العمدة البلجيكي وحرية التعبير

العمدة البلجيكي وحرية التعبير

العمدة البلجيكي وحرية التعبير

 العرب اليوم -

العمدة البلجيكي وحرية التعبير

بقلم - عادل درويش

شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل (مقر إدارة الاتحاد الأوروبي)، الأسبوع الماضي، واقعة لم يكن أحد يتصور حدوثها في بلد ديمقراطي أوروبي في 2024.

المفاجأة دفعت رئيس وزراء بريطانيا إلى وصفها «بتطور يدعو إلى الإزعاج، ويهدد حرية التعبير بوصفها دعامة مهمة للديمقراطية».

رئيس وزراء بلجيكا، ألكسندر دي كرو، يراها «غير مقبولة»، مضيفاً أن «استقلالية المجالس البلدية المنتخبة هي حجر أساس في ديمقراطية البلاد، لكن لا يمكن لها أن تخرق دستور البلاد الذي يضمن حرية التعبير وحرية الاجتماعات منذ 1830». ما حدث أن عمدة منطقة وسط بروكسل (سان جوزيه)، أمير كير، أساء استغلال صلاحياته في إرسال بوليس المنطقة لمنع المشاركين في مؤتمر عام من الحضور.

كان من المقرر للمؤتمر أن يعقد على يومين بعنوان «الحركات الوطنية المحافظة في أوروبا»، ويشترك فيه عدد من ممثلي الأحزاب من بلدان أوروبا. وبعد افتتاح المؤتمر، الثلاثاء، بفترة قليلة، وصل بوليس المنطقة بأوامر من العمدة كير، ومنع المشاركين من الدخول، بحجة أن المؤتمر ممنوع من أجل السلم والهدوء العام في المنطقة.

القواسم المشتركة بين الممثلين فيه، من العنوان نفسه، قيم وفلسفة المحافظين على اختلاف المناطق الجغرافية أهمها الديمقراطية النيابية، وحرية الفرد وحرية التعبير. من الساسة المشاركين، نائب رئيس البرلمان الأوروبي السابق نايجل فاراج، الذي تزعم حركة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ومنهم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ومرشح الرئاسة الفرنسي اليميني الاتجاه أيريك زيمور، ووزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا بريفرمان.

المؤتمر افتتح في قاعة كلاريدج، بعد أن وجد المنظمون صعوبة في إيجاد قاعة، ففنادق متعددة ألغت حجوزاتهم، ورفض متعهدو الحفلات توريد المشروبات والأطعمة، رغم أن المؤتمر الأول عقد في بروكسل بتنظيم معهد أدموند بيرك للدراسات السياسية.

المحكمة الإدارية لمجلس الدولة البلجيكي حكمت في الشكوى التي قدمها المنظمون بأن العمدة على خطأ، واستأنف المؤتمر أعماله في اليوم التالي (الأربعاء)، بضمان الحرية التي يكفلها الدستور البلجيكي.

منظمو المؤتمر اتهموا المفوضية الأوروبية بالضغط على المتعهدين ودفع العمدة إلى منعه. ورغم غياب الأدلة القاطعة على «تآمر» المفوضية؛ فإن هناك قاسماً مشتركاً بين أغلبية المشاركين في المؤتمر، وهو انتقادهم الشديد لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي، والمفوضية غير المنتخبة، وسياساتها التي تتعارض أساساً مع قيم المحافظين من حرية الفرد في الاختيار وضرورة أن تكون الهيئات التنفيذية والتشريعية منتخبة.

العمدة نفسه، وكان حزبه الاشتراكي جمد عضويته وأنذره في الماضي من لقائه بساسة إيرانيين متهمين بانتهاك حقوق الإنسان، قال في تغريدة على «إكس» إنه منع المؤتمر؛ «لأن اليمين المتطرف غير مرحب به هنا»، وقال للصحافة في تبريره إنه كان يتوقع كلمات وخطباً متطرفة قد تؤدي إلى مظاهرة مضادة.

ورغم أن افتتاحيات الصحف والتيارات الديمقراطية، من كافة الاتجاهات انتقدت تصرف العمدة، فإن الصحف والمنصات اليسارية في بريطانيا، والمؤسسات الصحافية الأوروبية (وبعضها عام ومدعوم مثل قناة الأخبار الأوروبية، وفرنسا 24) ارتكبت خطأً أساسياً في تصنيفها للمؤتمر والمشاركين «باليمين المتطرف»، و«أقصى اليمين». والأسوأ أن الصحف اليسارية والليبرالية استخرجت من الأرشيف تصريحات وسياسات سابقة لعدد من المشاركين لتبرر وصفهم باليمين، وبمواقف قد لا تعجب أكثرية المعلقين، وهو أسلوب غير مباشر في إنقاص تعاطف القراء والمتفرجين والمستمعين معهم. فجوهر المشكلة ليس سياسات أو معتقدات المشاركين في المؤتمر (سواء أحببناها أم كرهناها خاصة أنها لا تتعارض مع القوانين)، ولكنها تتعلق بحرية التعبير، وسوء استغلال أمثال العمدة البلجيكي لسلطتهم بإجراءات انتهكت دستور بلاده.

حرية التعبير بوصفها حجراً أساسياً في المجتمعات الديمقراطية أفضل ما يلخصها مقولة: «أختلف معك في الرأي، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في التصريح به»، وهي منسوبة خطأً لأديب حركة التنوير الفرنسية فولتير (1694 - 1778) بينما هو في الحقيقة للكاتبة الإنجليزية إيفلين بياتريس هول (1868 - 1956) مؤلفة «حياة فولتير» (نشرتها في 1903 تحت اسم «رجل مستعار» و«أصحاب فولتير» (1906)، قائلة إنها استخلصت أن هذا ما اعتقده فولتير، ولم يتفوه به.

التيارات الليبرالية واليسارية وبيروقراطية الاتحاد الأوروبي يصيبها الإحباط ومستاءة من ارتفاع شعبية الأحزاب والتيارات اليمينية في معظم أنحاء أوروبا، على حساب شعبية حكومات وأحزاب اليسار، والليبراليين، والخضر (الخضر شركاء الحكومة الأسكوتلندية التي خفضت هذا الأسبوع من سقف التزاماتها البيئية بسبب إجراءات تضر بالطبقات الأقل حظاً في المجتمع وتهدد الاقتصاد).

الصراع مع الخصوم والمنافسين في المجتمعات الديمقراطية يحسمه صندوق الاقتراع، لا افتعال مخاوف ورسم سيناريوهات تدفع بعمدة مغمور لتوظيف البوليس لإسكات الصوت المعارض. أزمة التيارات والمؤسسات الليبرالية اليسارية أنها تتناسى أن الديمقراطية هي ثقافة شاملة ونظام متكامل اقتصادي واجتماعي ومؤسسات قانون، وليست «منيو» طعام في مطعم يريدون الإبقاء فقط على ما يعجبهم فيه من أطباق مختارة ويحثون الغرسونات على إلغاء الأطباق «الرخيصة»، فيحرمون منها الزبائن غير القادرين على دفع البقشيش السخي. الزبائن الآخرون ببساطة، بدأوا يهجرون المطعم الانتقائي إلى المطعم المنافس على الرصيف المقابل.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمدة البلجيكي وحرية التعبير العمدة البلجيكي وحرية التعبير



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab