بقلم : محمد أمين
أذكر أننى صمت رمضان وأنا ابن سبع سنوات، فى أولى ابتدائى.. صحيح لم أستطع صيام الشهر كله، ولم يكن مطلوبًا منى ذلك.. ولكنه كان بداية التدريب على الصيام.. وفى العام التالى صمت ثلثى الشهر، وفى العام الثالث أتممت صيام الشهر كله وأنا ابن عشر سنين.. سواء تناولت السحور أم لا؟.. وكان أبى يوقظنى فى السحور لأنه يخشى أن أصوم دون سحور!. اعتدت الصيام والحمد لله فى سن مبكرة.. وكنت أصلى الفروض فى المسجد، خاصة صلاة الفجر.. وأواصل قراءة القرآن بالليل.. ولما اشتد عودى كوَّنت مع زملائى مجموعة لرعاية المسجد.. وكنا نحرص على تنظيفه جيدًا وتهويته، ونشترى من مصروفنا أدوات النظافة، وكانت رائحته جيدة.. سواء صحن المسجد أو الحمامات.. وحين ننتهى من ذلك يمسك كل منا بمصحفه ليقرأ القرآن.. وكنا نتسابق من يقرأ منا بشكل أفضل!. كان جيلنا يقرأ القرآن جيدًا، الآن الطلاب حتى مرحلة الجامعة لا يعرفون قراءة القرآن بشكل صحيح.. لأنهم لم يتدربوا.. وقراءة القرآن مفيدة دينيًا وعلميًا.. ستجد من يقرأ القرآن على الوجه الصحيح متقدمًا فى دراسته، خاصة العربى والنحو، وستجده أكثر فهمًا لدينه.. سواء دخل الكتاتيب زمان أو لم يدخل!.
الفرق بينهما أن أحدهما يحفظ والآخر شبه حافظ.. تكرار القراءة يجعلك تعرف السياق واللحن، وتدخل فى مود القراءة والحفظ.. فإذا تليت عليك آية يمكن استكمالها بكل بساطة، القرآن سهل على من يُعنى بحفظه ويعتنى بقراءته، «وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين»!. زمان كانوا يقولون من يحفظ حجة على من لم يحفظ.. ومن يحفظ مقدم درجة على من لم يحفظ.. والحفظ موهبة.. القرآن نور كنا نراه فى جبين الحافظين فى عتمة الليالى.. ولم يكن عندنا كهرباء حتى سنة 70.. وكثيرون منا ذاكروا واجباتهم على نور الأعمدة فى الشوارع، قبل أن تدخل الكهرباء البيوت، وكنا نذهب ليلًا إلى المسجد بنور القرآن!. تعلمنا الانضباط من القرآن، وتعلمنا الحياة من الصيام وأحسسنا بالفقراء، ومن السيرة النبوية تعلمنا الإيثار، واحترام الكبار.. الأب والأم والجد والمعلم والناظر.. ورأينا الرحمة والعطف فى سلوكياتهم تجاهنا.. وكان المدرس يأتى قرابة ساعة مبكرًا قبل موعده ليعطى لنا حصة إضافية مجانية، ويقدم الجوائز من ماله الخاص.. لا يتأخر عن تشجيعنا مع أن الظروف كانت صعبة للغاية.. وكانت المكافأة تبدأ من قرش تعريفة.. وكانت تمثل وجبة إفطار للمدرس ولكنه لا يبخل بها!. بالفعل، أحنُّ إلى أيام لم نكن نعرف فيها الياميش ولا العزومات الرمضانية، وكنا نفطر على مشروب التمر والماء أو التمر واللبن.. والبعض كان يفطر على ذلك ويحمد الله ويقوم للصلاة وقراءة القرآن.. كانت أيامًا هادئة بسيطة، وكان اليوم الذى تطهو فيه الأم دكر بط يومًا من أيام التاريخ.. لم يكن شهرًا للأكل، ولكنه كان شهرًا للصيام والعبادة!.