«كورونا» والعودة إلى الكهوف

«كورونا» والعودة إلى {الكهوف}!

«كورونا» والعودة إلى {الكهوف}!

 العرب اليوم -

«كورونا» والعودة إلى الكهوف

بقلم - راجح الخوري

في أقلّ من شهرين بدا الإنسان وكوكب الأرض أوهى من خيوط العنكبوت، لكنه عنكبوت خفي مجهول لا يُرى بالعين المجردة. إنه جائحة «كورونا» التي يبدو أنها ستغيّر، في المستقبل، كثيراً من قواعد العلاقات، سواء بين الدول والبشر، وبين البشرية والطبيعة!

الأعداد ليست شيئاً مرعباً حتى الآن قياساً بتاريخ طويل من الأوبئة، التي سبق أن قتلت من البشر أكثر مما قتلت الحروب، حتى كتابة هذه السطور. إن عدّاد «منظمة الصحة العالمية» يؤشر إلى 250 ألف إصابة، وإلى أكثر من عشرة آلاف حالة وفاة، وإلى تسعة آلاف نجاة، لكننا في عالم مختلف من حيث تقدُّم العلوم والحضارة؛ لسنا في عام 430 قبل الميلاد، عندما قتل «طاعون أثينا» نحو مائة ألف شخص، ولا في زمن «الطاعون الأسود» عام 1350، عندما قتل ما سُمي «الموت العظيم» ثلث سكان القارة الأوروبية، وانتقل إلى آسيا والشرق الأدنى، ولا في زمن الإنفلونزا الإسبانية (H1N1) بعد الحرب العالمية، التي أصابت 500 مليون شخص، وقتلت ما بين 50 و100 مليون شخص، وهو ضعف عدد القتلى في الحرب العالمية الأولى.

قبل شهرين كانت وكالة «ناسا» تفاخر بأنها اكتشفت ما يشير إلى وجود مياه في المريخ، ما يعني ضمناً الطموح للوصول مستقبلاً إلى المريخ وتخريبه بعدما خرّبنا كوكب الأرض، ونحن قبل خمسين عاماً أرسلنا نيل أرمسترونغ ليهبط على القمر، حيت كان الصينيون يستعدون لرحلة مماثلة، قبل أن تقول الأرض لهم ولنا جميعاً قبل شهرين: مهلاً، التحدي الآن إيجاد علاج لوباء لا يُرى بالعين المجردة يُدعى «كورونا».

والغريب أن تكون الكلمة مشتقة من «كورون»، أي التاج!

مجرد وباء صغير أوقف كل شيء؛ وضع كمامة على وجه الكرة الأرضية، أقفل الحدود بين دول العالم، لم يسبق لأي حرب عالمية أن فعلت ذلك، أوقف مطارات العالم، وفق «غوغل»، منع ما يقرب من نصف مليون راكب يومياً من التحرّك، وبعدما وضع خمسين مليوناً في العزل الصحي في يوهان الصينية، ها هو يرسل كل العالم إلى الحجر الصحي تقريباً. كنا نقول مفاخرة إننا بالعلم جعلنا العالم في حجم غرفة صغيرة، لا سيدي، ها هو وباء مجهول صغير يغزو الأرض ويضع كل الناس في العزل، ما الفرق بين العزل في البيت أو في الغرفة، والكهوف التي عاش فيها جدودنا رعباً من الوحوش. إن هذا الوحش الصغير، «كورونا»، يمكن أن يتسلَّل إلى داخل كل منا، وأن يكمن فيه كقنبلة موقوتة يمكنها تعميم الموت؟
صنّف مدير منظمة «الصحة العالمية»، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، يوم الأربعاء الماضي، فيروس «كورونا» بأنه «عدو للبشرية»، لكنه يمنح أيضاً فرصة غير مسبوقة لكي نحتشد ضد عدوّ مشترك، عدو للبشرية، ولكن ملامح البشرية وبصماتها ليست تلك التي عرفتها الصين وميلانو تحديداً، فلقد رأيت كما رأى الجميع أفلاماً مروعة تماماً لأطباء صينيين وإيطاليين غارقين في دموعهم والأسى، لأنه كان عليهم في لحظات تفوق الاحتمال البشري، أن يلعبوا، وهم الأطباء، دور الجلاد واتخاذ قرارات الموت وحفاري القبور، عندما كان عليهم أن يقرروا مَن يُرسلون من المصابين الميؤوس منهم إلى حتفهم كي تتسع المستشفيات لمن يمكن أن ينجوا.

فعلاً... يا للهول! ولكأن هذه القرون الثلاثة من الحضارة تنهار مثل ركام أو رماد، كان المسعفون والأهل المفجوعون أحياناً ينتحبون أمام مداخل المستشفيات التي لم تعد تتسع للمصابين. إذن، يا لهذا الموت القاسي جداً على باب المستشفى. وكان الأطباء في يوهان، كما نقلت الأنباء، يضعون حفّاضات الأطفال تحت ثيابهم العازلة الثقيلة، لأنهم لا يملكون الوقت للذهاب إلى الحمامات!

ماذا نفعل في بلد بائس مثل لبنان مثلاً، الذي يرزح الآن تحت ديون ثقيلة نتيجة النهب السياسي المتوحش، و«كورونا» يتطلب المال للحصول على الإسعافات؟! قرأت أمس أن ليس لدينا أكثر من 300 جهاز تنفُّس صناعي فقط، في مستشفيات تصرخ منذ عامين، والدولة لا تدفع ما عليها من متوجبات، لكن لبنان في احتفال البؤس الذي يلفّ العالم كله يبقى ضحية كغيره من الضحايا، إلى أن تصل إليه نخوة لله يا محسنين!
لم أشهد في حياتي نهراً بشرياً يتدفق على امتداد النظر، كالذي كنتُ أراه في الشارع الخامس من نيويورك في الخامسة مساء عند خروج الموظفين. أمس، حسبته نهراً ضخماً جفّت مياهه تماماً. هل شاهدتم فراغ شوارع بكين وساحات المدن الكبرى في العالم؟! أين ذهب الملايين؟! أين يختبئ المليارات من الذين ضاقت بهم الأرض كما قيل، وبتنا نحتاج إلى كوكب ونصف الكوكب ليتسع لجوعنا غير المحدود؟! ثلاثة قرون من التقدُّم والعلوم والحضارة والابتكارات والمهارات، ولكننا كمن يقف عاجزاً وضعيفاً في بداية طريق جديد. الطبيعة تغيّرت، والبشر يتغيّرون. تعالوا نتذكر الفراغ المدوّي في كل مكان، الملاعب ومدرجاتها وصراخها، السينما، المسارح، المصارف، المطاعم، محطات القطارات. تعالوا نتذكر أنه في المغاور لم يكن هناك سوى الحذر والأنانية. ولكننا اليوم حذرون أنانيون نمتنع عن المصافحة، عن العناق، وتبادل القبلات.

ماذا تفعل أيها «الكورونا» اللعين بنا؟! 850 مليون طالب يخسرون دروسهم، هذا يعني تراجعاً هائلاً في المستوى الثقافي البشري رغم التدريس عبر التلفزيون، يعني إضعاف الألفة والصداقات التي تنشأ بين الطلاب في صفوفهم، ويمكن أن يعني أن الأمهات والآباء صاروا صارمين، نتيجة الضغط في الحَجْر، وباتوا نزقين. ليس من المزاح الحديث عن أن الخوف والحجر زادا من نسبة طلاق الأزواج، فالجميع تقريباً في الضيق وعلى حافّة الانفجار، ففي مدينة داتشو بمقاطعة سيتشوان في الصين، كشف مدير سجلّ الزواج أن 300 طلبوا الطلاق بعد أسبوعين من الحجر المنزلي، وفي فوجيان الصينية يبلغ عدد طلبات الطلاق اليومية 14 طلباً!

حتى الآن الوباء وصل إلى 160 بلداً، لكن الجانب الاقتصادي يترنح مثل البشر تماماً. صحيفة «نيويورك تايمز» تقول إن تفشي «كورونا» يضع اقتصاد العالم أمام تحدٍّ حقيقي، والمجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC) يقول إن 50 مليون وظيفة ستتحول إلى البطالة، و«الاسكوا» تقول إن العالم العربي مهدد بخسارة 1.7 مليون وظيفة، وخسارة 42 مليار دولار!

الرئيس دونالد ترمب قال إن بلاده تعمل على لقاح تجريبي بدأ العمل به وتجربته على الإنسان في سياتل يوم الثلاثاء الماضي، وكشفت «نيويورك تايمز» عن اجتماع في البيت الأبيض ضمّ الرئيس دونالد ترمب ونائبه مايك بنس والرئيس التنفيذي لشركة «كيورفاك» الألمانية، دانييل مينيشيلا، التي تقول إنه يمكن تطوير لقاح محتمل في غضون أشهر.

لكن المثير هو السباق على الاستثمار في اللقاح، فقد كتبت صحيفة «دي فيلت» الألمانية أن ترمب يحاول أن يضع يده على المختبر الألماني «كيورفاك»، ويحاول اجتذاب علماء ألمان يعملون على مشروع اللقاح، وبينهم دانييل مينيتشيلا، التي يبدو أن ترمب تمكن من أن يجذبها لقاء عروض مغرية… ربما لنظل في عالم يقول: مصائب قوم عند قوم فوائد! وفي أي حال، هناك أكثر من 25 شركة تتسابق لاكتشاف لقاح ينزع الكمامة عن وجه الكرة الأرضية، التي غيّر «كورونا» فيها وفينا أشياء كثيرة جداً.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كورونا» والعودة إلى الكهوف «كورونا» والعودة إلى الكهوف



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab