في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة

في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة

في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة

 العرب اليوم -

في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة

بقلم - جميل مطر

عشت معظم سنوات حياتى أحلم بالسكن ولو مرة فى بيت بحديقة. كثيرة كانت الأسباب والظروف التى حالت دون تحقيق هذا الحلم. كان من بين الأسباب وجوب الوجود على مقربة من وسط المدينة حيث كانت ظروف العمل الدبلوماسى تحتم ذلك، ففى النهار نعمل بالسفارة ونتواصل مع ديوان وزارة الخارجية وفى المساء تحتفل السفارات بأعياد بلادها القومية ومناسبات أخرى ومن واجبنا مشاركتها احتفالاتها. جاء وقت تحررت واجباتى الوظيفية من هذه الالتزامات وتمكنا، كما حدث خلال فترة إقامتنا بتونس، فسكنا بيتا فى الضاحية. تشاء الظروف أن صاحب المسكن اختار أن يجعل الفضاء المحيط بالمبانى لوحة رائعة من أشغال الفسيفساء التونسية تتسع لضيوفنا جلوسا وتمشية. أنستنا اللوحة حلم الحديقة لسنوات خمسة قضيناها فى هذا البلد الجميل.
• • •
رحلت زوجتى إلى بارئها فى رحلة طويلة. عندئذ أصرت الابنتان، نسرين وداليا، على ضرورة انتقالى لأكون بجانبهما فى ضاحية جديدة من ضواحى القاهرة. اختارتا لى مسكنا بحديقة لأقيم فيه، أنا الرجل الذى تقدم به العمر والجاهل تماما بأمور البستنة زراعة أو تجميلا. بذلت جهدا للتعلم وجهدا أكبر للتعويض عن سنوات خيبة أمل فى أن يتحقق حلم عمرى. لم أفلح إلا قليلا. ففى نهاية عامين من الجهد المنفرد فى حديقة هذا البيت اكتشفت بالصدفة المحضة أن وردة بدت لى يتيمة تقف منحنية فوق غصن ضعيف رفض أن يرتفع كثيرا عن الطين الذى خرج منه. فرحت بها وخفت عليهما. أذكر أننى لم أترك ضيفا أو ضيفة إلا وطلبت منه أو منها تصوير وردة تقف على قمة غصن قصير رافض الاستقامة أو عاجز عن تحقيقها. خفت على الوردة. رحت أسأل ضيوفى إن كنت قصرت فى رعايتهما، هى وغصنها الرهيف. طلبت المساعدة. فشلت كل محاولاتى ومحاولات المساعدين والداعمين على حد سواء. نشرت صورا للوردة على صفحتى على أمل أن يلاحظها متعاطف يتفهم ويقدر. أصابنى إحباط شديد، أهذا ما أستحقه بعد صبر السنين، زهرة لا تراها عيون زوار حديقتى المتواضعة إلا بإرشاد وتوجيه.
• • •
شجعنى الإحباط. فبالرغم من محبة متبادلة مع جيرانى، ورغم خفة ظل المسكن من الداخل طلبت من ابنتىّ استئناف البحث عن حديقة مناسبة مرفقة بسكن ملائم فى الضاحية نفسها التى شهدت أول حبى لسكن الضواحى. زرت عشرات الشقق قبل أن أستقر على واحدة بحديقة واسعة وإيجار معقول. مر عامان من الرضا، أهتم بحديقتى فترد اهتمامى بخضرة منعشة وحضن حانٍ. لا أكثر!!.
رجل عاش يحلم. رجل مثل غيره من البشر الذين لا يشبعون من الحب حتى وهم فى الحب غاطسون. حديقتى الجديدة لم تبخل على صاحبها بجمال أو أناقة ودلال. مرة بعد أخرى تجدد له أوراقها. استعانت الحديقة بالطبيعة وعبقريتها لتجعل الأخضر ألوانا ومذاهب حتى لا أضيق أو أملّ. أبدعت فى أحيان حتى رحت، وأنا بالخيال الخصب مغرور، أظن أنها ربما صارت تبادلنى الحب. وبعين لا تشبع وقلب لا يرتوى رحت أظن أننى أستحق المزيد.
• • •
جاء شتاء زمهريرا فالسماء غاضبة بالصوت والضوء معا والبرد قارس والرياح شديدة. خرجت أودع ضيفتى وأنا أسرع أمامها الخطى. كنت على وشك أن أفتح لها باب الحديقة عندما سمعت آهة عميقة تلتها آهات أخرى عديدة. التفتت خلفى لأجد صديقتى تقف متسمرة خلف سور الحديقة. عدت إليها أنبهها إلى خطر أن يصيبها المطر مع الرياح بالبرد فوجدتها تشير إلى السور. نظرت ولم أرَ ما يلفت النظر، رأيت أوراق شجر السور كثيفة لتؤدى وظيفتها المعتادة، وهى تعتيم الرؤية من الناحيتين.
• • •
قالت تعال، «اقترب، وسترى العجب». اقتربت فهالنى ما رأيت. رأيت برعما تفتح كاشفا عن وردة تسعى لتخرج من إسار أسوار الحماية التى أقامها مجهول ليحول دون خروجها فى هذا الجو اللعين. صديقتى سألتنى هامسة إن كنت تعلمت كيف أحمى وردة وهى غضة تقاوم الأسر والمطر والريح، كله فى آنٍ. أجبت على السؤال بسؤال العاجزين، «وما الذى دفعها إلى الخروج فى غير موعده وبغير استعداد كافٍ وحراسها غير مدربين على حراستها ضد جحافل أشرار لا يرحمون». ليس هذا وقت التأنيب أو التحذير، قالت ضيفتى فى لهجة الوعيد والتهديد، وأضافت «إنى راحلة قبل أن أصبح طرفا متواطئا فى عدوان صارخ على جنين يناضل ليولد».
• • •
غريب تاريخ هذه الوردة. خرجت من داخل غلاف حمايتها ولم ينتهِ الشتاء. لم أفارقها. أستيقظ وأخرج إليها قبل أن أستكمل أداء واجبات ما بعد الاستيقاظ. أقضى معها وقتا ممتعا. أراها، أو أتخيل أنى أراها، تفسح لنفسها ولنضوجها طريقا بين أغصان وأوراق السور الكثيفة. تسعى نحو هدف أو أهداف لم تكشف لى عنها. راقبتها ولكنى لم أغفل متابعة هذا الغصن الذى حملها وتحملها. رأيته، وأظن أننى لا أبالغ كثيرا إن قلت إننى كنت أقيس بمعايير الخيال كل زيادة فى سمكه، أقصد عضلاته وفروعه التى راحت تزيد مع كل يوم يمر.
• • •
جاء الربيع ومعه تضاعفت متعة مرافقة وردتى، نعم وصرت لمجرد المرافقة أستحق شرف تبنيها. استمرت تصعد متربعة فوق غصنها العنيد. فهمت أنها طول الوقت منذ تفتح برعمها كانت تسعى للاتصال بالشمس، بضوئها ودفئها. كانت فى حرصها على الاقتراب من الشمس أشبه بصلاة مخلوق صوفى حريص على الاقتراب من خالقه.
• • •
عقبت الصديقة رفيقتى الحريصة على مراقبة وردتى بتأكيد ظنها أن خالق الوردة يساهم فى عملية صعودها، هو من ناحيته يمد لها يدا لا نراها. لم تصدق ضيفتى، كما كان صعبا أن أصدق أنا نفسى أن الغصن الصاعد باستمرار يعتمد فقط فى صعوده وصموده على إرادة الوردة، إرادة تشتد مع الوقت صلابة وعنادا. إرادة لا تلين. جاء وقت قررنا، صديقتى وأنا، إحضار سلم خشبى يستعمله عمال البساتين لتقليم الأشجار لنقيس طول الغصن الغريب، لنتأكد من أن الوردة صاحبة الحمرة القانية صارت على بعد أربعة أمتار من الأرض. خرجت من تحت السقف الذى قررته الطبيعة لها ولغيرها حدا أقصى لا تتجاوزه مختلف زهور ونباتات الزينة. تجاوزته وراحت تصعد فى الفضاء بفضل غصن أمين وحنون، صعدت كالصاروخ.
• • •
سعت وردتى الحمراء الجميلة نحو هدف غير ممكن. شاءت فى الشتاء أن تعانق الشمس، وعلى الفور بدأت رحلة صعودها نحو هدفها تحت وابل المطر وظلمة السحب وهياج الأعاصير. بشموخها وصدق طموحها تغلبت عليها جميعا وواصلت الصعود. هنيئا لها، ولى، بما فعلت وما حققت.

 

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة في حديقتي وردة حمراء ولكن عنيدة وطموحة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab