الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير

الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير

الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير

 العرب اليوم -

الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير

بقلم - جميل مطر

 كثير ما يكتب ويقال عن اليوم التالى لتنفيذ اتفاق دولى يقضى بوقف القتال والقتل الجماعى فى ربوع غزة. يتحدثون عن تحالف متعدد الجنسيات يتولى مسئولية إدارة شئون القطاع.

يشترك فى تنفيذ إرادة هذا التحالف إداريون وعسكريون من دول عربية مجاورة سوف يتعاونون مع ممثلى دولة الاحتلال، بينما تردد فى اقتراحات أخرى أن السلطة الفلسطينية المقيمة الآن فى رام الله، أو بعد إعادة هيكلتها بأمر من المجتمع الدولى، سوف يكال إليها هذا الدور.

يشترط المحتلون والأمريكيون إغفال وجود حركة حماس بحرمانها من تولى أى مناصب سياسية فى القطاع، وهو الحرمان المعمول به الآن فى رام الله.

• • •

تعددت فى الاقتراحات الإشارة إلى حل الدولتين. لم يقرن بأى اقتراح منها خريطة للدولة الفلسطينية أو خريطة نهائية ترسم حدودًا للدولة الأخرى. أضافوا شرطًا حصل على إجماع الدول المهتمة بحل الدولتين ألا وهو شرط «دولة فلسطينية منزوعة السلاح».

أفهم أن تشترط إسرائيل هذا الشرط، وأن تشترطه أمريكا وربما بعض الدول الحليفة. ما لم أفهمه هو أن تقبل به السلطة الفلسطينية قيدًا على سيادة الدولة.

كيف يرضى القائمون عليها أن يحكموا دولة بلا سيادة ولا حدود، دولة أراضيها تؤكل كل يوم قرية بعد أخرى وشعبها إن لم يهاجر فمصيره القتل.

• • •

كان مطروحًا بشكل من الأشكال عودة مصر لتولى مسئولية إدارة القطاع، ويتردد بخبث أن الرفض المصرى لهذا الطرح ربما يلين لو أن الجماعة الدولية المهيمنة على القروض والاستثمارات الخارجية ربطت بين سينا وغزة بمشروعات إعمار عديدة واستثمارات وفيرة. مصر رغم أزمتها، وحسب ما أعلم، ما تزال رافضة أى اقتراح يجر فى أذياله أنواعًا من هجرة الفلسطينيين. لكنها تدرك أن هذه الاقتراحات، ضمن جهود وضغوط كثيرة، لن تتوقف.

• • •

لن أغير من يقينى أن ما قام به شبان حماس من عمل عسكرى منظم ضد إسرائيليين ومهاجرين يهود قرروا استيطان هذا الحيز من غلاف غزة إنما هو عمل سبق أن وقع مثله فى عديد جبهات الاحتلال الأجنبى لأرض استباحها لنفسه.

وقع فى الصين والهند ومصر والسودان والولايات المتحدة وفى جنوب إفريقيا وأيرلندا الشمالية وأمريكا ضد بريطانيا العظمى، وقع فى مصر وبلاد الشام ضد قوات السلطة العثمانية وفى الجزائر والمغرب ودول إفريقية عديدة ضد الفرنسيين وغيرهم من المستعمرين الأوروبيين. لا جديد فيما قام به شبان فلسطينيون لتحرير بلادهم، لم يكونوا أول من انطلق مهاجما المستعمر أو المستوطن ولن يكونوا آخرهم.

• • •

هذا المستعمر مع المستوطن يمارسان ظلمًا رهيبًا فى الضفة الغربية على امتداد سنوات.

أقيم الجدار العازل وانتشرت المستوطنات مع طرقها الخاصة وقوات دفاعها. فرضت غاراتها المستمرة على قرى الفلاحين الفلسطينيين.

لا يتوقف الإسرائيليون عن الحديث عن أحلامهم الكبرى فى دولة يهودية على أرض شاسعة تتمدد فى كل الاتجاهات.

• • •

بتطور غير ملموس هيمنت على الحكم فى إسرائيل عناصر وتيارات يمينية متطرفة. راحت على امتداد التاريخ المعاصر تستخدم الدين والتاريخ القديم جدًا والأساطير لإرهاب شعوب وحكام العالم، والعرب اليوم فى صدارة هذه الشعوب. هى ولا شك عقدة حكام كثيرين. كيف تحل وقد امتزجت أطماع الصهاينة بمصالح القوة الدولية الأعظم، بريطانيا العظمى ثم الولايات المتحدة، حتى احتار عباقرة السياسة فى فهم عناصر هذا المزيج وفى كيفية صنعه.

• • •

من يستخدم من؟ أمريكا تستخدم الصهيونية العالمية، تستخدمها جهازًا متميزًا للتجسس على الآخرين من داخلهم أم تستخدم قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسى الذى أثمرته هذه القوة، أم يكفيها أن تستمر الدولة الصهيونية مغروسة فى قلب الشرق الأوسط تثير عدم الاستقرار وتؤلب الدول والجماعات على بعضها البعض؟ أمريكا تستخدم الصهيونية أم الصهيونية تستخدم أمريكا لتحقيق أهداف تاريخية ودينية وأسطورية لا تعلن لعامة الناس وحكامهم؟

• • •

أبدع كل منهما فى استخدام الآخر. كلاهما أبدع فى استخدام العداء للسامية لإخضاع شعب أو آخر. تحقق استسلام اليابان كاملًا بقنبلة هيروشيما وإلى يومنا هذا تسير فى ركاب الصهيونية والإرادة الأمريكية فى كل ما يتعلق بحماية إسرائيل والتغاضى عن تجاوزاتها الأخلاقية والسياسية. وفى ألمانيا تحققت الإرادة الأمريكية والإرادة الصهيونية فى تمازج كامل فضمنت الحماية لإسرائيل وتجاوزاتها وعمليات الإبادة التى تمارسها والتغاضى المخجل للمبالغة فى تسيير سياسة ألمانيا وفق توجهات إن لم تكن توجيهات إسرائيل.

واقع الأمر كما يبدو لمراقب خارجى أن أمريكا والصهيونية تمكنتا من إجبار أو إقناع ألمانيا بهذا السلوك مستخدمتين سردية العداء للسامية قنبلة تعادل أو تتفوق على قنبلة هيروشيما فى اليابان. مفعول تهمة العداء للسامية بالتأكيد أقوى وأبقى من قنبلة نووية. دليلنا على صحة ما نذهب إليه ويذهب إليه معنا الرأى السائد فى معظم بلاد الشرق الأوسط هو الموقف الألمانى على امتداد الشهور الماضية من حرب الإبادة الدائرة فى فلسطين، موقف غريب وغير مبرر أخلاقيًا.

• • •

عشنا سنوات ونعيش ضغوطًا وحروبًا وعقوبات ووعودًا هدفها فرض التطبيع على دول العالم العربى. نعيشها فى ظل محاولة صارخة لإبادة شعب فلسطين أو تهجير قطاع منه. ونعيشها كابوسًا منذ قامت إسرائيل بقصف بعثة دبلوماسية لإيران فى دمشق متسببة فى قتل شخصيات إيرانية رفيعة المستوى وفى الوقت نفسه أعادت إلى صدارة المشهد قضية العلاقات العربية الإسرائيلية.

• • •

عشنا ليلة وصفتها بأنها كانت مثيرة. كان واضحًا أن خلافًا شكليًا وقع فى العلاقة بين قمة القيادة السياسية فى واشنطن وقمة القيادة السياسية فى إسرائيل. أقول القمة لأن الخلاف لم يمس أسس الامتزاج الصهيونى الأمريكى.

تصادف أن كلًا من الرئيس بايدن ورئيس الحكومة نتنياهو يمر بأزمة سياسية تمس شخصه ومستقبله السياسى.

أقول أيضًا أن الأزمتين تناقضتا فى الخيارات المتاحة أمام كل منهما. حانت الفرصة عندما تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر فى العلاقة مع الحليف الأمريكى فأمر أجهزته الهجوم عسكريًا على بعثة إيران الدبلوماسية فى دمشق دون استشارة واشنطون التى تحتفظ فى سوريا بقاعدة عسكرية وتحافظ من خلالها على حساسية وضع استراتيجى شديد الحرج فى الشرق الأوسط ومع إيران بخاصة.

• • •

لم تفاجئنا التسريبات الصادرة من واشنطن تعليقًا على تجاوز نتنياهو قواعد التحالف، أو قل الامتزاج الصهيونى الأمريكى. كانت أهم التسريبات من وجهة نظرنا ما تعلق بالشكوك الجديدة الطارئة على العقل السياسى الأمريكى ومنها أن إسرائيل، تحت قيادة معينة، يمكن أن تعرض أمن القواعد العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط للخطر. شكوك من هذا النوع تؤثر فى المعتقد السائد تاريخيًا، وهو أن إسرائيل بوجودها تحمى مصالح أمريكا ومنها قواعدها العسكرية ومصالحها النفطية وتحالفاتها التقليدية بدول الخليج وخطط تطبيع أوسع. من ناحية ثانية تأكد لقيادات فى الحزب الديمقراطى والبيت الأبيض أن تصرفات نتنياهو ضد المدنيين الفلسطينيين أثرت على اتجاهات تصويتية بين جماهير الحزب ما صار يهدد فرص بايدن فى الفوز، وهو الأمر الجلل فى سنة انتخابية. من ناحية ثالثة تسرب أن قيادات الحرب لمست قلقًا متزايدًا بين قادة دول الخليج ودول عربية أخرى نتيجة المواقف الإسرائيلية التى وصفت بالرعناء والاستهانة بمصالح حلفاء أمريكا فى المنطقة.

• • •

فى النهاية تسرب، بتعمد حسب رأيى، أن اتصالات غير مباشرة جرت بين واشنطن وطهران أقرت بحق إيران فى الانتقام للغارة الإسرائيلية على السفارة فى دمشق بشرط أن يكون معتدلًا، وأن أمريكا سوف تلجأ فور إتمام الغارة إلى تعبئة القوى السياسية لحلفاء أمريكا وإطلاق حملة إعلامية تشد من أزر الحليف الإسرائيلى أملًا فى تطويعه ومنعه من الاستمرار فى سياسات هدفها التورط والتوريط والاستهتار بمصالح أمريكا وحلفائها فى الشرق الأوسط.

• • •

وقع الانتقام الإيرانى. كان فى الشكل كثيفًا وفى الواقع ناعمًا وفى آثاره مثيرًا. عشرات المسيرات ومئات الصواريخ فى موجات متلاحقة نحو لا أهداف محددة باستثناء وحيد هو مطار مهم تضررت بعض ممراته ومخازنه وربما أشياء أخرى أخفاها الجيش الإسرائيلى فى بياناته المتضاربة. الأهم أن لا ضحايا مدنيين، إنجاز هائل فى حرب فى الشرق الأوسط.

إنجاز أكدته الولايات المتحدة حتى قبل أن تعلنه إيران أو تشكك فيه إسرائيل. مهم أيضًا السرعة التى خرجت بها أمريكا لتحصل مع بريطانيا وفرنسا على الفضل فى «إحباط الهجوم الإيرانى» قبل أن تعود وتعلن انتصار إسرائيل وتشن حملة إعلامية داخلية تجمع بين إعلان الفضل لأمريكا والثناء على كفاءة جيش إسرائيل. كنت شاهدًا مرات غير قليلة على مثل هذا التضارب فى الإعلام الرسمى الأمريكى لكن ولا مرة واحدة بمثل هذا التخبط.

• • •

هذا عن شكل الهجمة الإيرانية على إسرائيل وواقع تنفيذها، أما الآثار المباشرة وغير المباشرة فكثيرة وبعضها كاشف، منها على سبيل المثال:

(1) استعاد بايدن مؤقتا هيمنة أمريكا على تصرفات حكومة إسرائيل. ففى الشكل وأمام شعبه أنقذ إسرائيل وسوف يطلب الثمن من نتنياهو.

(2) أوقفت أمريكا، ولو مؤقتًا، مسلسل هزائم إسرائيل فى حربها ضد غزة.

(3) بعد أن سمحت أمريكا لإيران بحرب محدودة تكشف فيها عن ضخامة ترسانتها من الصواريخ والمسيرات تستطيع الآن أن تستأنف وبسرعة المفاوضات لاستكمال تنفيذ مشروع الحلف الإبراهيمى ضد إيران والمقاومة الفلسطينية توطئة لإقامة جامعة الدول الإبراهيمية.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab