل سنتين فقط.

وهذا كله بسبب الأزمات التي تمر بها إسرائيل السابقة لصدمة المظلات وتحطيم شبان غزة للسور الواقي، وإفلات آلاف الصواريخ من القبة الحديدية، ما يسجل طعنة في الصميم للصناعات التكنولوجية الإسرائيلية التي يسوق لها على أنها من بين الأفضل في العالم.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وخذلتهم التكنولوجيا وخذلتهم التكنولوجيا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab