بقلم : محمد أمين
أبقى فى نفس الفترة التاريخية التى غيّرت شكل مصر وصنعت مجدها، لأكتب عن سلامة موسى.. ولا أفعل ذلك لأنه «شرقاوى» وأنا أميل إلى أصحاب الجذور الريفية، وكيف غيّروا شكل المجتمع.. أمس، كتبت عن محمود سامى البارودى، ابن إيتاى البارود، وهو رب السيف والقلم، الذى أصبح وزيرًا ورئيسًا للوزراء.. ولا أكتب عن سلامة لأنه من زملاء أو تلاميذ أحمد عرابى، ولكن لأنه رائد الاشتراكية المصرية ومن أول المروّجين لأفكارها!.
وُلد سلامة موسى فى قرية بهنباى، الواقعة على بُعد سبعة كيلو مترات عن الزقازيق، لأبوين قبطيين. عُرف عنه اهتمامه الواسع بالثقافة، واقتناعه الراسخ بالفكر كضامن للتقدم والرخاء. انتمى «سلامة موسى» لمجموعة من المثقفين المصريين، منهم أحمد لطفى السيد، الذى نادى بتبسيط اللغة العربية وقواعد نحوها والاعتراف بالعامية المصرية!.
تأثر سلامة بشكل أو بآخر بنجوم ذلك العصر، وبالتأكيد بأحمد عرابى الذى كانت ثورته تملأ الآفاق. والمهم أنه تأثر أيضًا بأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، الذى نادى بتبسيط اللغة العربية هو وآخرون.. وكانت حجتهم أن اللغة العربية لم تتغير منذ أجيال، وأن معظم المصريين أُميون، مما دعا موسى وآخرين للمطالبة بالكتابة بالعامية!. وتتلمذ على يديه نجيب محفوظ!.
ولد سلامة موسى سنة 1887 فى قرية بهنباى من أعمال الزقازيق، لأب مسيحى يعمل موظفًا بالحكومة، وسرعان ما توفى بعد عامين من مولد ابنه. التحق سلامة بمدرسة قبطية، ثم بالمدرسة الابتدائية بالزقازيق وحصل على الشهادة الابتدائية. انتقل بعد ذلك إلى القاهرة، حيث التحق بالمدرسة التوفيقية ثم المدرسة الخديوية وحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية) سنة 1903.
فى عام 1906 وبسبب مشاكل عائلية، قرر السفر إلى أوروبا وكان فى التاسعة عشرة من عمره.. كان لذلك القرار أثر مهم فى تكوين وعيه وفكره. سافر إلى فرنسا حيث قضى فيها 3 سنوات من حياته، وتعرّف من خلالها على الفكر والفلسفة الغربيين، وقرأ العديد من المؤلفات، فتعرف على فولتير وتأثر بأفكاره، كما قرأ لكارل ماركس ومؤلفات لاشتراكيين آخرين، واطلع هناك على ما توصّلت إليه علوم المصريّات!.
بعد أن قضى ثلاث سنوات فى باريس، انتقل إلى إنجلترا لدراسة الحقوق، حيث عاش أربع سنوات أخرى، لكنه أهمل دراسته وانصرف إلى القراءة، وانضم إلى جمعية العقليين، والجمعية الفابية، والتقى فيها بالمفكر والمؤلف المسرحى الأيرلندى جورج برنارد شو وتأثر بتشارلز داروين، خصوصا نظريته حول النشوء والارتقاء.. بعد عودته إلى مصر من إنجلترا أصدر أول كتاب باللغة العربية عن الاشتراكية فى الشرق الأوسط سنة 1912!.
وأخيرًا، يمكن تلخيص فكر سلامة موسى فى ثلاثة توجهات: أولًا، العقلانية والتحديث والتمثل بالغرب. ثانيًا، إيمانه بالاشتراكية كسبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية. وثالثًا، البحث عن أصول الشخصية المصرية فى جذورها الفرعونية.. وتضاف إليها المطالبة بالديمقراطية الليبرالية والعلمنة وتحرير المرأة.. وقد سبق قاسم أمين فى هذه المسألة