بقلم: عادل درويش
الأربعاء في الأجندة البرلمانية في وستمنستر يوم مساءلة رئيس الوزراء. 14 نائباً ونائبة تختارهم القرعة يوجهون 15 سؤالاً (الأول يسأل مرتين)، بجانب 6 مداخلات من زعيم المعارضة كمنازلة كلامية أسلحتها سرعة البديهة والفطنة، وخفة الدم، والقدرة على تلوين الخصم ككاريكاتير هزلي يُضحك النواب، وقراء الغد بأقلام صحافيين برلمانيين أمضى في طعناتها من السيوف.
هذا الأربعاء اكتسب أهمية مزدوجة. ازدحمت القاعة ومنصتا الصحافة والضيوف و200 نائب وقوفاً، فمقاعد القاعة 427 وعدد النواب 650.
أول امتحان لزعيمة المحافظين الجديدة كيمي بيدينوك (تكره نطق اسمها بادينوك وتُعنّف من يخطئ النطق) ثاني سيدة تتولى زعامة المعارضة الرسمية (الأولى كانت مارغريت ثاتشر في 1975)، وأول زعيمة سوداء لحزب أوروبي كبير (مواليد ويمبلدون 1980 لأبوين مهاجرين من نيجيريا التي انتقلت إليها في سن السادسة، وعادت إلى بريطانيا في سن 16 لتدرّس في الجامعة).
أول اختبار لبيدينوك في مواجهة رئيس الوزراء كير ستارمر وأنظار العالم تحولت إلى الفوز الكاسح لدونالد ترمب ليصبح الرئيس الـ47 لأميركا بعد 70 يوماً، وثاني رئيس في تاريخها يعود لولاية ثانية بعد انقطاع؛ الأول كان ستيفين كليفلاند (1837 - 1908) الرئيس الـ22 (1885-1889) ثم الرئيس الـ24 (1893-1897).
التقطت بيدينوك الحدث العالمي ككرة تسددها بمهارة محمد صلاح في مرمى يحرسه ستارمر، الذي بدا مغلول اليدين أمام ركلاتها. بدأت بالسؤال عما إذا كان اعتذر لترمب عن الصفات القبيحة التي ذمه بها وزير خارجيته، دافيد لامي، عندما كان في المعارضة (وصف ترمب بالعنصرية وبأنه نازي). وكعادة الساسة حاول ستارمر التهرب، فكررت إعادة كلمات مخجلة للامي ولوزراء آخرين ولستارمر نفسه. والنتيجة ثلاثة أهداف لصالحها في مرمى ستارمر المفتوح.
لكن النجاح في المنازلة البرلمانية لا يترجم عادة إلى أصوات انتخابية تنقل المعارضة إلى الناحية الأخرى من المجلس كحكومة في الانتخابات المقبلة. وزير الخارجية الأسبق اللورد ويليام هيغ زعيماً للمعارضة (1997 - 2001) واجه توني بلير رئيساً للحكومة العمالية (1997 - 2007) بطعنات أثارت خيال رسامي الكاريكاتير ومعلقي الصحافة، لكنها لم توجه الناخب إلى صناديق الاقتراع فظل المحافظون في المعارضة حتى 2010. بلير في 2003 (مستغلاً أغلبيته) اختصر المساءلة البرلمانية من ربع ساعة مرتين في الأسبوع إلى نصف ساعة مرة واحدة؛ فلماذا يعرض نفسه مرتين لسخرية الصحافة وضحكات النواب؟ فليستغل اليوم الآخر في سياسات ونشاطات لترويج شعبيته بين الناخبين.
ولا شك أن بيدينوك ومستشاريها يعون الدرس الذي أعاد ترمب إلى البيت الأبيض بأصوات كبيرة رغم توقعات المؤسسات الصحافية العالمية الكبرى (وجهودها وحملاتها المعادية لترمب والمنحازة للديمقراطيين). فمنافسته كامالا هاريس حوّلت الانتخابات إلى استفتاء على شخصية ترمب نفسه من منظور ليبرالي يساري باعتبارها حاملة لواء التقدم وقضايا البيئة وحرية الإجهاض والمساوة العنصرية وغيرها من أولويات مثقفي التيار الليبرالي العالمي، محاولة تلطيخ سمعة منافسها بمعايير الصفوة الليبرالية - اليسارية.
ترمب في المقابل وعى درس فترة رئاسته الأولى، فقلل من الانتقادات الشخصية، وركز في خطابه السياسي، بلغة بسيطة شعبية، وإن تردت أحياناً إلى ما يعدّه المثقفون «كلام شوارع» على قضايا ومشكلات تهم المواطن العادي الذي تتجاهله المؤسسة الحاكمة، ويحتقره مثقفو المؤسسات الصحافية؛ قضايا الاقتصاد وارتفاع معدلات الهجرة، خصوصاً غير المشروعة.
الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه هاريس في حملتها كان تجاهل العبارة الشهيرة «إنه الاقتصاد يا غبي»، كواقع يعيشه الأميركيون. فالأرقام والواقع الاقتصادي يؤكدان أنَّ الأغلبية الصامتة من الناخبين كانت أحوالهم المالية والاقتصادية منذ ثلاث سنوات ونصف السنة في نهاية رئاسة ترمب الأولى (2017 - 2021) أفضل كثيراً من أحوالهم اليوم في العام الأخير من إدارة الديمقراطيين بزعامة الرئيس جو بايدن. أسواق المال والبورصات انتعشت وأسعار الأسهم الأميركية ارتفعت، والبيتكوينز التي يدعمها ترمب وصلت أعلى أسعار لها فور إعلان فوزه. في المقابل، بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) في اجتماعه الشهري الخميس قطع سعر فائدة الإقراض بربع درجة فقط (إلى 4.75 في المائة) ولا تتوقع اللجنة المختصة أو الخبراء الماليون أن تنخفض إلى 4 في المائة قبل نهاية العام المقبل، ما السبب؟ ميزانية الحكومة العمالية (راجع «الشرق الأوسط» الأحد الماضي). وهذا ما يجب أن تركز عليه زعيمة حزب المحافظين الجديدة في الأعوام الثلاثة المقبلة بكشف السياسات الاقتصادية والمالية السيئة للحكومة العمالية التي تنخفض شعبيتها باطراد.