طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي

طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي؟

طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي؟

 العرب اليوم -

طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي

راجح الخوري
بقلم: راجح الخوري

ليس كافياً أن يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في باريس الغاضبة بعد «طعنة أوكوس»، إنه «يتفهم شعور الفرنسيين بالخيانة»، وكذلك مشاعر شركائهم الأوروبيين، لكي يطوي تلك الصفحة العميقة من الشعور بالمرارة، التي برزت في أحيان كثيرة بين أعضاء حلف الأطلسي، وهو ما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دعوة الأوروبيين إلى «التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر» من الخيارات الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي باتت تتركز على خصومتها مع الصين.
والمعروف أن أزمة عميقة اندلعت بين باريس وواشنطن منتصف الشهر الماضي، بعد أن أعلن الرئيس جو بايدن عن قيام تحالف استراتيجي جديد مع أستراليا وبريطانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في سياق سياسته المعلنة التصدي للصين، وكان من نتيجة قيام هذه الشراكة أن قامت أستراليا بفسخ عقد ضخم مع فرنسا قيمته أكثر من 60 مليار دولار لتزويدها بعشر غواصات فرنسية ما أثار غضب باريس، بعدما استعاضت أستراليا عن ذلك بشراء ست غواصات تعمل بالطاقة النووية من أميركا.
ليس خافياً ما قاله جان - إيف لودريان عن «الكذب والازدواجية والطعن في الظهر»، واشتعال أزمة خطيرة مع أعضاء التحالف الجديد، ولهذا كان واضحاً أن واشنطن تحاول أن تُنهي هذه الأزمة الساخنة مع باريس، والتي أثارت غضب الأوروبيين في الحلف الأطلسي أيضاً، وربما لهذا تحدث بلينكن في باريس بالفرنسية معترفاً بأنه «كان في إمكاننا أو كان ينبغي علينا أن نتصرف بشكل أفضل فيما يخص التواصل بين البلدين»، معترفاً بما يشبه السذاجة بأن الإدارة الأميركية تميل أحياناً إلى اعتبار علاقة مهمة وعميقة مثل العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة أمراً مسلّماً به!
يبدو هذا الكلام لمجرد التخفيف مما عدّته باريس، عن حق، خيانةً وطعنة في الظهر وكذباً وتقويضاً للثقة بين الحلفاء، خصوصاً أن بايدن لم يبلغ ماكرون بقيام التحالف مع أستراليا وبريطانيا وصفقة الغواصات البديلة إلا قبل ساعة واحدة من الإعلان عن هذا، ولهذا كان واضحاً أنه مع وصول بلينكن إلى باريس كانت الأخبار ترجّح عدم لقائه مع ماكرون، الذي عاد والتقاه في اللحظة الأخيرة في الإليزيه، حيث سعى بلينكن إلى إصلاح الضرر الذي تركته «طعنة أوكوس»، هذا في وقت حرص لودريان (الثلاثاء) على عدم عقد مؤتمر صحافي مشترك مع ندّه الأميركي، وأعلن (الأربعاء) أن «الأزمة خطيرة ولم تنتهِ بعد»!
إذاً لا يمكن القول إن الأمر انتهى، فقد سبق أن جرى اتصال هاتفي بين بايدن وماكرون لم يحلّ المشكلة، ولهذا أعلن مسؤول أميركي في الخارجية، أن بلينكن ومسؤولين فرنسيين ناقشوا خطط الترتيب لاجتماع بين ماكرون وبايدن في وقت لاحق من هذا الشهر، وأن هناك توافقاً مشتركاً على وجود فرصة الآن لتعميق التعاون وتعزيزه، وأن الأمر يتطلب الكثير من العمل الشاق، وفي هذا السياق أعلن الإليزيه أن اللقاء المنفرد المطول مع بلينكن، الذي لم يكن على جدول الزيارة في البداية، يرمي إلى دفع استعادة الثقة بين البلدين بعد أزمة الغواصات، «في حين يواصل الحليفان عملهما التنسيقي المشترك، سواء التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أو في منطقة الساحل ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ» بما يوحي بوجود اعتراف أميركي بدور فرنسي في منطقة المحيطين ومواجهة الصين!
وعشية زيارة بلينكن تعمّد ماكرون دعوة شركائه الأوروبيين إلى التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر من الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تركز تحديداً على الصين، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن اليونان ستشتري ثلاث فرقاطات من فرنسا في إطار «شراكة استراتيجية» أكثر عمقاً بين البلدين، للدفاع عن مصالحهما المشتركة في البحر المتوسط، ووصف ماكرون هذه الشراكة بأنها «خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية»!
ويشرح ماكرون الوضع بالقول عندما تكون تحت ضغوط قوى كبرى تشتد أحياناً، فإن إبداء رد فعل أو الإثبات أن لديك أيضاً القوة والقدرة للدفاع عن النفس، لا يعني الذهاب إلى التصعيد بل هو ببساطة فرض الاحترام، ولعل الأهم من هذا أنه اعترف بأن الولايات المتحدة صديق تاريخي كبير وحليف قديم، لكن لا بد من الاعتراف بأنه منذ أكثر من عشرة أعوام تركز الولايات المتحدة على نفسها ولها مصالح استراتيجية تعيد توجيهها إلى الصين والمحيط الهادئ، وهذا من حقها، ولكن بالروح البراغماتية إيّاها وبالوضوح إيّاه على الأوروبيين تحمل قسطهم من المسؤولية في تأمين حمايتهم الخاصة، وهذا ليس بالضرورة بديلاً عن التحالف مع الولايات المتحدة، وليس استعاضة عنه، بل إنه تحمّل مسؤولية هذه الركيزة الأوروبية المهمة في حلف الأطلسي!
في هذا السياق من المعروف أن وزير الدفاع الأميركي الأسبق المتوفى قبل أسابيع، دونالد رامسفيلد، كان قد وصف في سبتمبر (أيلول) من عام 2001 أوروبا رغم تحالف الأطلسي، بأنها «القارة العجوز» لمجرد التحفظات التي أبدتها باريس حيال رغبة الرئيس جورج بوش الابن بغزو العراق، وليس خافياً أن باراك أوباما من بعده، ظل على امتداد عهديه ينتقد شركاءه الأوروبيين في حلف الأطلسي، مطالباً إياهم بدفع متوجباتهم للحلف المحددة بمبلغ 2.5% من الدخل القومي، ومع مجيء دونالد ترمب ذهبت الأمور في اتجاهات أقسى، عندما اتهم حلف الأطلسي بأنه متقادم وفي موت سريري، مكرراً دائماً أن الولايات المتحدة هي التي تحمي أوروبا وأن على شركائه الأطلسيين دفع فواتير حمايتهم!
في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018 ولمناسبة مراسم إحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب الكونية الأولى، التي أُقيمت في فرنسا، دعا ماكرون إلى إنشاء جيش أوروبي حقيقي لمواجهة روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة، وأن على أوروبا أن تحدّ من اعتمادها على القوة الأميركية، خصوصاً بعد قرار ترمب الانسحاب من اتفاق الحدّ من الأسلحة النووية الموقَّع في الثمانينات. ومع وصوله إلى باريس لحضور الاحتفالات، وصف ترمب اقتراح ماكرون بالمهين جداً، قائلاً إن على أوروبا تسديد مساهمتها في حلف الأطلسي الذي تموّله أميركا بشكل كبير. لكن ماكرون ردّ عليه بالقول إن فرنسا حليف للولايات المتحدة وليست تابعة لها، مشيراً إلى دعم فرنسا لحرب الاستقلال الأميركية ودعم أميركا لفرنسا في الحربين الكونيتين.
بعد ماكرون دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أيضاً إلى إنشاء جيش أوروبي موحّد لحماية القارة الأوروبية، لكنّ الجدال بين ضفّتي الأطلسي لن ينتهي غداً، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد حلف وارسو، لم تعد التحديات كما كانت، ولهذا مثلاً في حين أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل من الأمم المتحدة قبل أيام، أن دول الاتحاد الـ27 أعلنت عن تضامنها مع باريس في أزمة الغواصات، «وهي ليست مسألة ثانوية بل أثّرت على الاتحاد الأوروبي بأسره»، رد عليه الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، يوم الثلاثاء الماضي من واشنطن، بأنه يتفهم خيبة أمل فرنسا، لكنه حذّر الدول الساعية إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، من أن السعي لإيجاد هيكليات منافسة للحلف يهدد بإضعافه وتقسيمه، مذكّراً بأن 80% من الإنفاق الدفاعي للأطلسي مصدره دول غير أعضاء في الحلف، وقال إن أي محاولة لإضعاف الصلة عبر جناحي الأطلسي ستؤدي ليس إلى إضعاف الحلف فحسب، بل إلى تقسيم أوروبا!

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي طعنة الغواصات هل تُغرق الأطلسي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab