بقلم: عادل درويش
لقطات الأربعاء - وستمنستر ظهراً: المساءلة الأسبوعية لرئيس الحكومة.
مطار حربي سابق جنوب إنجلترا فجراً: طائرة استأجرتها وزارة الداخلية لنقل مهاجرين «غير شرعيين»، تنتظر الإقلاع إلى رواندا.
كيغالي (عاصمة رواندا) - الثامنة صباحاً: ممثلو وكالات اللاجئين والقنصلية البريطانية، يتفحصون فنادق، ومراكز لاستقبال مهاجرين (أو لاجئين)، للتأكد من مستوى الرعاية بنفقات 150 مليون دولار دفعتها بريطانيا.
شاطئ سلابتون (220 ميلاً جنوب غربي لندن) - السابعة صباحاً: اثنا عشر شاباً يصلون بقارب سريع (لنش) من بحر المانش، عصابة تهريب جهزت ميكروباصات تختفي بهم في ريف وأحراش منطقة دارتموث؛ ولا يزال بوليس مقاطعة ديفون يبحث عنهم. حادثة تتكرر منذ سنوات، قرب شواطئ قرى صغيرة تترك سكانها (معظمهم من المتقاعدين) في خوف دائم من الظاهرة. كثير من المهاجرين غير الشرعيين، عند ظهور قواربهم في المناطق القريبة من المدن الساحلية الكبرى مثل فولكستون، ودوفر، وهيستينغز، يسهل رؤيتها وتنتشلهم سفن خفر السواحل والبحرية الملكية، فتنقلهم للشواطئ، ويتلقون الرعاية الاجتماعية والصحية وإقامة مجانية، بينما يظل المختفون عن الأنظار، في قبضة عصابات تهريب البشر. ولأن المختفين بلا أوراق قانونية، تستغلهم العصابات في نشاط إجرامي، أو كعمالة رخيصة في أحوال تشبه العبودية، بلا رعاية صحية أو ضمان اجتماعي.
سالزبورغ - السابعة صباحاً: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تصدر ما يعرف بـ«injunction»، أي أمراً بإيقاف تنفيذ إجراءات قانونية حتى يتم إعادة النظر فيها بإشراف قضائي مستقل (أي غير المحاكم التي أفتت في مراحل وقضايا مرتبطة بالقضية الأصلية). والمعنى العلني؟
تعطيل تنفيذ إجراءات وزارة الداخلية، التي تلغي بدورها رحلة الطيران المنتظر إقلاعها إلى مطار كيغالي حتى إشعار آخر، وضياع قرابة نصف مليون جنيه دفعتها الداخلية البريطانية لشركة الطيران الإسبانية.
وستمنستر - الواحدة ظهراً: وزيرة الداخلية، بيريتي باتيل، تقدم البيان الوزاري أمام مجلس العموم عن سياسة الحكومة، وتطورات «نقل» الدفعة الأولى – بدأت بمائة وثلاثين مهاجراً وصلوا إلى البلاد بطرق غير شرعية عن طريق عصابات التهريب كلهم من الشياب في سن الخدمة العسكرية - إلى رواندا لدراسة طلباتهم للجوء والبت فيها.
أثناء مساءلة الوزيرة، الغالبية الأكبر من نواب الحكومة يدعمون ما عرف بـ«الخيار الرواندي» أو «السياسة الرواندية»، وينتقدون قرار محكمة سالزبورغ. أحزاب المعارضة تهاجم الحكومة، وتتهمها بسياسة متعسفة مع «طالبي اللجوء» (المعارضة وصحافة اليسار تتجنبان استخدام لفظ «مهاجرين») وإهدار أموال دافع الضرائب على رحلة طيران لم تقلع، وكان الأمل يتضاءل يومياً في إقلاعها أصلاً، وعلى أتعاب محاماة تحدي قضايا في المحكمة رفعتها مؤسسات وجمعيات لرعاية اللاجئين وبعض المحامين (تطوعاً منهم بلا أن يوكلهم أحد) ضد وزارة الداخلية لاستثناء المقرر ترحيلهم من القرار. المحامون أنفسهم (وبعضهم بالغ الثراء) - وصفهم رئيس الوزراء بوريس جونسون، ونواب الحكومة، بـ«ذوي الاتجاهات اليسارية».
لقطات الاثنين والثلاثاء - وسط لندن: مظاهرات ينظمها اليسار البريطاني وجمعيات رعاية المهاجرين واللاجئين، تدين سياسة إرسال «طالبي اللجوء» إلى رواندا للبت في طلباتهم.
تمبل - (منطقة المحامين والمحكمة العليا في لندن): عشرات من القضايا والالتماسات القضائية رفعها المحامون، لتعطيل إقلاع الطائرة. كان سبقها رفض المحكمة دعوى المحامين بعدم قانونية «الخيار الرواندي»، فالتجأ المحامون إلى تكتيك إنقاص عدد ركاب طائرة الترحيل؛ وذلك بتقديم التماسات لكل مهاجر على حدة، إما لأسباب صحية، أو حالات نفسية، أو استشهاداً بتقارير من منظمات، كـ«هيومن رايتس ووتش»، عما عده «انتهاكاً لحقوق الإنسان» في رواندا. منها عدم تمتع المثليين بالحقوق نفسها والحماية المتوفرة في بريطانيا، على سبيل المثال لا الحصر. بعض الالتماسات قبلها القضاء - وأخرى القضاء رفضها، والنتيجة تناقص عدد ركاب طائرة رواندا يوماً بعد يوم إلى أقل من أصابع اليد الواحدة.
لقطات الخميس والجمعة: الصحافة وشبكات التلفزيون، تقاريرها غير متوازنة تسخر من الحكومة، وتتجاهل مداخلات النواب وعدد أصوات ناخبيهم، فحسبة بسيطة تبين أن أغلبية الرأي العام البريطاني مع سياسة وزيرة الداخلية في وضع حد للهجرة غير الشرعية، وأيضاً لتجنب موت المهاجرين غرقاً. أربع وأربعون جثة لمهاجرين انتشلت في الشهور الماضية، بينهم سبع جثث لنساء وأطفال.
هؤلاء كانوا آمنين في فرنسا، ولم يطلب أي منهم اللجوء فيها أو في البلاد الأوروبية الأخرى التي مروا بها.
تسعة آلاف (90 في المائة منهم شباب في سن الخدمة العسكرية) أوصلتهم قوارب عصابات تهريب البشر هذا العام فقط، آلاف آخرون وصلوا سراً.
تكلفة الإقامة اليومية لمهاجري القوارب في الفنادق تقارب سبعة ملايين دولار يومياً، غير الطعام والملبس والدواء.
جميع الأحكام القضائية التي أنقصت عدد المرحلين على الطائرة لم يشر أي منها إلى عدم قانونية الخيار الرواندي (فالقادم من فرنسا ليس لاجئاً من منطقة خطرة، حسب التعريف الدولي، ولم يطلب اللجوء في بلدان أوروبية أخرى). كذلك، قرار الأربعاء من محكمة ستراسبورغ لحقوق الإنسان (منبثقة عن المجلس الأوروبي في 1959 وأصبحت دائمة في 1998 وتتكون من 47 قاضياً، كل من بلد من الموقعين). الحكومة البريطانية التزمت العمل بقرار المحكمة تنفيذاً لقانون حقوق الإنسان الذي أصدرته حكومة الأغلبية البرلمانية، العمالية بزعامة توني بلير في 1998 ضمن التخريب الدستوري الذي أنزلته حكومته بالبلاد وتقاليدها القضائية. القانون جعل مواد الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان قانوناً إلزامياً، وهو أمر مخالف لطبيعة الدستور البريطاني غير المكتوب والمتميز بمرونته وقابليته للتعديل متطوراً من الماغنا كارتا (عام 1215). فالقانون يقيد القاضي بنصوصه بدلاً عن الاجتهاد وإصدار الحكم بناء على ظروف القضية؛ مما يقوي حجة تيار المطالبين بإصدار عريضة جديدة للحقوق المدنية، والانسحاب من الميثاق الأوروبي (وقع في 1950 وبدأ تطبيقه في 1953).
المفارقة أن الميثاق كان مبادرة من الزعيم البريطاني الأشهر، السير ونستون تشرشل (1874 - 1965) عقب الحرب العالمية الثانية.
المفارقة الأخرى أن «محظوظاً» بإلغاء رحلة الطائرة إلى رواندا (مهاجر عراقي) قال لـ«بي بي سي» (من خلال مترجم)، إنه لو عرف بحل رواندا لما جاء، ووفر بضعة آلاف دفعها لعصابة التهريب!