السباحة في الافتراضي

السباحة في {الافتراضي}

السباحة في {الافتراضي}

 العرب اليوم -

السباحة في الافتراضي

بقلم:د. آمال موسى

لسنا نحن من اخترع تكنولوجيا الاتصال الحديثة، ولكننا نحن العرب أكثر من يستعملها ويوظفها في استخدامات شتى. فالأوروبيون مثلاً أقل استعمالاً لـ«فيسبوك» و«تويتر» من العرب والمسلمين، بل إنه حتى الذين لهم حسابات خاصة تجد عدد أصدقائهم يكاد يعد على أصابع اليد باستثناء النجوم والمشاهير.
أما نحن فقصتنا مختلفة جداً.
عندما تدخل حسابات شخصية لأشخاص عرب سيخيل لك أنها حسابات نجوم: في أسابيع معدودة يبلغ الـ5000 صديق افتراضي، بل إن المنافسة على أشدها بين من له أصدقاء أكثر، والحال أن المنشورات لا تتجاوز العشرة أو أكثر قليلاً، اللهم إذا تعلق الأمر بصور فإنها قد تجلب جامات أكبر.
الملاحظ أن غالبية مستعملي «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما هم في حالة اتصال متواصل؛ فهم يقيمون في الافتراضي أكثر مما يقيمون في الواقعي.
إن موضوع الإدمان العربي على شبكات التواصل الاجتماعي ليس عادياً، ويحظى في الحقيقة باهتمام الدارسين والباحثين من نواحٍ عدة، لكن المنجز البحثي يفتقد التركيز على إشكاليات نفسية اجتماعية تحفر فيما وراء الهوس بشبكات التواصل الاجتماعي والإبحار فيها صباحاً ومساءً وفجراً.
فهل أصبحت حياة المجتمعات العربية في الافتراضي؟ وماذا يعني الحجم الكبير من الساعات اليومية في الإبحار في شبكات التواصل الاجتماعي؟
لا شك في أن العلاقات الاجتماعية الواقعية بمعنى التي تقوم على الحضور والمباشراتية والتواصل عن قرب هي في تراجع كما هو الشأن في كل أنحاء العالم. ولقد تم ابتكار هذه الشبكات للتخفيف من ضغط المشاعر وتيسير أمر التواصل السريع، ولم يحسب مبتكرو تكنولوجيا الاتصال الحديثة أن هذه الشبكات صارت بديلاً عن التواصل في الواقع الملموس والحضوري.
من ناحية ثانية أول ما يجب الانتباه إليه أن العمل أول المتضررين من هذا الإدمان خصوصاً أن الذين يوظفون الافتراضي في العمل لا يمثلون إلا أقلية. بمعنى آخر فإن الساعات الطويلة من الإبحار في الافتراضي، إنما هي على حساب العمل والأساسي في الحياة وعلى حساب التواصل الأسري؛ لذلك اخترنا توصيف العلاقة التي تربط الكثيرين بشبكات التواصل الاجتماعي بالإدمان والهوس.
يكمن المشكل في أن الواقع أضحى من مكملات الافتراضي بدل العكس، بل إن الافتراضي هو ذاك المسرح الذي تناوله غوفمان ولكن بطريقة مغرقة في وضع الأقنعة وفي تقديم صور عن الذات ضعيفة الصلة أحياناً بصور الذات في الواقع: هكذا نفسر نزوع جزء لا بأس به من مستخدمي الشبكات نحو الطهورية المطلقة فإذا هم الطيبة بعينها والتحضر بذاته وغير ذلك من أفضل السمات. وهناك جزء آخر يمارس كل ما لا يستطيع فعله في الواقع، فتراه ينشئ حساباً متنكراً ويراقب أصدقاءه وخصومه، ولا يتورَّع عن استعمال القبيح من اللغة، ويسيء ويشهّر بمن يريد. وهذه الفئة عادة ما تكون تعاني من عدم اعتراف بها في الواقع الاجتماعي الذي تنتمي إليه، فيكون الاحتجاج العنيف وسيلتها للتعويض وللثأر.
طبعاً تظل العلاقة بشبكات التواصل الاجتماعي مسألة شخصية، ونحن هنا لا نشكك في هذا الحق، بقدر ما نرنو إلى حث النخب إلى الاهتمام بظاهرة الإدمان هذه، والبحث في أسباب سوء الاستعمال والتوظيف باستثناء قلة ممن يجيدون استثمار هذه الشبكات في وظائفها.
المنطق لا يقبل مثل هذا الشلال الهائل من الساعات المهدورة في الإبحار في الإنترنت، والحال أن نسب المطالعة ضعيفة والعلاقة بالعمل متوترة، وبالكاد يتم الاستغلال الجيد لربع زمن العمل.
ولعل الإشكال الأكبر يكمن في سقوط الأطفال اليوم في فخ الشبكة العنكبوتية والألعاب الإلكترونية الخطرة، إلى درجة أن هناك حالات انتحار أطفال بسبب ألعاب بذاتها ناهيك عن العنف الذي يمرر للأطفال في الرسائل والصور وهم يستوعبونه على أنه تعبير عن القوة.
إنَّ البيتَ الذي يراقب فيه الكبار أنفسهم في العلاقة بشبكات التواصل الاجتماعي، يمكنه أكثر من أي بيت آخر أن يقاوم الإكثار في استعمال الهواتف، والدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعي عند الأطفال.
ويبدو لنا أنَّ الأمر من الخطورة الكبرى بشكل يستحق الاستنفار الإعلامي والعلمي، وأن تتكاتف كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية لمحاربة إدمان الأطفال على الإنترنت والافتراضي والألعاب الإلكترونية الخطيرة.
ولقد أظهرت الدراسات وأكدتها التجارب، أن تركيز الطفل يضعف وتتراجع قدراته في الذكاء والاستيعاب.
إنَّ العلاج يبدأ عندما يصف كل من يهدر الساعات في شبكات التواصل الاجتماعي من دون أن تكون لذلك علاقة بالعمل والاستفادة بأنه على الأقل: يعاني من فراغ، ويشكو من وجع استدعى الغياب وإدمان السباحة... في الافتراضي.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السباحة في الافتراضي السباحة في الافتراضي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab