حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية؟!

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية؟!

 العرب اليوم -

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية

بقلم - راجح الخوري

سقطت ردهات الأسهم في دول العالم، هناك الآن بورصة جديدة، بورصة «كورونا» التي تجدها في كل وسيلة إعلامية، تقدم أرقاماً متتابعة وتقيم عدادات مرعبة لعدد المصابين والموتى والناجين، وكل ذلك فيما يشبه حرباً عالمية رابعة، لم تكن الدول ولا الحضارة الإنسانية ولا التقدُّم العلمي ولا التنافس في المختبرات قد حسبت أنها ستدهم العالم بهذا الشكل الفاجع والمخيف!

شهران على ظهور ذلك الوباء غير المرئي في ووهان الصينية كانا كافيين حتى الآن لتحويل معظم منازل العالم، كما سبق أن كتبتُ هنا، سجناً أو كهفاً ليس فيه سوى الانتظار والعجز والذهول والذعر والهول، أين ذهب كل هذا الضجيج الذي كان يسيطر على هذا الكوكب؟ لماذا هذا اليأس المتزايد والخوف؟ والسؤال الأهم: لماذا يبدو أن هذا العالم ينقلب رأساً على عقب في كل شيء تقريباً؟!

سبق للطبيعة أن أخضعت الإنسانية لدروس وبائية كثيرة حصدت من الضحايا عشرات أضعاف ما قد يحصده وحش «كوفيد - 19»، لكن الإنسان تمكّن دائماً من الانتصار في النهاية، وهو ما يجعل العالم كله معلقاً بأمل خيط الخلاص، عبر حقنة دواء أو حبة علاج، تعيد الدنيا إلى رشدها، وتجدد رجاءها وطموحها، وتنهي ذعرها المتزايد!

كان الانتصار العلمي والإنساني سلسلة متلاحقة عمّقت الثقة، وهي الثقة التي يحلم بها العالم، رغم سرعة اجتياح «كورونا» للكوكب، أولم نتمكن من القضاء على الطاعون، والجدري، والكوليرا، والتيفوئيد، والحصبة، وشلل الأطفال، والسعال الديكي؟! ثم... أولم نتغلب على الفيروسات المنتقلة إلينا من الحيوانات، مثل هانتا، وسارس، وميرس، وإيبولا، وإنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور، إلى أن واجهنا الإيدز الذي تفلّت لينتشر عالمياً؟!

لكننا الآن، في كهوفنا المنزلية، وبعدما قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لمواطنيه قبل يومين: «الزموا بيوتكم»، صار واضحاً أن ثلث سكان العالم في الحجر المنزلي، أي 2.6 مليار شخص من أصل 7.8 مليار نسمة، بحسب الأمم المتحدة.

لكن جائحة «كورونا» لا تقتل البشر فحسب، بل تستطيع أيضاً إلحاق الشلل القاتل بالحركة الإنسانية في 175 دولة، حتى يوم الأربعاء، ولحركة الشلل هنا بورصتها الكارثية على صعيد الاقتصاد والتعليم والثقافة والتجارة أيضاً، وقبل أن نقرأ مثلاً أن سياسة الإغلاق الكامل وإعلان الطوارئ شلّا الحركة الدولية في العالم، وحتى إنهما حوّلا مطارات كثيرة سجوناً لمسافرين عالقين فيها، ولطلبة يتضورون جوعاً بعيداً من بلدانهم، وهؤلاء بالخصوص من لبنان، قبل هذا تعالوا إلى الأرقام المعلنة يوم الخميس الماضي:

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، «اليونيسكو»، أعلنت أن أكثر من 850 مليون تلميذ في العالم يبقون في بيوتهم بلا مدارس، طبعاً الحديث عن التدريس عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون ليس كافياً، لكنه في بلدان كثيرة، مثل لبنان وعدد كبير من الدول العربية، سيُترك طلاب الأرياف، حيث تنعدم هذه الوسائل، من دون تعليم، وهذا تأسيس واضح لمشكلات وفوارق اجتماعية حقيقية إذا طال الأمر.

المجلس العالمي للسفر والسياحة يتحدث عن خطر يهدد سبعين مليون وظيفة، ماذا عن كل وظائف شركات العالم ومصانعه ومصارفه وغيرها؟! شركات الطيران أعلنت عن خسائر تتجاوز 260 مليار دولار قبل يومين، ويقول خبراء «مورغان ستانلي» إنهم يتوقعون، حتى الآن، أي خلال شهرين من الإغلاق الاقتصادي، انكماشاً بمعدل سنوي يتجاوز 30 في المائة في الولايات المتحدة، وأن معدّل البطالة يمكن أن يقفز إلى 13 في المائة.

لكن «مشنقة كورونا» لا تتربص بالاقتصادات الكبرى وحدها، ففي بلدان كثيرة تستطيع أن تجلب الموت من دون الإصابة بالفيروس، كما فعل مثلاً قبل يومين سائق تاكسي في بيروت، عندما أشعل النار في سيارته وهو داخلها، اعتراضاً على مخالفة حررها رجال الأمن ضده، لأنه يخالف قرار منع التجول، لكنهم أنقذوه في اللحظة الأخيرة، وهو الفقير الذي عليه إطعام ستة أولاد، ولكن هذه حالة من آلاف الحالات المماثلة في لبنان وغيره، التي تطبق على أعناق الفقراء، فإن لم يموتوا بالوباء ماتوا من الجوع أو القهر!
تتناقل وكالات العالم أخباراً مثيرة عن تسلل وباء «كورونا» إلى العتبات العالية؛ أولم يخضع دونالد ترمب للفحص هو ونائبه مايك بنس وزوجة الأخير، أولم تُصب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، بعد اجتماعه الخاطف مع أمير موناكو ألبير الذي أُصيب أيضاً بالوباء؟! ولكن هذا لا شيء قياساً بالهول الذي تحدثت عنه المقابر الجماعية في ووهان، ثم ذاك الموت الغزير الذي أغرق إيطاليا وإسبانيا وإيران.

وإذا كان من الصادم والمخيف أن تتحدث دول عظمى مثل أميركا، بعد الصين، عن نقص مهول في الأقنعة وأجهزة التنفُّس والأجهزة الطبية اللازمة، فماذا عن الدول الفقيرة؟! أوليس من المرعب أن نقرأ أخبار الموت بالوباء في إيطاليا مثلاً، حيث لم تعد تتسع المقابر ولا محارق الجثث، ويكفي قسوة أسطورية أن يقول غين ديل باريو، الممرض في مستشفى مدريد المكتظ بالمرضى إنهم يتراكمون في الممرات، وحتى في الملاعب المقفلة وقد حُوّلت مستشفيات على عجل: «كثيرون من زملائي يجهشون في البكاء، لأن الناس يتوفون وحيدين دون أن يتمكنوا من رؤية عائلاتهم الغارقة في الانتحاب بعيداً، بينما يذهب الضحايا إلى التراب أو إلى المحارق وحيدين أيضاً».

فعلاً، يا للهول، عندما تنهار منظومة الحياة الحضرية تقريباً، وعندما يصبح غزو القمر وريادة الفضاء، ومطارات ومحطات القطارات والساحات، وجامعات العالم وضجيج كرة القدم وروعة الأوركسترات، لا شيء أمام عودة الأنانية المتوحشة وبأشكال مختلفة عند كثير من الناس المذعورين في العالم.

وإذا كان مفهوماً أن نتوقف عن المصافحة والعناق والاقتراب لضرورات الوقاية، فمن غير المفهوم مثلاً أن تحاول بعض المستشفيات عدم استقبال المصابين حرصاً على مرضاها الآخرين، وربما على السمعة، لكن المخيف أكثر أن يستيقظ وحش الإنسانية والفردية عند الكثيرين، وهنا ما الفرق مثلاً بين سكان بناية في لبنان، أو أي بلد آخر، يتصدون للصليب الأحمر، لمنعه مثلاً من إعادة مريض شُفي من الوباء إلى منزله، خوفاً على أرواحهم، وبين أن تقرأ تصريحاً للأميركي المدعو ديفيد ستون، وهو صاحب متجر أسلحة في أوكلاهوما، يقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد سجلنا مبيعات للسلاح بنسبة تجاوزت 800 في المائة، ولكأننا عدنا إلى زمن الكاوبوي، فالناس حتى في دول أخرى يتهافتون على شراء الأسلحة، خوفاً من أن تتحول عاصفة (كورونا) والانغلاق المتزايد، أزمة اجتماعية حياتية لحماية النفس من صديق الأمس، وربما من الأخ، وربما من أجل رغيف خبز»!

وكل الأمل أن يتوصل السباق الدولي بين أكثر من خمسين مختبراً، إلى اكتشاف سريع لدواء لا يعالج وباء «كورونا» فحسب، بل يعيد كوكب الأرض إلى رشده، وينقذه من العودة إلى التوحُّش في الكهوف!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab