بقلم - رضوان السيد
بحسب مجلة «الشؤون الخارجية» الأميركية لهذا الشهر، هناك ذهول لا يتمثل في تضاؤل السيطرة الأميركية على الشأن العالمي فقط، بل وظهور دول كثيرة لا تريد أن تكون تابعةً لأميركا أو لغيرها! بعد العنوان الكبير البارز عن «العالم غير المتحزب» أو عالم عدم الانحياز، هناك فقرة جانبية صغيرة: الغرب والبقية واللانظام العالمي الجديد.
بداخل المجلة، عدا عن بعض المقالات التاريخية، هناك مقال حول بحث إفريقيا عن نظام عالمي جديد، ومقال آخر حول بلدان جنوب شرق آسيا وجيرانهم وكيف يصطنعون توازناً من نوعٍ ما بين الفيلة، ثم مقالة عن العالم فيما وراء أوكرانيا، وفيه ظاهرتان بارزتان: الغرب ما يزال حياً ويقاوم، أما بقية العالم فعندها مطالب: ثم هناك العالم الإمبراطوري بعد الإمبراطورية، حيث يستنتج الكاتب المعروف ستفن غارتون أش أن الحرب على أوكرانيا تغيّر أوروبا. ويذهب آخرون إلى أنّ «تعددية الأقطاب» تبقى أسطورة، لأنّ طموحات الإمبراطورية الأميركية باقية!
وفي حين يذهب كتاب في العدد الأخير من «الأيكونومست» إلى أنّ إسرائيل وهي تدخل عامها الخامس والسبعين، صارت مشكلتها داخلية، يذهب أربعة كتّاب في مجلة «الشؤون الخارجية» إلى أنّ إسرائيل تواجه تحدي الدولة الواحدة المغلقة عليها وعلى الفلسطينيين! أما عن الهند فهناك مقالتان في مجلة «الشؤون الخارجية» تقولان إنها تتجه لأن تكون قوةً عظمى، لكنها تُعاني من مشكلات بنيوية عميقة! لنصِرْ إلى المقالة الحاسمة بالعدد كلّه وعنوانها: حرب العقود الأربعة، وكيف فقدت أميركا الشرق الأوسط. ليزا أندرسون التي كتبت كثيراً في الشؤون السياسية والاستراتيجية بالمنطقة واشتهر كتابها عن ليبيا القذافي، ترى أنّ الولايات المتحدة، وبعد عدة حروبٍ خلال أربعة عقود، بعضها لصالح إسرائيل وبعضها الآخر انتهى لصالح إيران، فإنّ ذلك ما أفاد في إبقاء سيطرتها على الشرق الأوسط!
لماذا فقدت أميركا السيطرة؟ لانغماسها في عدة حروب بالمنطقة مثل أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، ولتحدي روسيا وإيران وتركيا، وحصول الآخرين على «مغانم» في البلدان المتصدعة على حسابها، وأخيراً لفقر دبلوماسيتها، سواء مع أصدقائها أو مع خصومها ومنافسيها! ماذا يستطيع الأميركيون فعله؟ وأين استراتيجيتهم البديلة؟ لا إجابة على هذا السؤال الخطير بالطبع. بيد أنّ حالة الكآبة والتشاؤم سائدة منذ كتاب فريد زكريا عام 2004 حول «عالم ما بعد أميركا»! كان الرجل يقوم بدعاية للهند (بلده الأصلي)، لإثبات الحاجة الأميركية إليها.
لكن منذ ذلك الحين صدرت عشرات الكتب التي تبشر بل تنذر بأنّ العالم يتجه لتعددية أقطاب، وعلى الأميركيين التوجُّه اقتصادياً وعسكرياً لمواجهة الصين. وفي حين ظلّ جوزف ناي يطالب باستخدام «القوة الناعمة»، فإنّ الدولة الأميركية العميقة تريد استخدام «القوة الخشنة» كأنما لم يكفها كل ما حدث، وما أخذت دروساً وعبراً منه. قوّتْ تحالفَها مع اليابان وأوستراليا وكوريا الجنوبية، والهند تتغنج عليها وكذلك تركيا، والأميركيون يحاولون الإرضاء، بتوزيع النوويات في اليابان وكوريا، وإعطاء تركيا الـF16!
أتت وحياضُ الموت بيني وبينها /// وجاءت بوصلٍ حيث لا ينفع الوصلُ