بقلم - أمينة خيري
فى تسويق المنتجات، وفى مكالمة هاتفية تتلقاها عن الشركة الألمانية للقضاء على الحشرات، وفى الإعلان عن نتائج بحث، وفى التقدم لطلب يد العروس المصون، وفى الإعلان عن نسب فائدة جديدة، وفى إطلاق كتاب حديث، وفى استقبال مولود جديد، وفى توزيع عزيز رحل، وفى شن الحروب وبدء الصراعات، وفى الإبلاغ عن مجرياتها، وفى إعلان المنتصر، وفى بيان المهزوم وغيرها من تفاصيل الحياة «شو إعلامى».
الشو الإعلامى جزء لا يتجزأ من حياتنا. والإعلام ليس مقصورًا على شاشات التليفزيون والمواقع والصحف وحتى منصات الـ«سوشيال ميديا»، لكنه فى طريقة حديثك مع الأصدقاء، وفى محتوى بطاقة الدعوة التى ترسلها لمعارفك، وفى شرح أسباب الصراع، وفى تبرير الهجوم، وفى شرح المقاومة والممانعة، وفى تفسير أسباب ازدهار الاقتصاد أو انتكاسه.
لا يخفى على أحد أن كلا منا، من أفراد ومؤسسات وأوطان، نريد أن نقدم أنفسنا ونشرح مواقفنا ونبرر أفعالنا ونعرض أجزاء من حياتنا وندعو أصدقاءنا وأقاربنا بطريقة تجعلنا مميزين أو متفردين أو رموزا للخير أو عناوين للقوة أو محورا للمظلومية، والقوس مفتوح، وما على المتلقى، سواء كان جمهورا غفيرا يشكل الرأى العام العالمى، أو جارتنا التى تقطن الشقة أعلانا أو أقاربنا المدعوين لفرح ابنتنا المصون، إلا أن يكوِّن رأيه ويتخذ موقفه ويرسم صورته الذهنية بناء على ما يتم تقديمه له فى هذا الشو الإعلامى.
معروف بالطبع أنه كلما بُذِل فى الشو مجهود أكبر، واستُثمِرت فيه أموال أكثر، وأٌدمِجت فيه المكونات التى تدغدغ مشاعر المتلقى وتدق على أوتار معينة لديه، أتى الشو ثماره.
وفى حرب غزة اتضح تماما أن الجانب الأكبر من مخزون سكان الأرض المعرفى قائم على ما يتم ضخه من شو إعلامى على مدار عقود طويلة. تم العمل على مدار عقود طويلة على مكونات ماهية الصراع، وحقيقة ملكية الأرض، وتطور الاحتلال من اغتصاب أرض ووطن إلى اغتصاب رأى عام وتوجه سياسى وثقافى واجتماعى لتصبح عقدية راسخة لدى ملايين وربما مليارات البشر حول العالم.
إنه عمل شاق، وتخطيط طويل المدى، ومكون محورى من مكونات القوة، حيث القوة ليست دبابة ومسيّرة وصاروخ وقنبلة نووية فقط، لكنها أيضا قوة رؤية وتخطيط وتكتيك واتساق، وأخيرا، وليس آخرا، الحرص على عدم تفتيت هذه الرؤية فى صراعات جانبية ومسخ خلافى حول سفاسف الأمور وتخوينات داخلية وانغماس فيما خفت قيمته وثقلت وطأته من تفاصيل ندخل الحمام بالرجل اليمين أم بالرجل الشمال، وهل المرأة إنسان كامل أم ناقص وغيرهما.
الشو الإعلامى الذى اتضحت معالمه فى حرب غزة يحتاج من المنطقة العربية إلى صحوة فكرية، وربما إعادة تفكير وتخطيط فى ماهيتنا، وماذا نريد، وما الصورة التى نريد أن ننقلها إلى العالم، وكيف نفعل ذلك، لا سيما أن الحق حقنا والأرض أرضنا، وهو ما يستحق شو إعلاميا جديرا بهما.