لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً

لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً؟

لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً؟

 العرب اليوم -

لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً

بقلم : د. آمال موسى

 

طبعاً ليس للتعميم، حيث إن لكل قاعدة حالة شاذة، أو كما علَّمَنا المنطق، النسبية تمثل شرطاً أساسياً من شروط الموضوعية.

ولكن لنعترف في لحظة صدق مع الذات: إن الغالب على رجال السياسة ونسائها في بلداننا الوجوه الواجمة وحمل ثقل الهموم. قد يندرج ذلك كما يحب أن يؤوله البعض في إطار أننا ننتمي إلى ثقافة تَعدّ المسؤولية وحكم النّاس تكليفاً وليس تشريفاً.

إلى حد ما، يمكن أن يكون الأمر كذلك. غير أن هذا التأويل يظل ناقصاً، وتبقى في الفهم منطقة ذات مساحة لا بأس بها، تهيمن عليها العتمة.

كي نوضح أكثر، سنعتمد المقارنة آلية في فتح أفق الفهم: لماذا غالبية وجوه ساسة أوروبا والولايات المتحدة مبتسمة ومرحة وتلقائية. وحتى القلة منهم الذين ليسوا كذلك، نراهم تحت وطأة خبراء الاتصال السياسي الذين يلفتون انتباههم إلى ضرورة التحلي بابتسامة عريضة تعلو محياهم.

نثير هذه النقطة لأن السياسة في الفضاء الأوروبي والغربي تكليف أيضاً.

لا شك أن الواقع العربي، اليوم ومنذ عقود، مأزوم جداً، وهو ما يفسر سر وجود غالبية الفاعلين في السياسة في بلداننا، إضافة إلى أننا ننتمي إلى ثقافة لا تعالج الأزمات بالابتسامة، وميولاتنا العاطفية يغلب عليها الحزن أو توقُّعه.

لو نركز على الهم في حد ذاته، سنرى أنه مبرَّر جداً ويصعب على من يتقلد مسؤولية سياسية في بلد عربي أن يكون منشرح الصدر لأن ثقل المسؤولية في الواقع العربي مضاعَف مرات ومرات، مقارنة باستحقاقات تحمُّل المسؤولية في الفضاء السياسي الأوروبي والغربي.

فالواقع العربي، بشكل عام، اليوم، يتقاطع بين مسارين اثنين متعبين: من جهةٍ بلدانُنا ما زالت في حاجة كبيرة إلى البناء والتأسيس، ومن جهة ثانية وفي الوقت نفسه يسيطر عليها هاجس إدارة الشؤون اليومية للمواطنين.

نحن هنا نتحدث عن اتجاهين ومسارين، وتطبيق لاستراتيجيتين في الوقت نفسه. فالتأسيس يتطلب أموالاً ضخمة وعائداتها على المديين المتوسط والبعيد. كما أن التأسيس يشترط الهدوء والرصانة وحسن التخطيط وأخذ الوقت الكافي والبناء في ظروف قليلة الضغط. ولا ننسى أهمية الاستقرار للتمكن من التأسيس في القطاعات الكبرى الأساسية، وتوفير المستلزمات؛ من إمكانيات مادية وقنوات دعم وتشريعات وخبرات وكفاءات. لذلك ليست كل الدول العربية، اليوم، تستطيع القيام بعملية التأسيس أو مواصلتها، أو حتى المحافظة على ما تم قطعه في مسار التأسيس، وهنا نذكر قطاع غزة ولبنان، وما حصل في العراق، وما تعرفه سوريا. ويكفي التوقف ملياً عند المثال اللبناني الذي لطالما اقترن بالجمال والحياة، وكيف أنه يعرف مرات ومرات فجيعة الدمار والهدم، وكأنه ممنوع من البناء، وممنوعة بيروت من الاحتفاظ بنفسها، كما هو شأن المدن الأوروبية التي أبعد ما تكون عن تهديدات الهدم والدمار، وتعتني بعراقتها وتراكمها هانئة البال.

كذلك، من المهم الإشارة إلى أن حقيقة الهدر الحاصل للعمران لأكثر من بلد عربي بسبب العدوان الإسرائيلي تُفقد التأسيس والبناء أي معنى لهما؛ لأنه لا يمكن البناء في سياق تهديد وعدوان واستهداف.

لذلك فإن البناء، على أهميته وضرورته، بات يشبه الترف في الواقع الراهن، وتحديداً في السنوات الأخيرة، حيث استنزفت إدارة الأزمات والشؤون اليومية للمواطنين الجهد والطاقة والموارد بأنواعها، وكل ذلك تم حتماً على حساب بناء أوطاننا.

إذن البناء هو فوق قدرة غالبية البلدان العربية، باستثناء بعض الدول التي تمتلك الإمكانيات والاستقرار لذلك.

أما الجزء الوافر من تأويل سبب هموم الساسة في غالبية بلداننا، فإنه يتأتى من إدارة الشؤون اليومية للمواطنين، إذ لم يعد ذاك باليسر النسبي الذي كان؛ حيث المتطلبات اليومية الراهنة تغيرت، وظلت أجهزة الدول هي المسؤولة والمحركة للاقتصاد، في حين أن القطاع الخاص لم يستوعب بعدُ ضرورة مشاركته في الاستثمار في الوطن والبيئة الاجتماعية، ومعاضدة جهود المرافق العمومية لضمان بيئة ينفع فيها الاستثمار ويتحقق فيها الربح وتصنع الثروة.

ومما زاد في هموم السياسي انعكاسات أزمة «كوفيد 19» على الاقتصاد، وتداعيات إفلاس العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وما تطلبته إدارة الأزمة من اعتمادات خاصة، دون أن ننسى تأثيرات الحرب على أوكرانيا على ارتفاع أسعار البترول والقمح.

إن المتطلبات اليومية وتوفير الحاجيات وتلبيتها تُغرق السياسي في دوامة تزداد يومياً، في ظل سياق دولي متوتر يُربك الأسعار، ومن ثمة يحوّل إدارة الشأن اليومي الاقتصادي إلى مشقة حقيقية تولد الشعور بثقل الهموم.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab