لبنان والاستعصاء على التغيير

لبنان والاستعصاء على التغيير!

لبنان والاستعصاء على التغيير!

 العرب اليوم -

لبنان والاستعصاء على التغيير

رضوان السيد
بقلم: رضوان السيد

للمرة السادسة وأكثر يجتمع مجلس النواب في لبنان لانتخاب رئيسٍ للجمهورية من دون أن يتمكن من ذلك! والسبب المعلن أنّ أحداً من المرشحين (المعلنين أيضاً!) ما استطاع جمع ثلثي أعضاء المجلس على تأييده لتولّي المنصب السامي. أما الواقع فهو الإصرار من جانب «حزب الله» على تكرار التجربة العونية. إذ عندما انتهت مدة الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014 استمرّ الحزب في تعطيل التجربة الانتخابية لمدة عامين ونصف العام حتى أُرغم خصوم الجنرال ميشال عون مرشح الحزب الأوحد على التسليم له فصار رئيساً عام 2016. في البداية سلّم له خصمه المسيحي الرئيسي سمير جعجع، ثم خصمه السني سعد الحريري. ورغم متغيراتٍ كثيرة حصلت منذ ذلك الحين؛ فإنّ الحزب صار أسير تجربة «النجاح» تلك، وهو يسعى الآن بعد انقضاء مدة السنوات الست لعون على فرض حليفه الآخر سليمان فرنجية أو من يشبهه في الرئاسة. في المشهد الداخلي هناك ثلاث عقبات أمام الحزب وحليفه: أنّ الحزب وحلفاءه ما عادوا يملكون أكثرية في مجلس النواب بعد انتخابات العام 2021، وأنّ جبران باسيل صهر الجنرال المنقضي الولاية لا يسلِّم للحزب ومرشحه الجديد القديم. والعقبة الثالثة، أنّ أكثرية النواب المسيحيين مصممون حتى الآن على رفض دعم فرنجية أو باسيل على حدٍ سواء، وأنّ نحو الخمسين منهم يرشحون النائب ميشال معوض (وهو من بلدة زغرتا بشمال لبنان مثل فرنجية) للرئاسة.
لا أحد من خصوم الحزب من السياسيين يصدّق أنه لا يستطيع إخضاع باسيل (الذي يمتلك كتلة بالمجلس تبلغ نحو الثلث من النواب المسيحيين البالغ عدد مجموعهم 64) لإرادته. ثم إنّ المرشح سليمان فرنجية ليس بالغ الجاذبية والإغراء للقوى الجديدة بمجلس النواب وخارجه؛ وإن لم يكن حاداً وشرساً مثل الجنرال عون. إنما الذي يزيد من التنفير من الحزب وحلفائه التجربة السيئة والمسيئة للجنرال عون في عهده المأساوي. لكن في الوقت نفسه، فإنّ الأجواء المعارضة للحزب وحلفائه لا تملك من التماسك والإصرار ما امتلكه الحزب ولا يزال؛ وهذا علاوة على أنّ الأحجام تكاد تكون متساوية حتى الآن. وهذا كله ولا نزال نحسب الحسابات الداخلية البحتة، وهي كلها تعطي الحزب وحلفاءه رجحاناً ظاهراً بغضّ النظر عن أعداد النواب.
وإذا تجاوزنا الأوضاع الداخلية مؤقتاً، تحسب الجهات الدولية للحزب أنه حقّق أخيراً - بالتوافق مع الإدارة الأميركية ووساطتها - ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لتمكين لبنان من البحث عن الغاز والبترول في مياهه الإقليمية شأن ما فعله وأنجزه جيرانه. وهكذا أثبت - بعد العداء الطويل مع أميركا وإسرائيل - أنه يستطيع أن يكون واقعياً وبراغماتياً؛ بل وأن يضمن الاستقرار على الحدود وبالداخل. فهل يتغاضى الأميركيون والفرنسيون ذوو النفوذ المتزايد أخيراً عن إزعاجات الحزب وسلاحه وعلاقاته بإيران وبالنظام السوري، بسبب ميزات القوة والإنجاز التي يمتلكها، وبسبب أزمة الطاقة المتفاقمة والتي تجعل من سِلَع الطاقة المتحققة والمأمولة ضرورة قصوى يجري التغاضي من أجلها عن كل الاعتبارات الأُخرى؟!
في السنوات الأخيرة، وتحت وطأة الانهيارات الهائلة في كل شيء بلبنان ومن حوله، شجع الأميركيون والفرنسيون والعرب الطموحات الداخلية للتغيير من خلال الانتخابات ومن خلال وسائل الدعم الأخرى للقوى الشابة والتغييرية. وقد بدت نتائج ذلك في أوساط المسيحيين أكثر من الطوائف الأخرى وبخاصة السنّة. والآن، ومع ازدياد التأزم والانقسام في الأوساط الدولية والإقليمية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، والتحالفات القديمة/ الجديدة بين إيران وروسيا، والتباعد المتزايد بين الغرب وإيران؛ فأي الاعتبارات تتقدم، أو كيف يؤثر ذلك على الأوضاع في لبنان، أو إلى ماذا يميل الغربيون: هل تتقدم اعتبارات أزمة الطاقة فيتركون لبنان لإيران كما فعلوا أيام أوباما، أو يحاولون استخلاص لبنان وبخاصة أنّ استخراج الطاقة وتصديرها سيظلُّ بأيدي الشركات الغربية على أي حال؟! الفرنسيون يزعمون لأنفسهم علاقات خاصة بالحزب وإلى حدٍ ما بإيران؛ ولا يختلف الأميركيون عن ذلك بداعي الحرص على الاستقرار وعلى الطاقة معاً. والمعروف أنّ الأميركيين والفرنسيين يمتلكون نفوذاً لدى المسيحيين بقواهم التقليدية والجديدة. فإذا اتفقوا مع الحزب فيستطيعون التأثير على المسيحيين وعلى السنّة!
هناك إذن إذا نظرنا للمحيط والخارج اعتبارات متضاربة. ومن سنوات يؤكد الغربيون والعرب على إرادة إنقاذ لبنان وتقديم المساعدات له إذا تحققت فيه إدارة معقولة للدولة، وتحققت بعض الإصلاحات الضرورية التي تؤهله للحصول على دعم صندوق النقد الدولي، والجهات الدولية والعربية. ومنذ ثلاث سنوات وحتى الآن ما استطاع لبنان السير باتجاه شيءٍ من ذلك وهو يزداد غرقاً في المشكلات المتفاقمة. وحتى الثروات البحرية التي جرى الاتفاق حولها كما سبق القول، تحتاج إلى أوضاع طبيعية في الرئاسة والحكومة، وهما الأمران الممتنعان حتى الآن. فهل يوضع ذلك كلُّه بأيدي حزب مسلَّح ومرتبط بإيران بشاهدٍ واحدٍ وأوحد وهو الموافقة على ترسيم الحدود البحرية؟ وماذا لو ازدادت علاقات الغرب بإيران سوءاً، فما هي الضمانة لعدم استخدام لبنان من جديد، كما يحصل حتى الآن في سوريا والعراق واليمن، والحزب موجود (حتى الآن أيضاً) في كل هذه الساحات؟!
وللمرة الثانية أو الثالثة وسط هذه الاعتبارات المتضاربة أو المتناقضة: هل يمكن عزل لبنان أو تصغير مشكلته بحيث يتحيد عن الصراعات الإقليمية؟ قد يكون هذا ممكناً لولا وجود الحزب المسلَّح الذي لا يملك سلاحه فقط، ولا يملك نفوذه فقط في كل المؤسسات والمرافق؛ بل ويملك أيضاً تأييد السواد الأعظم من الطائفة الشيعية، وأعدادها أكثر من ثلاثين في المائة من الشعب اللبناني، وهو مربوطٌ برباطٍ وثيقٍ مع إيران ومشكلاتها الإقليمية والدولية.
عندما جرى ترسيم الحدود مع إسرائيل قال خصوم الحزب: ما عادت هناك حاجة لتكويم السلاح! والطريف أنّ آموس هوكستاين، الوسيط الأميركي في مسألة الحدود البحرية، سارع للقول: ما انحلّت كل المشكلات بين الحزب وإسرائيل! ثم علينا ألا ننسى أنّ الحزب موجود بقوة في سوريا بسلاحه ومقاتليه. وإسرائيل لا تسمح للحزب وإيران بتركيز السلاح والقواعد في سوريا؛ فسلاح الحزب بلبنان باقٍ على الأقلّ من أجل الوضع الإيراني في سوريا وإلى أجل غير مسمى.
فلننظر أخيراً من جديد في الوضع اللبناني الذي قلنا في عنوان المقال إنه عصي على التغيير. الرئيس اللبناني مسيحي. لكنه رهينة بيد الحزب الشيعي، ولا يختلف كثيرا عنه رئيس الحكومة السني! وقد قال نصر الله أخيراً إنه يريد رئيساً مثل عون تظل «المقاومة» معه آمنة من الغدر والخيانة. ثم إنّ ما لم يقله إنه وعد بالرئاسة سليمان فرنجية بعد عون! هذا هو فهم الحزب لمصالحه، بغضّ النظر عن توجهات الرأي العام اللبناني والمسيحي! فهل الوضع عصي على التغيير؟ هو كذلك بالفعل. لأنه إذا سلّم الغربيون للحزب من أجل الطاقة والسلام مع إسرائيل فسيبقى متحكماً مثل الآن وأكثر. وإذا ظلوا مع التغييريين كما كانوا يقولون فلا رئيس ولا استقرار ولا خروج من مآزق الانهيار!

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والاستعصاء على التغيير لبنان والاستعصاء على التغيير



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab