يعشق الناس في كل مكان بالعالم مصر بلد الفراعنة والحضارة الممتدة لآلاف السنين من عمر الأرض. وعندما ينشر خبر في وسائل الإعلام عن كشف أثرى جديد يمت بصلة للفراعنة وأسرارهم، تجد العالم كله يتحدث عن مصر ومعجزات الفراعنة على أرضها. ويعتبر الأوروبيون أكثر شعوب الأرض عشقًا لآثار الفراعنة وحضارتهم التي لا تدرس فقط ضمن مناهج التاريخ في مختلف مراحل التعليم الأساسى عندهم، بل إن معظم الجامعات الأوروبية بها أقسام لدراسة علم المصريات تتبع كليات الآداب غالباً أو حتى أقسام معاهد مستقلة بذاتها.
والحقيقة المؤلمة، والتى يجب أن نواجهها، أن مصر لم تتمكن إلى الآن من استغلال هذا الحب والعشق الموجود في أوروبا لتحقيق صناعة ضخمة تكون رقماً لا يمكن منافسته في الناتج القومى لمصر، وأعنى بها صناعة السياحة!، ولذلك فإن أول ما يجب علينا التخطيط له هو إعداد مشروع قومى لتحويل مصر إلى بلد سياحى حقيقى بكل مقوماته، بدايةً من البنية التحتية وانتهاءً بقوانين واعية لا تفرق بين الأجنبى الزائر والأجنبى المقيم أو المصرى والعربى على أرض مصر!.
وفى ظل عالم مضطرب تفشت فيه الأوبئة والحروب التي تدق حالياً أبواب أوروبا التي تعانى أيضاً من العديد من مشكلات عدم الاكتفاء من موارد الطاقة، وفى ظل أزمات اقتصادية موجودة بالفعل وأخرى يتحرك لها العالم بسرعة نحو ما يسمى بالركود العالمى، تحتاج مصر إلى التحرك السريع لتدعو العالم إليها أو إلى زيارتها آمنين مطمئنين، والتأكيد على أنهم لن ينفقوا في بلدنا أكثر مما ينفقون ببلادهم مع الاستمتاع بشمسنا وحضارتنا التي هدت البشرية إلى طريق التحضر والعلم. ولكن قبل أن نفعل ذلك لا بد أن نكون مستعدين على كل المستويات التي تستلزم نشر ثقافة السياحة وكيف نكون بحق بلد سياحى يستقبل كل الطبقات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية من كافة دول العالم، والجميع يجد ما يرضيه وأكثر؟!، للأسف الشديد اختفت تقريبا من بلادنا سياحة الأفراد، فالسياح يأتون في مجموعات وأفواج حتى يكونوا في مأمن من الوقوع ضحية الاستغلال والتضليل من قبل مافيا تتصيدهم من الشوارع والميادين للنصب عليهم وسلبهم أموالهم.
والحقيقة أن مصر تشهد أعمالا عظيمة للنهوض بقطاع السياحة الثقافية عن طريق بناء المتاحف وتطوير المناطق الأثرية ومشروعات إحياء القاهرة الإسلامية والقاهرة الخديوية وغيرها من المشروعات التي نحتاج إلى تسليط الضوء عليها لكى يعرف العالم ما نفعله لحماية آثارنا وتراثنا تحت قيادة وطنية مخلصة تتطلع لبناء دولة حديثة، ولكن يظل من المهم إعادة النظر في القوانين التي تخص السياحة وتحمى السائحين من الوقوع ضحية التحرش والنصب والاستغلال، وأن يتم نشر ثقافة كانت متأصلة في المصريين وهى حماية الضيف ومساعدته وإكرام وفادته دون مقابل، وإذا نجحنا سنجنى الكثير من المنافع التي يكفى أن نقول بإنها كفيلة بتغيير وجه الحياة في بلادنا إلى الأفضل.
وقد جرى العرف أن تقوم وزارة السياحة بالتعاقد مع شركات عالمية للدعاية للسياحة إلى مصر، إضافة إلى وضع إعلانات على منصات إعلامية وشبكات مثل ال سى إن إن، وللأسف لا يحقق ذلك المردود الكافى ولا النتائج المنتظرة، لأن للدعاية وحملات التنشيط السياحى قواعد وأصولا لابد وأن تتبع!، ويدخل في ذلك الدراسات النفسية التي لها دور كبير في معرفة كيف نؤثر في الآخرين. وفى مجال السياحة تم الكشف أن الناس تتأثر حين يسمعون عن البلد الذي يريدون زيارته من أفراد وشخصيات مؤثرة من أبناء البلد نفسه. هم يريدون أن يسمعوا ويتقربوا إلى البلد قبل المجىء إليه، ولذلك لا بد من وجود مصر في الخارج عن طريق علمائنا وخبرائنا في كافة العلوم، المؤهلين لجذب الناس لزيارة مصر.
كان هناك ما يعرف باسم قوافل الدعاية السياحية من مصر إلى الخارج في عهد وزراء، مثل فؤاد سلطان وممدوح البلتاجى، وكانت تجربة ناجحة صنعت طفرات في السياحة لمصر. ومن المهم قبل مغادرة هذه القوافل لإنجاحها التعاقد مع شركة دعاية وعلاقات عامة في كل مدينة تتوقف فيها تلك القوافل، تقوم هي بدعوة شركات السياحة وتنظيم فعاليات مثل محاضرات ومؤتمرات صحفية ولقاءات تليفزيونية وصحفية للحديث عن مصر وإمكاناتها السياحية وما يمكن أن يستمتع به السائح في مصر، ليس فقط الآثار والشواطئ والشمس والهواء، وإنما الأكل والموسيقى والعادات والتقاليد، وأن يعيش التجربة المصرية حتى عربة الفول بالشارع وحمص الشام على الكورنيش وطبق الكشرى يجب أن يكون من أدوات دعايتنا.
نعود إلى من هم مؤهلين للدعاية إلى السياحة المصرية من المصريين، وما يجب أن يتوافر فيهم من صفات المعرفة والكاريزما والدراية بثقافات وعادات الشعوب التي يتحدثون إليها.
لقد تم مؤخراً تطبيق نموذج لما أتحدث عنه، حيث ولأول مرة يتم تعاون بين وزارة السياحة والآثار ممثلة في هيئة تنشيط السياحة، ووزارة الخارجية المصرية ممثلة في السفارة المصرية بستوكهولم عاصمة دولة السويد، والقطاع الخاص. وقد تمت دعوتى للمشاركة في برنامج الدعاية الذي وضع لمدينة واحدة وهى ستوكهولم، وقبل الزيارة كان كل مواطن في ستوكهولم على علم بقدوم الوفد المصرى والفعاليات التي ستتم. ولابد من الإشادة بالمجهود العظيم لسفيرنا بستوكهولم، السفير أحمد عادل صبحى، وكذلك عمرو القاضى رئيس هيئة تنشيط السياحة، والدكتور محمد الشربينى الخبير السياحى، وبدعم كل من الوزير المتألق سامح شكرى وزير خارجية مصر، وأحمد عيسى وزير السياحة والآثار.
تم الاتفاق مع طيران النيل لنقل وسفر الوفد بالمجان على متن رحلتها إلى ستوكهولم، وبالمناسبة تقوم شركة طيران النيل برحلتين أسبوعياً إلى ستوكهولم وبأسعار لا تنافس وخدمة وضيافة راقية على متن رحلاتها.
وصلنا إلى ستوكهولم، وكان هناك اتفاق مع قسم التاريخ والحضارات القديمة بجامعة ستوكهولم لتخصيص قاعة محاضرات كبيرة بالمجان تتسع لأكثر من خمسمائة شخص، وكذلك كانت هناك ترتيبات عظيمة لعدد كبير من اللقاءات الصحفية والتليفزيونية والإذاعية، والتى كانت مهتمة بالحضور، خاصة أنه كانت هناك مناسبة مهمة تحدث وهى الاحتفال بمرور مائة عام على الكشف عن مقبرة الملك توت عنخ آمون. وتواصلت فعاليات زيارتى لستوكهولم لتشمل المتحف القومى هناك ومتحف حضارات البحر المتوسط وعدد من الجامعات القريبة.
وأذكر أنه عندما قام الدكتور محمد الشربينى بالاتصال بى وطلب منى المشاركة في هذه القافلة السياحية وافقت على الفور. وعدت بالذاكرة لعام ١٩٩٨ عندما حدثنى السفير سامح عبدالحكيم ضرار، وكان وقتها سفيرنا في السويد، ليخبرنى بأن ملك السويد يدعونى لإلقاء محاضرة داخل القصر الملكى في شهر ديسمبر ١٩٩٨. وكنت وقتها ألقى محاضرة بشيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. وسافرت بالفعل من أمريكا إلى السويد على متن طائرة الخطوط الأمريكية. وللأسف وصلت أنا لكن أمتعتى لم تصل بسبب الثلوج وما إلى ذلك.. والطريف أن مندوب شركة الطيران عندما علم أننى سألقى محاضرة أمام ملك السويد في القصر الملكى وليس معى بدلة، قاموا على الفور بشراء بدلة لى وكافة المستلزمات التي أحتاجها للإقامة حتى موعد وصول أمتعتى التائهة وسط الثلوج بمطار شيكاغو.
لم تكن تلك هي أول مرة أحاضر فيها أمام الملوك وفى قصورهم، حيث كانت الملكة صوفيا ملكة إسبانيا السابقة هي أول ملكة تدعونى لإلقاء محاضرة عن أسرار الفراعنة وحفائرى واكتشافاتى الأثرية، وذلك بالقصر الملكى بإسبانيا. ومعروف عن الملكة صوفيا أنها تعشق مصر وآثارها منذ أن كانت تعيش وعائلتها بالإسكندرية قبل العودة إلى اليونان واعتلائها عرش إسبانيا فيما بعد. وإلى الملكة صوفيا يعود الفضل في حث الملكة مارجريت، ملكة الدنمارك، على زيارة مصر، وقد دعتنى أيضاً لإلقاء محاضرة بالعاصمة كوبنهاجن. كذلك حاضرت أمام الملكة بياتركس، ملكة هولندا، داخل متحف ليدن، كذلك حاضرت أمام الملكة سونيا في مصر. وقد قابلت الملكة صوفيا منذ أسابيع قليلة عندما حضرت لزيارة مصر، وكان لقاؤنا الأول أمام أبوالهول، والثانى على العشاء بمنزل سفير إسبانيا بالقاهرة.
أعود إلى ستوكهولم، فبفضل الدعاية الجيدة تم حجز قاعة المحاضرات بالكامل خلال دقائق من فتح الحجز، والقاعة تتسع لأكثر من ٥٠٠ شخص، كما ذكرت، ولذلك قامت الجامعة بتغيير القاعة لأخرى تتسع لما يقرب من ألف شخص. وقامت شركة النيل برصد ثلاث تذاكر مجانية لثلاثة فائزين من بين الحضور عن طريق يانصيب يجرى بأرقام تذاكر حجزهم. وقد قام المتحف القومى هناك بتنظيم ثلاثة لقاءات لى مع مجموعات مختلفة، منهم مجموعة من الأطفال وأعداد كبيرة من أصدقاء المتحف، وذلك لأرد على أسئلتهم واستفساراتهم عن مصر وآثارها. وكان من ضمن الفعاليات المهمة بستوكهولم هو حفل استقبال عالى التنظيم لمئة من الشخصيات الإعلامية البارزة والسياحية من كبرى شركات السياحة بالسويد ومن خارجها، إضافة إلى عدد من المثقفين والمؤثرين في المجتمع السويدى، وخلال الحفل قاموا بتكريمى. بعدها قمت بزيارة جامعة أوبسالا ولقاء علماء المصريات بها، وكذلك متحف جامعة كوبنهاجن وبه آثار مصرية، وقال لى المسؤولون هناك إنهم وجدوا أن إناءً من الفخار خرج من مصر بشكل غير قانونى، لذلك قرروا عودته مرة أخرى، لكن للأسف المسؤولين عن الآثار في مصر لم يتواصلوا معهم، ربما لأن هناك ملايين الأوانى الفخارية بمصر. وقام قسم دراسة المصريات بالجامعة بتنظيم لقاء لى مع طلبة الآثار للإجابة عن أسئلتهم، وكان من اللقاءات اللطيفة والممتعة.
انتهت رحلتى إلى ستوكهولم بعد ليلة رائعة وحفل استقبال دعى إليه السفير أحمد عادل والسيدة حرمه بمنزل إقامتهم، حضره العديد من الشخصيات السياسية والثقافية ومشاهير المجتمع السويدى، وكانت قائمة الطعام كلها أكلات مصرية نالت إعجاب الجميع. أتمنى أن نمضى قدماً، وأن نستمر في تفعيل التواصل المباشر مع كل الوجهات التي نخطط لجذبها لزيارة مصر.