بقلم : د. آمال موسى
يحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم. للوهلة الأولى يذهب الاعتقاد إلى أن سكان العالم اليوم تجاوزوا في عالم الرقمنة والذكاء الاصطناعي مرحلة القراءة والكتابة، وأصبحوا يواجهون تحديات جديدة ذات صلة بإتقان اللغات، والتمكن من التكنولوجيا.
ولكن هيهات أن يكون مثل هذا الاعتقاد صحيحاً، والحال أن قرابة خمس سكان العالم يعانون من ظاهرة الأمية. بل إن دراسات «اليونيسكو» أبرزت أن 771 مليون شاب وشابة في العالم لا يجيدون القراءة، وهي معلومة مخيفة جداً؛ لأن الفئة المعنية هي فئة الشباب، بكل ما يعنيه ذلك من معنى المستقبل، والتكيف مع مستجدات العصر الذي سيشمل حيواتهم. وهنا لا بد من تأكيد أن المقصود هو الأمية بالمعنى الأصلي، وليس ما أصبح يصطلح على تسميته بالأمية الجديدة ذات الصلة بالتمكن من الرقمنة.
أيضاً من المهم جداً التذكير بأن تناول واقع التعليم في العالم اليوم يأخذنا آلياً إلى موضوع التنمية المستدامة، والهدف الرابع منها الذي ينص صراحةً على التعليم الجديد والمتكافئ.
لذلك، فإن أول استنتاج يمكن تبنيه بشيء من الأسف يتمثل في أن قرابة خمس سكان العالم لا يمتلكون أهم مفاتيح التنمية المستدامة: التعليم.
وفيما يخص العالم العربي، فإن المشكل قائم رغم أن تاريخ العلم في الحضارة العربية والإسلامية عريق، والتراكمات المعرفية خير شاهد على ولع العرب بالعلم، وأسبقيتهم في الشغف بالمعرفة عن أمم أخرى على رأسها أوروبا. ولقد اعترف كبار المستشرقين، ومؤرخون بفضل الإنتاج العلمي لأعلامنا، أمثال ابن الهيثم وابن النفيس وابن سينا والرازي، على المعرفة الإنسانية. بل إن علماء الدين الإسلامي الكبار والمفكرين توقفوا عند مكانة العلم وطلب العلم في القرآن الكريم، وبينوا بالتحليل والاستنتاجات الكمية كيف أن سُدس آيات القرآن نزلت في تثمين العلم، وقرابة 18 آية حول الفكر، و93 آية في مجال إعلاء شأن العقل. ورغم أن هذه الحضارة ضاربة في القدم، فإن «مرصد الألكسو» كشف أن عدد الأميين في الوطن العربي سيُضاهي المائة مليون شخص بحلول 2030، وهو ما يفيد بوجود مشكل كبير سيكون عائقاً كبيراً أمام تحقيق التنمية المستدامة. والمشكل الأكبر يتمثل في أن مسار التعليم في العالم العربي في السنوات الأخيرة، بدلاً من أن يتقدم، قد عرف تراجعاً بسبب الصعوبات الاقتصادية لعدد كبير من بلداننا، وأيضاً تأثير التوترات والصراعات على التعليم، على أساس أن التعليم يحتاج إلى الاستقرار بأنواعه كافة: الاستقرار في الدولة، والاستقرار في العائلة؛ حتى يتمكن الطفل من التركيز، وتحقيق مسار تعليمي تراكمي طبيعي.
وحين نتأمل مؤشرات الواقع العربي في البطالة والفقر، فإن استمرار مشكلات التعليم والمتعلمين تظل قائمة ومرشحة لمزيد من التراكم والتفاقم. فاليوم الفقراء يجدون صعوبة في تأمين التعليم لأطفالهم. ولعل ضيق ذات اليد في تفسير ظاهرة التسرب المدرسي التي تشمل آلاف التلاميذ، دليل قاطع على تأثير الفقر في تحديد العلاقة بالمدرسة والتمدرس والتحصيل الدراسي والتسرب المدرسي. كما أن البلدان التي عرفت التنمية فيها إخفاقات، وجدت نفسها في تراجع رغم ما حققته من نجاحات في القضاء على الأمية، وتعميم التعليم بين الجنسين في عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ذلك أن تلك النجاحات لم تستطع بلدان عربية عدّة المحافظة عليها بالقوة نفسها؛ لأن الإمكانات تعوزها، خصوصاً أن المال الذي تنفقه الدولة على التعليم يندرج ضمن الاستثمار في الرأسمال البشري ولا تسترجعه عينياً.
أيضاً نلاحظ أن المشكلات مختلفة: بلدان تعاني من تأمين الحق في التعليم نفسه، وأخرى مشكلتها في ارتفاع نسبة الأمية، وبلدان أخرى مشكلتها في الوضع غير اللائق للمؤسسات التربوية، ناهيك عن مشكلة جودة التعليم نفسها، التي هي رهان العالم اليوم، ما يعني وجود بلد مشكلته تأمين المدارس، وبلد تجاوز ذلك ليخوض تحديات جودة التعليم. دون أن يفوتنا أن الغالب هو تزامن كل هذه المشكلات مع بعضها بعضاً في بلد واحد، وفضاء اجتماعي واحد.
ما الذي يجب أن ننادي به في اليوم الدولي للتعليم؟
لن يستقيم تناول قضايا الأميّة الجديدة ذات الصلة بالتمكن الرقمي دون القضاء نهائياً على الأميّة القديمة التي تتمثل في جهل القراءة والكتابة. ففي عالم ينشد التنمية المستدامة، وبعد قرون من الحضارة الإنسانية، والتراكم المعرفي والعلمي لم يعد مقبولاً بالمرة وجود طفل واحد دون تعليم.
فالعلم هو نور العقل والبصر وجميع الحواس، وليس فقط أداة للظفر بعمل جيد.
ولا شك في أن الرهان من زاوية مادية ليس هيناً على بلدان عدّة، لذلك فإن دور المؤسسات الأممية دعم الدول لتأمين هذا الحق