الصراع الطبقي في بريطانيا

الصراع الطبقي في بريطانيا

الصراع الطبقي في بريطانيا

 العرب اليوم -

الصراع الطبقي في بريطانيا

بقلم: عادل درويش

 

الحكومة العمالية البريطانية بزعامة كير ستارمر اشتراكية بكل المقاييس، مثلما يتضح من نوعية مشروعات القوانين المطروحة في البرلمان، ومن الميزانية التي قدمتها هذا الخريف. ولأن الفلسفة الماركسية من أهم مكونات الآيديولوجيات الاشتراكية وتياراتها، فإن «الصراع الطبقي» لا ينفصل عملياً عنها رغم محاولة ساسة ووزراء العمال تغليفها بعبارات وشعارات مبهمة. مثلاً «إعادة توزيع الثروة» هي عملياً الاستيلاء على أموال وأرصدة فئات مستهدفة؛ أو «الملكية العامة»، نوع آخر من السرقة «المشروعة» يسمى «التأميم» سواء بالمصادرة، أو بشراء أسهم المشروع أو المنشأة الاقتصادية؛ والأخيرة سرقة مزدوجة لأن الشعب عن طريق الضرائب سيدفع التعويضات وثمن الأسهم المؤممة. حكومة ستارمر طورت الصراع الطبقي من مفهومه الكلاسيكي الماركسي (استيلاء البروليتاريا على مصادر الثروة ووسائل الإنتاج) إلى صراعات أخرى. الطرف المهاجم في الصراع الجديد هو الحكومة بوصفها ممثل «الناس العاملين» (التعبير غير المحدد بديلاً للطبقة العاملة).

الصراع الطبقي تحول إلى صراع المدينة، أو الحضر، ضد الريف والمزارعين؛ الأجيال الشابة ضد كبار السن والمتقاعدين؛ موظفي الدولة والقطاع العام ضد الحرفيين وأصحاب المهن الحرة؛ الاتحادات العمالية (الممولة لحزب العمال) ضد المستثمرين وأصحاب الأعمال؛ الجماعات المؤدلجة من محترفي التظاهر والاحتجاجات (جماعات غير منتجة وبعضها مرتبط مباشرة بحزب العمال) ضد المستثمرين في الصناعات والمشروعات التقليدية التي يرتكز عليها الاقتصاد.

وهذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر، تتضح من اللوائح المالية والضرائبية، ومن القوانين التي تعدها الحكومة العمالية مستغلة أغلبيتها البرلمانية الكبيرة لتطبيقها. ورغم أن الإجراءات «الاشتراكية» في مظهرها تستهدف استلاب «الثروة» من فئات معينة يشيطنها الخطاب السياسي للعمال (ملاك المزارع والوحدات السكنية وأصحاب المشروعات الكبرى)، فإن ضررها عام على الاقتصاد الوطني وعلى معظم الفئات الاجتماعية والاقتصادية خصوصاً الفقراء، والطبقات المتوسطة ذات الدخل المحدود.

ألكسندر بيرغهارت، الوزير بحكومة الظل في مواجهته يوم الأربعاء مع نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر، اتهم حكومة العمال بوضع ميزانية «انتقامية تستهدف بالعقاب الفئات التي لم تصوت للعمال»، مثل سكان الريف وكبار السن والحرفيين وأصحاب الأعمال والمزارعين.

وليومين هذا الأسبوع، تظاهر المزارعون (في بريطانيا هم أصحاب المزارع التي تنتج الغذاء واللحوم والألبان والدواجن) بالجرارات والآلات الزراعية أمام «داوننغ ستريت»، والبرلمان، ومبنى الخزانة، ووزارة الأغذية والبيئة وشؤون الريف. حكومة العمال يراها المزارعون وسكان الريف تمثل الحضر (المدينة) ولا تفهم شؤون الريف أو اقتصاديات المزارع مما يهدد إنتاج الأغذية، وليس بين الوزراء من لهم خبرة في شؤون الريف أو استثمارات في قطاعات الإنتاج الزراعي - بعكس حكومة المحافظين السابقة.

ميزانية حكومة العمال تفرض لأول مرة 20 في المائة ضريبة تركة على المزارع التي تزيد قيمتها على مليون جنيه. المزارع المنتجة كانت مستثناة من الضريبة التي يدفعها الورثة على تركة المتوفى (40 في المائة من قيمة التركة)؛ والحكمة في ذلك أنه في معظم الأحوال لا يمتلك الأبناء سيولة نقدية (200 ألف جنيه في حالة أقل المزارع ثمناً) لدفع الضريبة، فيضطروا لبيع الأرض أو جزء منها، مما يهدد بتفتيت الملكية الزراعية ونقص رقعة الأراضي الإنتاجية، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي للأمة.

أيضاً قوانين العمل الجديدة التي ترفع الحد الأدنى من الأجور وتلزم أصحاب الأعمال والمزارع بدفع رسوم تأمين إضافية للعاملين، بجانب الالتزامات بالطاقة الخضراء والتخلي عن محروقات الكربون، بدورها تهدد أيضاً المزارع وتؤدي إلى بطالة في الريف ورفع تكلفة الإنتاج الغذائي على المستهلكين، خصوصاً الفقراء.

الفئات الأخرى التي لا يصوت أغلبها للعمال وتستهدفها حكومتهم، في قول بيرغهارت، هم كبار السن وأصحاب المعاشات (ما يزيد على 11 مليون شخص)، فبجانب إلغاء منحة وقود التدفئة الشتوية للمتقاعدين، يستهدفون بقوانين ولوائح أخرى، منها زيادة ضريبة البلدية على قيمة العقار (وليس وفقاً لعدد سكانه المستفيدين من خدمات البلدية). المتقاعدون مساكنهم ذات قيمة عالية نسبياً، والخطاب الإعلامي لليسار الاشتراكي يشيطن كبار السن لحاجتهم الأكثر للرعاية الصحية والاجتماعية في نظرة الجيل الأصغر، بجانب رسم صورة سلبية لأصحاب البيوت الإسكانية «بوصفهم مستغلين للمستأجر»؛ خصوصاً أن كثيراً من المتقاعدين استبدلوا بالمعاش النقدي، الاستثمار في العقار الإسكاني بوصفه دخلاً مستقلاً بعد التقاعد. وبجانب الضرائب العالية، فإن قوانين ولوائح تسوقها آيديولوجيا «حماية البيئة» وضرائب الطاقة الخضراء، تضاعف التكاليف فتؤدي إلى هروب المستثمرين، ونقص آلاف الوحدات السكنية، وبالتالي رفع الإيجارات على شرائح تصوت تقليدياً للعمال.

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع الطبقي في بريطانيا الصراع الطبقي في بريطانيا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab