صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي

صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي

صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي

 العرب اليوم -

صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي

آمال موسى
بقلم -آمال موسى

إن هيمنة القيم المادية والإذعان لمنطق القوة جعلا كل الرؤية والنظرة للعالم تقريباً تكاد تنحصر في دور المال والأعمال والتكنولوجيا في تلبية حاجيات النظام العالمي الراهن، وتحديداً نادي الدول القوية فيه. بمعنى آخر، لم يعد لدور النخب في التنشئة والتأثير أي أهمية للنظام العالمي الجديد الذي نجح في إضعاف دور النخب.

ويظهر هذا التمشي الواضح من خلال طبيعة الثقافة الجديدة السائدة التي غيرت من هويات النماذج المؤثرة: اليوم، لم يعد المعلم والطبيب والمحامي نماذج الاقتداء وصناع الحلم، بل إن صناع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي والأثرياء الجدد هم قِبلة الأطفال والشباب، وهي ظاهرة ليست مسقطة بقدر ما هي نتاج النسق القيمي الجديد الذي استند إلى قيم السوق والتسليع وتشيئة كل شيء.

هكذا نفهم خفوت صوت النخب، وتراجع طرح السؤال: أين هي النخبة؟

هناك حقيقة من المهم تحديدها بشكل واضح؛ وهو أن النظام العالمي الجديد تمت هندسته دون إسناد أي دور للنخب ولا للعقلانية ورموزها، وكأن المراد هو تخدير العقل لتسهل عملية تلقين الثقافة السهلة التي لا تُولي أهمية للفكر والاختيار الواعي المؤسس على مسوغات مقنعة.

من المهم التذكير بأن أحدث نظريات العصر الحديث؛ ومنها النظريات النقدية، يرى أعلامها ومؤسسوها أن قدرة العقل هي الأصل في الأشياء، وعكس ذلك ينضوي ضمن ثقافة الهيمنة وتأثيراتها السلبية. وفي هذه النقطة تكشف مدرسة فرنكفورت عن جزئية مهمة في مقاربة مفهوم صناعة الثقافة؛ وهي أن ما يسمى الثقافة الجماهيرية تقوم على آيديولوجيا أكثر من الثقافات السابقة، وهي آيديولوجيا تختلف في بنائها عن الآيديولوجيات المتعارف عليها، والتي اعتقد فيها العقل البشري حيث إننا أمام آيديولوجيا وطرح دوغمائي يقوم على نقيض دينامية الآيديولوجيات؛ وهو الفراغ، بدلاً عن غرس فكرة وقتل نقيضها. وإذا كان لازماً من توصيف آيديولوجيا فهي آيديولوجيا الفراغ بامتياز؛ الفراغ الذي يسمح بتمرير الرسائل التي تتماشى والنظام العالمي الجديد.

إن تطبيق أبعاد مفهوم صناعة الثقافة على المحتوى، حيث من الصعب مثلاً التقليل من ظاهرة حمى التسابق بين القنوات والإذاعات على تقديم برامج التسلية والترفيه، وإقحام آلية الجوائز لاستقطاب أكثر ما يمكن من الجماهير، وهي برامج، وإن من المنظور الوظيفي تخفف من رتابة الحياة اليومية، فإن التركيز المفرط عليها وجعلها في صدارة محتوى الفضائيات والإذاعات قد كرس قيم «البوز» والأخبار الزائفة والربح السريع وثقافة الاعتماد على الحظ وعدم بذل المجهود، والاستهانة بالجهد، بل جعل أصحاب المهن التي تتطلب مجهوداً وعلماً وعقلاً وقراءة في سُلّم التأجير، والمجتمعات التي أُريدَ لها ذلك بشكل كامل إنما تسد أمامها فرص الصعود والتنمية كي يظل هاجس الجميع الخبز فقط. ففي هذا المعنى يتنزل مفهوم تسليع الثقافة لتيودور أدورنو الذي يرى أنه مع ظهور الرأسمالية أصبحت منتجات الصناعة الثقافية «كلها سلعة والربح هو كل شيء»، وهكذا نفهم الترابط بين الثقافة الجماهيرية وصناعة الثقافة، وما يعبران عنه من فرض لمفهوم التشيؤ الذي صاغه جورج لوكاش مع ما يفيده من ضرب لقيمة العقل. وهكذا تنامى دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في إنعاش الجوانب الغرائزية في الإنسان أكثر من الجانب العقلي والعقلاني والنقدي فيه.

لذلك أصبحنا نلاحظ تكرار الموقف السلبي وسرعة التطبيع مع أي حدث جديد، مهما كان بشعاً ومرفوضاً. حتى الرفض والاحتجاج باتا قصيري العمر.

وبناء عليه فإن دور النخب ليس فقط لم يقع إدراجه أو أنه غير مفكر فيه، بل إن الحقيقة تكمن في كونه مرفوضاً. وطبعاً الرفض ليس مباشراً، بل إن بناء الثقافة الجديدة والنظام العالمي الجديد على نحو يستبطن فيه إعفاء النخب من دور مؤثر، وكي يحصل ذلك فالتهميش الاقتصادي هو أول ضمانة الإعفاء؛ حيث إنه تاريخياً صناع الأحلام والتجارب الناجحة كانوا نتاج المصعد الاجتماعي المعروف وهو: التعليم ولا شيء غير الجهد في التحصيل الدراسي. التعليم كان وقود الحلم. أما النظام العالمي الجديد، وخاصة الفصل الراهن منه، فإنما يثمن ويبجل ويجازي الأقل جهداً، والأقل إعمالاً للعقل.

المؤكد أننا في مرحلة جمود فكري عابر. لا يمكن للحياة البشرية أن تستمر على نحو عدم الاعتراف بالنخب، ومحاولة القضاء على نسلهم الرمزي، ومواصلة الانتصار لثقافة الأمر الواقع ومنطق الأقوى، وتعزيز مفهوم جديد للقوة من خارج العقل وفي ارتباط عضوي بالمال والعضلات.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي صناع المضامين الجدد خارج المصعد الاجتماعي



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab