التنوير في أوروبا والمشرق

التنوير في أوروبا والمشرق

التنوير في أوروبا والمشرق

 العرب اليوم -

التنوير في أوروبا والمشرق

بقلم: رضوان السيد

كنت قبل أيام أقرأ بالمصادفة رسالة إيمانويل كانط «ما التنوير». وأبرز ما فيها التركيز على حرية العقل الإنساني باعتباره المرجع الأول والأخير وإسقاط كل سلطة من خارجه سواء أكانت دينية أم سواها، بما يمكن التعبير عنه بزوال سحر العالم أو انكساره. وبعد كانط صار التأليف في التنوير ومعانيه وماهياته وشروطه تقليداً لدى الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين. وبالطبع شاع الانقسام حوله عندما تعاظمت الفلسفة الماركسية، فصار التنوير تيارات. لكنّ الموقف السلبي من الموروث الديني على وجه الخصوص ظلّ واسع الانتشار، وانتقل إلى المشرق أيضاً.

يتبين ذلك من الاشتباك الذي جرى (1900-1902) بين مفتي مصر محمد عبده وفرح أنطون المتأثر بالتنوير الفرنسي الراديكالي، والذي يتصور حلاًّ للشرق يماثل الحلّ الغربي بالفصل بين الدين والدولة من أجل تطوير الدولة ومن أجل التقدم العلمي. محمد عبده حاول إقناعه بأن التجربة الإسلامية في مسألتي الدين والعلم والدين والدولة مختلفة تماماً عن التجربة الأوروبية، وبأنه لا ضرورة للفصل أو لعزل الدين واستجلاب عداء المتدينين. لكنّ فرح أنطون لم يقتنع.

وقد تجدد هذا النقاش في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ودخل فيه كل المفكرين العرب البارزين تقريباً. لكنّ المنطلقات اختلفت، فقد جرى استبدال مصطلح التنوير بمصطلح أو مفهوم التقدم، والدخول في حضارة العصر وعصر العالم. ولكي يكونَ ذلك ممكناً لا بد من القطيعة مع الموروث الديني (الإسلامي).

والفكرة مستعارة من الإبستمولوجيا الفرنسية الجديدة، لدى باشلار وفوكو، أو هكذا فهم الجميعُ الأمرَ. وما حملتُ «القطيعةَ» في البداية على محمل الجد وصرتُ أكتب أنهم ربما تأثروا بحملة ماوتسي تونغ على التقاليد الصينية القديمة! ثم ظهرت المشروعات الضخمة التي لم تترك مقالاً لقائل. وهكذا نشب صراع الأصوليات بين التنويريين العلمانيين والتراثيين القدامى والجدد.

سقطت مقولة القطيعة مع الموروث في مجالنا الثقافي منذ مدة. بيد أنّ المشهد تغيَّر في أوروبا أيضاً مع ظهور الفلاسفة الجدد الذين شككوا في المقولات الرئيسية للتنوير، ومنها الموقف السلبي من الدين.

بيد أنّ المسألة الدينية والثقافية تظل في مجالنا شديدةَ التعقيد. نعم، لا بد من كتابة التاريخ الديني والثقافي من جديد. ولدينا آلاف الوثائق والمخطوطات التي تُكتشف كل عام، إضافةً إلى مخطوطات التراث العلمي شديدة الغنى والدلالة. لقد صار إدراكاً فقيراً الذهاب إلى أن التاريخ الفكري هو تاريخ الصراع بين تياري العقل والنقل. فهناك عشرات التيارات الفكرية المختلفة والمتداخلة، وهو ما دفع المستشرقَ الألماني توماس باور لتأليف كتابه الذي صار شهيراً «ثقافة الالتباس»، وكتابه الآخر «لماذا لم تكن في الإسلام عصورٌ وسطى؟».

وهكذا ينبغي الخروج من دوغمائية أنصار القطيعة، ودوغمائية التراثيين الجدد، لصالح أفقٍ أوسع لقراءة الثقافة التاريخية والحضارة. وإذا شئنا فإنّ هذه الفكرة، أي فكرة التعددية في موروثنا الثقافي والديني، هي بعينها التنوير، بدلاً من الانقفال على مفهوم المركزية الأوروبية للعقلانية والتنوير.

إنّ هذا الكلام عن المداخل المختلفة لكتابة تاريخ ثقافي تواصلي ليس جديداً.. لكنّ الجديدَ هو المضيُّ إلى التعددية والاختلاف والتأويليات في فهم التجربة الحضارية الكبرى على نهج مارشال هودجسون في كتابه العظيم «تجربة الإسلام.. الوعي والتاريخ في حضارةٍ عالمية».

وعندما نصل إلى الزمن الحديث بهذه الخلفية فلا داعي للخجل أو الكبرياء، ولكننا ثقافة تاريخية مثل سائر الثقافات الكبرى، والتي ماتت وحيت، وتراثنا يموت ويحيا ويتجدد. ولنتأمل مقولة أريك هوبسباوم: اختراع التقاليد!

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنوير في أوروبا والمشرق التنوير في أوروبا والمشرق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab