تطورات الأسبوع الأول في حملة الانتخابات البرلمانية البريطانية الثامنة والخمسين (بالشكل البرلماني الحالي) امتلأت بغريب المفارقات الساخرة؛ فتبادل الاتهامات بين المحافظين والعمال بشأن الضرائب ليس بجديد. وصعود أحزاب صغرى تستقطب أصوات ناخبي الحزبين التقليديين ليس بجديد. وتوقع فوز المعارضة (العمالية) في انتخابات سلبية، أي أن الناخب أدار ظهره للحكومة ليس لتفضيله برنامج حزب معارض (ليس للعمال سياسة واضحة هذه المرة)، بل لضجره من بقائها في السلطة لفترة طويلة، ليس بجديد.
الجديد تغيير مواقف ردد أصحابها أنها ثابتة، وظهور مقترحات مبتكرة في المشهد السياسي؛ ورغم أن بعضها يشبه الاسكتشات الكوميدية، كسياسات الخضر، التي تريد أن تعيد البلاد إلى عصر ما قبل الآلة البخارية، فهناك أفكار من خارج الصندوق.
حزب الإصلاح (حزب البريكست في ثوبه الجديد) الساعي لتخريب فرصة المحافظين الانتخابية برفعه لواء اليمين، يركز في الحملة على الحد من الهجرة المشروعة، وعلى خطر الهجرة غير الشرعية عبر القوارب. مشروعه للحد من العمالة الأجنبية المتسببة في خفض أجور العمال البريطانيين، هو بزيادة ضريبة التأمين القومي، التي تدفعها الشركات في حالة توظيف عمالة أجنبية وتخفيضها بتوظيفهم عمالة محلية.
العمال يلوحون بإطلاق مؤسسة قطاع عام للطاقة الخضراء، بتمويل دافعي الضرائب، مركزها أسكوتلندا لتوليد الكهرباء من الرياح والبحر، بينما يريدون المنع التدريجي لبترول بحر الشمال. المفارقة العبثية أنها ستفقد العمال معظم أصوات الدوائر الأسكوتلندية الـ59. فاستخراج البترول يضمن أكثر من 100 ألف وظيفة في أسكوتلندا. وفي سياسة معاكسة لسياسة العمال، أعلن رئيس الحكومة وزعيم المحافظين، ريشي سوناك (وهذه المرة لم ينسَ الشمسية الواقية من المطر) تخفيف قيود وضرائب الطاقة الخضراء من أجل الوصول إلى «معادلة صفر البيئية»، لجذب أصوات القطاعات الواسعة التي تعاني من ضرائب البيئة. أي سياسة موجهة لناخبين حزبه التقليدين كتأكيده علي ضمان العلاوة السنوية لأصحاب المعاشات تمشياً مع زيادة الأجور العامة ومعدلات التضخم.
في المقابل، تدخل سياسة العمال شرائح جديدة للضرائب منها أصحاب المعاشات، وأغلبيتهم يصوتون تقليدياً للمحافظين، بينما يركز الزعيم العمالي كيير ستارمر على السياسات البيئية التي تجذب الشباب دون الأربعين، فقرابة الثلثين بينهم يدعمون العمال في استطلاعات الرأي، بينما أقل من 15 في المائة منهم يدعمون المحافظين.
لكن ما جعلها من أغرب الحملات الانتخابية أن أربعة أيام من الأسبوع الأول أوقعت ستارمر في فخ تركيز الكاميرات والميكروفونات وأسئلة الصحافيين على خلاف داخلي في حزبه لا على وعوده الانتخابية. وتطور الأمر ليدعم التسمية الساخرة التي تطلق عليه في وستمنستر «المستر فليب - فلوب flipflop»، وهو «شبشب» من المطاط للصيف والشاطئ، لتكرار تغييره مواقفه، وأنه لا يقود، بل يقاد لمزاج المؤيدين «فيتقلب» حسب تغير رياح التأييد!
الوزيرة السابقة في حكومات الظل دايان أبوت، من قيادات اليسار العمالي وأيقونة نسائية لليسار والأقليات كأول نائبة سوداء في وستمنستر منذ 1987؛ كان الحزب جمَّد عضويتها وجلست في الصفوف البرلمانية الخلفية، إثر مقالة نشرتها في ربيع 2023 تدعي أن التفرقة ضد الآيرلنديين واليهود والغجر «ليست تفرقة عنصرية». لجنة الانضباط بعد التحقيق أعادتها للعضوية الثلاثاء، وقالت للصحافيين إن الحزب «منعها من الترشح».
ستارمر أراد تقليد توني بلير في التخلص من اليسار الراديكالي واتباع الزعيم اليساري السابق جيريمي كوربين، كان مثل أبوت استبعد من الحزب البرلماني، لكنه يخوض الانتخابات في دائرته ضد مرشح العمال الرسمي. المفارقة أن كوربين في حال فوزه المتوقع سيجلس في صفوف المعارضة بجانب خصومه الألداء، المحافظين، إذا صدقت استطلاعات الرأي.
ستارمر يريد استبدال نواب اليسار الراديكالي المحتمل رفضهم التصويت على قراراته عندما يصلح رئيساً للحكومة، بمرشحين وديعين مطيعين.
لأربعة أيام ظل ستارمر يردد أن ترشيح أبوت ليس بيده، بل مع اللجنة التنفيذية. وزير المالية المحافظ جيرمي هنت قال ساخراً: «إذا كان عاجزاً عن التعامل مع أبوت فكيف سيواجه الخصم فلاديمير بوتين؟»
ستارمر الذي انتقدته الحركة العمالية الأوسع لترحيبه بنواب من يمين المحافظين التحقوا بحزبه، واجهه دعم نائبة رئيس الحزب، أنجيلا راينر من يسار الوسط، وشخصيات بارزة من الحزب للسيدة أبوت بجانب مسيرة مؤيدة في دائرتها، فلم ينتظر قرار اللجنة التنفيذية، بل قال للصحافيين أول من أمس إنها «حرة» في ترشيح نفسها عن العمال. انقلاب ستارمر واضح في أربعة أيام.