الرأسمالية حين تحرق

الرأسمالية حين تحرق!

الرأسمالية حين تحرق!

 العرب اليوم -

الرأسمالية حين تحرق

بقلم - سوسن الأبطح

لا يزال قادة العالم بغالبيتهم يعتقدون أن بمقدورهم محاربة التغير المناخي بأسلحة مزورة، مع أنها كارثة بحجم حرب كونية، وأدواتهم الهزيلة لا تسعف سوى في تضييع الوقت، ولن تؤدي بالتأكيد إلى كسب معركة.

من سوء حظ الجميع، أن الدول الأكثر إضراراً بالكوكب ديمقراطية ورأسمالية، باستثناء الصين التي لوحظ أنها رغم اعتمادها بشكل كبير على الفحم الحجري تنجح بخطى حثيثة في خفض انبعاثاتها، ولو اضطرت أحياناً إلى قطع التيار الكهربائي عن مواطنيها. وهو ما لا تستطيعه دولة ديمقراطية مثل أميركا، هي الثانية في المسؤولية بعد الصين في التسبب بالانبعاثات التي تتحول جهنم تحرق وفيضانات تغرق وتصحّر وجفاف قاتلين.

الصين نفسها تعاني بشدة من تلوث الهواء، ونضوب المياه الجوفية، وتلوث خُمس تربتها، وأن تخصص أكثر من واحد في المائة من ميزانيتها الضخمة أصلاً، هو أقل ما تستطيع فعله لحماية سكانها، والتحدي الأكبر هو أن تحافظ على تصنيع وإنتاجية عاليين وتخفض انبعاثاتها، في وقت واحد. ومع أنها لا تزال متأخرة، إلا أنها تمكنت من أن تصبح البلد الأكثر إنتاجاً للطاقة النظيفة في العالم، ومن بين الأكثر تصديراً لمعدّاتها من بطاريات وألواح شمسية، هذا عدا الهكتارات التي زرعتها شجراً وخضرة.

يبقى أن الغرب يلوّث والدول الفقيرة تكتوي بنيران القيظ، دون أن يتمكن من كبح الاستهلاك، خاصة أنه يعاني أقسى الأزمات الاقتصادية، بعد الوباء وحرب أوكرانيا ولا تملك الدول الديمقراطية ترف الرئيس الصيني تشي جينبينغ أن تأمر مواطنيها فتُطاع. وجلّ ما تستطيعه هو بعض الإجراءات المقبولة، والتركيز على تعزيز حساسية الفرد، ليأخذ المبادرة بنفسه، فيركب دراجة بدلاً من السيارة، ويستبدل كيس النايلون بالقماش، لكن هذا لا يشفي الكوكب.

لم يملك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من إطفاء برج إيفل وواجهات المَحال التجارية لتوفير الطاقة، أما البيوت فمُحال أن يضع شرطياً عند كل مكيف ليلزم مواطنيه بضبط أجهزتهم عند 19درجة مئوية.

الاستغناء عن الوفرة بعد ازدهار، وعن الحرية الفردية، والاستهلاك المفرط، وتغيير نمط العيش في الدول الغربية الملوثة التي تتسبب في خنق البشر، وحرمانهم من أكسجينهم، لن يتم بين ليلة وضحايا، مع أن الوقت لم يعد يتسع لرخاء المدللين. فالعالم يتكلّف سنوياً عدا الأرواح التي تزهق والأمراض التي تتفشى، ما يقترب من تريليوني دولار سنوياً؛ ليتمكن من التكيف مع التغيرات. ثمة معدات تسحب أو يتم تعديلها، مثل أنواع من السيارات والطائرات والأجهزة الإلكترونية، قبل انتهاء فترة خدمتها، وهذا مكلف ويحتاج إلى تصنيع، وبالتالي المزيد من التلويث البيئي. أي أننا ندور أحياناً في حلقة مفرغة، بينما يحذر العلماء من أن الاحتباس الحراري سيستمر أقله حتى 2050، حتى لو انخفضت الانبعاثات، ببطء في السنوات المقبلة. فموجات الحرارة، والجفاف، والأمطار الغزيرة، والفيضانات، ستصبح مزمنة وجزءاً من يومياتنا.

صحيح أن الفرق بين متوسط درجة حرارة الأرض اليوم، وما كانت عليه في العصور الجليدية هو 5 درجات مئوية تقريباً، لكن درجة واحدة أو درجتين كافيتين لإحداث الخلل المروّع، فتحترق الغابات وتجفّ المزروعات وتفيض البحار والأنهار.

كتبت صحيفة «لو تان» السويسرية: إنها «ليست مصادفة أن يتزامن الارتفاع الجامح في درجات الحرارة وظهور أحدث صورة رمزية للاقتصاد الرأسمالي، وهي الليبرالية الجديدة. منذ نهاية القرن التاسع عشر، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بما لا يقل عن درجة مئوية حتى عام 1975»، ويكمل المقال: «هل ينبغي أن نستنتج أن أزمة المناخ لا يمكن حلها في إطار الرأسمالية، وأن البديل الاقتصادي سيكون أكثر فاعلية أو حتى التخلي عن النمو؟». ويأمل الناشط الآيرلندي الاشتراكي جون مولينو بثورة وتعبئة ضد ما أسماه «نظام الإبادة البيئية».

والناشطون لا يخشون وحدهم اللامبالاة الغربية في مواجهة الفناء. باسكال لامي، الذي كان المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، رمز العولمة التي تحمّل اليوم بجشعها الاستهلاكي مسؤولية استنفاد المصادر الطبيعية، يحثّ على الإسراع في إيجاد حلول جذرية قبل فوات الأوان. فبعد أن ظنت أوروبا أن ما تبثه من سموم يذهب إلى أمكنة بعيدة، ها هي مناطقها الجنوبية تتحول إلى لهب، وحتى سويسرا تتزايد فيها حالات الجفاف وموجات الحرارة والأمطار الغزيرة، وبدأت تتحضّر جدياً لحرائق كبيرة في غاباتها الخلاّبة.

صندوق النقد الدولي ليس هيئة اشتراكية، لكنه يحذّر من أن 60 في المائة من سكان العالم باتوا يعيشون في بلدان معرّضة لعواقب تغير المناخ، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى 75 في المائة بحلول نهاية القرن الحالي. وإذ تبدو الإنذارات فضفاضة، فما يحدث على الأرض يؤكد أن الوقائع أكبر من التحذيرات والشرّ يتعاظم، ونصيب الفرد من الإنتاج ينخفض بسبب الكوارث، كما أن الخشية من الاضطرابات السياسية تصبح احتماليتها أكبر حتى في الدول المستقرة، حين تحلّ الكوارث الطبيعية الكبرى، وتعجز الحكومات عن معالجة نتائجها المتراكمة، بالفاعلية الكافية.

هل تدّق كارثة التغير المناخي إسفيناً جديداً في سفينة الليبرالية وعولمتها ويصبح فرض الحلول من علٍ، على حساب الحريات، هو الحل الوحيد الممكن؟ هذا ما يتساءل عنه كثيرون. وهو لا يأتي من فراغ. فعلى مدى أكثر من عشرين عاماً، نشر الباحثون في جامعة ييل مؤشر الأداء البيئي الذي يصنّف 178 بلداً، تبعاً للحرية الاقتصادية فيها، ليتبين أنه كلما طغت الرأسمالية، وزادت الحرية الاقتصادية ارتفع مؤشر التلوث.

وهذا ما يستدعي إعادة النظر في الأنظمة الاقتصادية ككل، وليس الاكتفاء ببعض الحملات الخضراء الفولكلورية والترقيعات الهشة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرأسمالية حين تحرق الرأسمالية حين تحرق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab