فلسطين عجز القوي وقوة الضعيف

فلسطين: عجز القوي وقوة الضعيف!

فلسطين: عجز القوي وقوة الضعيف!

 العرب اليوم -

فلسطين عجز القوي وقوة الضعيف

بقلم - رضوان السيد

استنتاج عجز القوي ليس فكرتي، بل استظهار من الباحث الاستراتيجي الفرنسي برتران بادي، وقد بدأ كتابه: «عجز القوة» بهذه الفكرة. وبعد استعراضاتٍ طويلةٍ للوقائع والأحداث، عاد فاختتم بفكرة عجز القوي مستخدماً القضية الفلسطينية دليلاً على ذلك. فالإسرائيليون كانوا دائماً في موقع قوةٍ وتفوق، والقوي القوي هو الذي يستطيع التنازل دون خوف؛ لأن قوته تحميه. وهو إذا تنازل فلن يتنازل عن حقٍّ، بل يعتدل في المجالات التي أعطاه إياها «فائض القوة»، وفي مقابل ذلك يكسب السلام والشرعية. وقد فعلها الإسرائيليون مرتين، وفي المرتين ندموا وتراجعوا، ومضوا باتجاهات أكثر راديكالية؛ فقد تنازلوا عن سيناء التي غزوها عام 1967 في مقابل السلام مع مصر، ثم راحوا يجادلون مصر سنوات في مسألة طابا، واتفقوا مع الفلسطينيين في أوسلو عام 1993، ثم ندموا وقتلوا إسحاق رابين بعد سنتين، وتنافس الراديكاليون بعدها من الطرفين على إفشال «أوسلو» نهائياً!

     

 

         

 

القرارات الدولية لم تتغير. أما وقائع قوة القوي وعجزه فمرت بأربع مراحل: في المرحلة الأولى كان الاعتقاد أن الصراع لا يستطيع الفلسطينيون أن يقودوه، وأن الدول العربية هي التي تقود الصراع؛ ولذلك يجب التركيز على إرغامها على السلام فتنتهي «القضية». وفي المرحلة الثانية، وقد بدا لهم النجاح قريباً، اعتقدوا بإمكان أن يكون الأردن هو الوطن الفلسطيني البديل من طريق نشر الاضطراب فيه، وتهجير الفلسطينيين إليه. إنما بعد الانتفاضة الأولى بدأ تفكير جديد مثَّله فريق إسحاق رابين، ويقوم على إرضاء الفلسطينيين بشبه دولة. لكن بعد تعاون الراديكاليين من الطرفين على إفشال «أوسلو»، ظهر الاتجاه الرابع أو دخلت القضية في المرحلة الرابعة، وهي تقوم على الحرب الدائمة وتعزيز الاستيطان، مع موقف متأرجح من السلطة الفلسطينية بين الإضعاف والإلغاء والتواصل غير المباشر مع «حماس» على أساس إقرار دويلة في غزة وحسْب.

ولا تزال هذه المرحلة مستمرة. لكنْ بعد عام 2007 ظهرت عوامل «مقلقة» لدى الفلسطينيين ولدى الإسرائيليين؛ فالغزاويون ما توقفوا عن الطموح في ساحة واحدة ضد إسرائيل، مع ميلٍ متزايد لمناكفة السلطة في رام الله. والإيرانيون و«حزب الله» صاروا عاملاً مهماً في الصراع مع إسرائيل عبر «حزب الله» وبشكل مباشر من خلال دعم «حماس» و«الجهاد الإسلامي». والعامل الثالث تراجُع ثم توقُّف الأميركيين فالدوليين عن دعم إعادة التفاوض. والعامل الرابع سيطرة اليمين وقيام حكومات المستوطنين والمتعصبين الدينيين في إسرائيل، وهذا هو المميز الرئيس للسياسات أيام حكومات نتنياهو وصولاً إلى عهد دونالد ترمب، حيث عادت الفكرة القديمة بإنهاء القضية الفلسطينية من خلال السلام مع العرب، كلّ العرب!

ما الذي يُظهر عجز القوي بحسب برتران بادي؟ العجز عن تحقيق الانتصار الكامل على «الضعفاء» بالقوة المتفوقة.

إن هذا هو ما قاله لهم أحد الكتاب في «نيويورك تايمز» بعد هجوم «حماس» الأخير في يوم الغفران الثاني على إسرائيل. لقد ظهر عجز القوي المتفوق من عدة نواحٍ، فرغم الاستخبارات والأسوار والقباب الحديدية والطائرات المقاتلة الجوالة، خرج آلاف المقاتلين الفلسطينيين دون أن يشعر بهم أحدٌ من أولي العيون الواسعة، سواء لجهة الاختراقات الكبيرة على مستوطنات غلاف غزة، أو لجهة آلاف الصواريخ التي غطت سماء الدولة العبرية وأرضها. وكانت المفاجأة الثانية سقوط آلاف القتلى والجرحى من الإسرائيليين، ووقوع المئات في الأسر. فللمرة الأولى بعد عام 1973 عادت إسرائيل تخسر، وما عاد صونُها من ذلك الفتك بالجيوش. فالمقاتلون هم مجموعات مسلحة تضرب وتنسحب، وخسائرها، إن خسرت، محدودة؛ لأن الميليشيات العقائدية تهاجم بأعدادٍ صغيرة فتكون خسائر الدولة المتفوقة كبيرة، ولا تُقارَن بها خسائر المهاجمين مجموعات ووحداناً؛ فقوة الضعيف هنا تبدو في إيمانه بالقضية التي يقاتل من أجلها، وفي النهاية الأرض أرضه وهو لم ينسَها، ويستعد دائماً للعودة إليها: ألم تروا كيف فعلت «طالبان» في أفغانستان مع الأعداد الهائلة للأميركيين والأطلسيين؟ لقد اضطُرت للانسحاب، ثم اضطَرت الأميركيين وحلفاءهم للانسحاب والهرب كما هرب الجنود والمستوطنون من مستعمرات قطاع غزة!

ماذا يقترح هذا الكاتب على الإسرائيليين وعلى الأميركيين؟ ليست أهمّ أخطائهم هي أنهم لا يفاوضون من أجل السلام بعد وقف النار في الحروب المتكاثرة. بل في أنهم طوال الوقت يريدون إخماد أنفاس السلطة الفلسطينية لسببين: أنها قائمة في أجزاء من الضفة الغربية، وهم يريدون الاستيلاء على ما بقي من الضفة تحت سلطتها. والسبب الثاني أن السلطة من آثار «أوسلو»، وشرعيتها قائمة عليها وعلى القرارات الدولية. فهم لا يريدون هذا ولا ذاك. أما مع «حماس» فقد تفاوضوا دائماً لنصرتها على السلطة، ولأنهم لا يهتمون بالاستيلاء على غزة من جديد.

ويخشى الكاتب أن تتحرك لدى القوة المغرورة أطماع الاستيلاء على غزة من جديد. وهذا يهدد بمذبحةٍ كبرى، والمزيد من القتلى لدى الطرفين، مع عدم انتهاء الحرب. فإن انكسرت شوكة «حماس» و«الجهاد» فهناك سبعة أو ثمانية ملايين فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية، فضلاً عن اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان.

إن الأفضل الآن رغم تكاثر الصعوبات وتصلُّب الجبهات بالدم والدمار، إحياء أبو مازن إن أمكن. الإسرائيليون و«حماس» معاً هم الذين دمّروا السلطة الفلسطينية. الإسرائيليون من أجل الاستيلاء، و«حماس» من أجل الحلول محلّ السلطة. العودة إلى أبو مازن وإلى الوساطات العربية هي التي تستنقذ إمكانيات السلام حتى مع الدول العربية. فليس هناك عربي اليوم إلاّ وهو شديد الاعتزاز بما أنجزته «حماس». ثم إنّ معظم العرب لا يحبون الأدوار الإيرانية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن! إنقاذ فلسطين أو الحلّ فيها لا يزال ممكناً وبمساعدة مصر والأردن وقطر، وهو مصلحة إسرائيلية وعربية!

هناك أُناس كثيرون في إسرائيل وأميركا يعدون أنّ الحروب في فلسطين وعليها ليست لها نهاية. وهذا يعني عذاباً لا ينتهي للشعب الفلسطيني الذي لا تزال أرضه محتلة وقد تحررت كل المناطق التي كان الاستعمار يحتلها. ثم إن استمرار العذاب على الفلسطينيين يعني عدم الطمأنينة والاستقرار في إسرائيل، والاتجاه للهجرة الثانية أو الثالثة. فلا ينبغي الرهان على الدعم الأميركي المطلق من أجل عدم العودة إلى عملية السلام.

الباحثة الاستراتيجية سهام الوكيل، والتي حاضرت في تشاتام هاوس، نبّهت إلى أهمية ما طرحه ولي العهد السعودي لسلام متكاملٍ مع إسرائيل رُكنه إيقاف الحروب من طريق حلّ الدولتين. والرؤساء الغربيون الذين أصدروا بياناً في دعم إسرائيل تحدثوا أيضاً عن الحرية والعدالة للإسرائيليين والفلسطينيين. والإسرائيليون يتمتعون بالأمرين، فأين حرية الشعب الفلسطيني والعدالة والإنصاف له؟!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين عجز القوي وقوة الضعيف فلسطين عجز القوي وقوة الضعيف



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab