بقلم : محمد أمين
لا يعرف الدكتور صلاح الغزالى حرب أن غيابه كان قاسيًا علينا جميعًا، وأن عودة مقاله إلى محبيه لا تقل أهمية عن عودته إلى بيته من المستشفى.. فهى تحمل حالة من البهجة والفرح لكل محبيه.. فقد عاش الدكتور صلاح تجربة قاسية دخل بسببها مستشفى قصر العينى، وتوقف عن الكتابة بسبب قصور والتهاب فى الرئة، وحاجته للخضوع لأجهزة التنفس الصناعى، وهو نفسه كتب أمس فى أول مقال له بعد عودته، أنها كانت أقسى تجربة مرت عليه فى حياته!
والدكتور صلاح يكتب من قلبه، ويتكلم من قلبه، ويحاول جهد المستطاع أن يكون صادقًا مع الجميع.. أصدقاء أو مرضى، مهما كلفه ذلك من عناء، فهو يتميز بالنقاء والإخلاص فى عمله كطبيب، كما أنه صاحب رسالة.. لا ينتظر أن يطلبه أحد، ولكنه يسعى للتخفيف عن كل مريض بمجرد العلم بأنه يحتاج إلى من يعالجه.. ولا ينسى الدكتور صلاح أنه أستاذ جامعى، فهو طوال الوقت يحاول تعليمنا وتثقيفنا طبيًا، ولا تخلو مقالاته من معلومات أو نصائح تكون دائمًا عصب المقال!
وحتى عندما كتب عن تجربته القاسية كان يقدم بعض الدروس المستفادة من التجربة، فهو تعليمى ودود متواضع لا يحب المنظرة، وحين أقول له معلقًا: «الله يا دكتور»، يقول: أنا مش كاتب محترف، أنا هاوى.. وهى بالضبط شخصية الدكتور صلاح التى تُخفى كثيرًا من التواضع والبساطة والنقاء، وحين أعدد هذه الصفات لا أريد أن أجامله، ولكنى أريد إقرار الواقع والحقيقة، التى يعرفها زملاؤه ومحبوه وتلامذته!
فمنذ شهور كلمنى بصوت كله حزن، فأحسست بالانزعاج وسألته: ما لك؟.. وفوجئت بأنه يكلمنى عن شخص آخر من تلاميذه، فقد تألم لألمه وقال إنه من أفضل تلاميذه الأطباء، وينبغى أن تتكفل الدولة بعلاجه وسفره للخارج، لأنه مصاب بمرض نادر، فكتبت رسالة إلى رئيس الوزراء!
دائمًا كان إلى جوار المرضى، سواء كانوا تلاميذه أو محبيه، وكنت دائمًا أراه يرتدى البالطو الأبيض، حتى فى الأوقات التى كان يحتاج فيها إلى الراحة، ولم يقعد فى البيت إلا تحت ضغط المرض، وكان يرى أن مرضاه يأتون إليه من المحافظات ولا يصح أن يُخلف معهم موعدًا!
ولا يفوتنى أن أحيى الدكتور أيمن، نجل الدكتور صلاح، الذى كان يكتب يوميات الحالة المرضية على صفحته الشخصية بـ«فيسبوك».. فقد عرفنا من خلاله كل تفاصيل الحالة، حتى لحظة الخروج من المستشفى!
وكان ذلك بمثابة مراسلنا من قصر العينى، وكنا نطمئن ولا نتصل بوالده لصعوبة التواصل.. وأيمن يسير على خطى والده ويكتب للصحف وبريد الأهرام، ويتعامل بإيجابية شديدة مع مجتمعه، ويعرف حبايب والده، يودهم ويقدرهم!
سلامتك يا دكتور، فأنت الطبيب الإنسان صاحب الرسالة، فقد عالجت وعلمت وقدمت العلاج مجانًا للمحتاج، لا تبغى من وراء ذلك إلا وجه الله، وها أنت تقول: لابد من مراجعة النفس، وإعادة التفكير فيما تبقى من العمر.. تريد أن تعلمنا.. أطال الله فى عمرك وتقبل منك صالح الأعمال!.