الفقر أصل الداء

الفقر أصل الداء

الفقر أصل الداء

 العرب اليوم -

الفقر أصل الداء

آمال موسى
بقلم -آمال موسى

لو لم يكن الفقر حاضراً بقوة في حياة الشعوب لكان وجه التاريخ وأحداثه مختلفة تماماً عمّا آلت إليه من قصص وأحداث. كما أن الفقر لم يحظَ إلا بمقاربة مادية بحكم أنه أساساً إنذار بعطب في الوضع المالي.

يصف العلّامة ابن خلدون الظلم بأنه مؤْذن بخراب العمران، ولكن لم نوسِّع مقاربتنا للفقر وتداعياته في الغالب إلا ضمن منطق مادي اقتصادي.

غير أن التعمق في أبعاد الفقر يُظهر كم هو البعد المادي رغم أهميته يأتي في موقع غير ذي أولوية على الأقل كي لا نقول ثانوياً. فالفقر أكبر من كل التحليل المادي الذي أغرقناه فيه: الفقر في غالب الأحيان يمس الأخلاق والقيم وحرية الإنسان. بمعنى آخر هو يقضي على الإنسان بالكامل.

هناك محرار يمكن اعتماده كي نقيس فساد الأخلاق والضمير والقيم، وهو ما يتغير عندما ترتفع نسب الفقر والبطالة وترتفع الأسعار وتتراكم مظاهر الهشاشة. ويمكن القول إنه هناك ما يشبه الحتميات، وارتباط وثيق بين الفقر كسبب ونتيجة تقريباً واحدة تعبر عنه. ذلك أن ما أثبته التاريخ الاجتماعي للشعوب هو أن ذروة مظاهر الفساد وتدهور القيم في ارتباط وثيق مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. فتكثر حوادث النشل والسرقة والرشى والتدليس وتتراجع درجة النبل التي تعرفها المهن النبيلة مثل التعليم والمحاماة والطبّ ويغلب الجانب التجاري عليها، الأمر الذي يمس قداسة هذه المهن ورفعتها بوصفها تستثمر في رأس المال البشري.

أيضاً يتسبب الفقر والبطالة في تدهور القيم فتفقد الصداقة معانيها واستحقاقاتها وتصبح العلاقات الأسرية باهتة البريق والأثر، وتتراجع القيم الإيجابية في المجتمع وتصبح الأنانية والانتهازية وغيرهما القيم الطاغية.

بيت القصيد: الفقر والجوع والجيب الفارغ لا تُنتج علاقات اجتماعية سويّة، ولا يمكن للنسق الثقافي القيمي القائم على قيم الخير والإيجابية أن يصمد ويقاوم ويظل المتحكم في مواقف الناس وسلوكهم.

لقد أثّر تناوُل تداعيات الفقر في الأخلاق والقيم لأنها تمثل الأخطر. واستناداً إلى هذا المدخل فإن مكافحتنا الفقر ومظاهره يجب أن تكون من أجل حماية الأخلاق والقيم لأن الفقر سوس يأكل كل ما هو جميل وأخلاقي وجيد ويميز الإنسان.

بمعنى آخر تصبح مكافحة الفقر ذات هدف ثقافي وهو حماية النسق الثقافي القيمي للشعوب. بل إنه يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ من الصعب الحديث عن حرية الإرادة والتعبير وتحقيق المصير والديمقراطية في ظل الفقر، إذ إن الفقر ينهك صاحبه ولا يجعله معنياً بقدر ما يمكن أن يكون ضحية الأطراف التي تود توظيفه وشراء ذمته بقطعة خبز.

طبعاً لا يخفى أن الفقر كان يمثل حكمة الحكام والملوك في العصور الماضية، إذ بالفقر كان الحكم يدوم والهيمنة مضمونة. أما في العصر الحديث فإن الفقر هو تحدٍّ لكل حاكم منتخَب أو حاكم يتعاطى مع الحكم بوصفه تكليفاً ومسؤولية. في الوقت الراهن يُخشى من الفقراء والمهمشين لأن المؤسسات لا تعترف بهم، الأمر الذي يغذّي الطاقة الاحتجاجية فيهم. لذلك فإن المشروعية السياسية في الديمقراطيات الراهنة تقوم على رهان واضح ودقيق: مكافحة الفقر لأنه عدو المحكوم والحاكم والجار والقريب والصديق والجميع.

وفي هذا السياق ربما يصح الاعتراف بصحة أن يكون هدف القضاء على الفقر على رأس أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.

من ناحية أخرى، فإن الإحصاءات والأرقام تُثبت أن غالبية النساء ضحايا العنف، لأنهن يعشن هشاشة اقتصادية وهن تابعات لأزواجهن مادياً. كما أن غالبية الرجال الذين يلجأون إلى العنف مع زوجاتهم وأطفالهم هم في الغالب يعانون قساوة الوضع الاقتصادي ويعبّرون عن عدم قدرتهم على الإيفاء بواجباتهم المادية بالعنف.

إذاً الفقر لا يجعلك فقط قابلاً للتضحية بالعلاقات الأسرية والصداقة، وأن تكون مواطناً حراً لا تشترى ولا تباع في مواقفك وذمتك، وإنما هو يهددك في علاقتك بمن تحب وبرفيقك أو رفيقتك وحتى بفلذة الكبد. إن الفقر طاعون الأخلاق والقيم والحبّ وهو أصل الداء.

لا يعني ما ذهبنا إليه أن الأغنياء مثاليون وخيّرون، وليس هذا المقصود، ولا معنى هنا للتضاد، بل إن الفكرة الأساسية أن الفقر يمثل السبب الطاغي لكل أنواع الانحرافات وعدد من الجرائم.

الفكرة التي ندافع عنها في هذا المقال: لا بد من مكافحة الفقر لأنه يهدد البطون وأيضاً الوجدان والعقل والسلوك.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقر أصل الداء الفقر أصل الداء



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab