بقلم - محمد أمين
من المصادفات التى ينبغى أن أذكرها وأتأملها الآن أن عيد «المصرى اليوم» يتزامن مع احتفالات المصريين بعيد الأضحى المبارك.. وهو من الأشياء التى تبعث على البهجة والسرور.. فقد كانت «المصرى اليوم» محظوظة باختيار توقيتاتها وقياداتها منذ لحظة الصدور.. وكان النجاح حليفها.. ولكن، لو سألتك الآن: إيه أهم عنصر من عناصر نجاح أى مؤسسة صحفية؟.. ستكون الإجابة على الفور هى التمويل!. ولكننى أقول إن أهم عنصر للنجاح هو اختيار العنصر البشرى والإدارة والتدريب المستمر، فقد خرجت الصحيفة للوجود بعناصر شابة من النابهين من خريجى كلية الإعلام، وتم وضع نظام عمل يسمح للزهور بأن تتفتح، فأبدع الشباب على أيدى الكبار.. ويمكننى الآن أن أقول باطمئنان: غير صحيح أن رأس المال وحده هو الذى قفز بالجريدة.. ولكن بالتأكيد شطارة شباب الصحفيين الذين لمعوا فيما بعد، وهم من غيروا الخريطة وعوضوا الصحيفة وأوجدوها على مكاتب الوزراء والمسؤولين!. فالقواعد التى أحيتها الصحيفة، وأولاها المصداقية والحياد والانفرادات، هى التى قدمت للوسط الصحفى صحافة جديدة بطعم جديد.. فهى ليست صحيفة معارضة، وإنما صحيفة مستقلة تكتب وجهتى النظر فى تقرير واحد، وتحرص على الرأى الرسمى جنبًا إلى جنب مع الرأى الآخر.. ولكل ذلك تأكدت أنها صحافة المستقبل!
علمت فيما بعد من الأستاذ صلاح منتصر شخصيًا أن الفكرة لاقت مقاومة شديدة من أقرب الناس إلى مؤسسها، وهم بالمناسبة كتاب كبار مثل صلاح منتصر، ومحسن محمد، والسياسى الكبير منصور حسن، وغير هؤلاء من كبار رجال الأعمال، مثل إبراهيم كامل، ولكن أيد الفكرة رجال الأعمال نجيب ساويرس، وأحمد بهجت صاحب دريم، وأكمل قرطام، وغير هؤلاء! أما المهندس صلاح دياب فلو عاد به الزمن فسيعود من جديد لإنشاء الصحيفة، لأنها كانت حلمًا يراوده لاستعادة مجد صحيفة الجهاد التى أنشأها جده توفيق دياب، ولكن بأسلوب عصرى ولغة وأهداف عصرية.. فهو شخصية عنيدة جدًا، كما وصفه الأستاذ منتصر، وقال أيضًا إنه لا يهدأ ولا ينام!
وأذكر أنه كان ينتخب الكتاب، وعرفت من خلال تحليل المضمون والأسماء التى تكتب أنه ينتخب الأسماء.. وحين اتصل بى يعرض علىَّ الكتابة تلكأت فى البداية، ثم وافقت بعد تدخلات وتطمينات ووسطاء.. وكتبت أول مقال لى فى الصحيفة «الآن ألعب فى المنتخب»، وكان تحية منى لفريق «المصرى اليوم»، فأغضب قيادات الوفد، وعاتبنى رئيس الوفد والسكرتير العام، مع أنهما كانا يؤيدان صلاح دياب!
تركت المياه تجرى فى أعنتها، فقد كنت أخشى من تجربة الصحافة الخاصة.. ويومها كنت أكتب مقالى بحرية شديدة فى الوفد، وكان الهاجس الذى يشغلنى طوال الوقت أن يضايقنى أحد.. واكتشفت أننى يمكن أن أنتقد أى أحد مهما كان، حتى مؤسس الجريدة شخصيًا، وأن ينتقدنى أى أحد فى أى وقت.. وكانت القاعدة أن الجريدة ملك للقارئ وليس لأصحابها.. فجعلت لها مذاقًا خاصًا.. ومع ذلك فنحن فى حاجة إلى إصدار ثانٍ نتلافى فيه كل السلبيات، ونعظم فيه كل الإيجابيات