بقلم:زاهي حواس
تناقلت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية الأسبوع الماضي خبر كشف هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية عن نص كتابي مسجل كنقش على صخرة في موقع قصر عليا الأثري والتابع لمنطقة مكة المكرمة، وهو ضمن المواقع الأثرية المسجلة في السجل الوطني للآثار بالهيئة. أما عن سبب احتفاء الأثريين وعلماء التاريخ والحضارة بالنص المكتشف فهو في حقيقة الأمر يرجع لسببين رئيسيين؛ أولهما هو أن النص الكتابي مؤرخ جيداً وبدون أي شك بالعام الهجري الرابع والعشرين، في عصر ثالث الخلفاء الراشدين، الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه. أما عن السبب الثاني الذي بالطبع يهم علماء الخطوط، فهو أن النص المكتشف يعد واحداً من أقدم النصوص الكتابية المكتشفة من العصر الإسلامي المبكر، وربما يكون هذا النص هو ثالث أقدم النصوص الكتابية الإسلامية المكتشفة بالمملكة العربية السعودية. وأهميته تعود إلى كونه من الكتابات العربية التي تسبق التنقيط بمعنى وضع نقط لتحديد أحرف الكتابة.
ولا يخفى على القارئ أن قراءة مثل تلك النصوص تحتاج إلى متخصصين وإلى مجهود للوصول إلى القراءة الصحيحة للنص الكتابي المكتشف. وقد أعلنت هيئة التراث أن الدراسات التي قام بها فريق من الباحثين من الهيئة برئاسة الدكتور نايف القنور مدير إدارة الحماية بهيئة التراث، استطاعت قراءة النص الكتابي المكتوب على الصخرة نقشاً بعد أن قام الفريق بتوثيق النص. وجاءت القراءة كآلاتي: «أنا زهير آمنت - بالله وكتبت زمن - أُمّر بن عفان سنة أربع وعشرين».
وحسب ما أشار إليه خبراء هيئة التراث فإن النقش المكتشف حديثاً يشبه ما يعرف بنقش زهير في محافظة العلا الذي وثق فيه كتابة السنة التي توفي فيها أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
ولا تزال الدراسة مستمرة على النقش المكتشف حديثاً ومن المحتمل أن نسمع قريباً مزيداً من الأخبار السارة حول اكتشافات جديدة بالمنطقة ذاتها. فالصخرة التي عثر بها على نقش زهير - إن جاز لنا التسمية باسم صاحب النقش - لا تزال تحمل الكثير من الأسرار التي سيتم الكشف عنها تباعاً.
دائماً ما أقول إن العمل الأثري مضنٍ ومجهد ولكن لحظة الكشف تمحو كل جهد وعرق. إنها متعة الكشف عن أسرار الماضي، ويكفي أن تضع نفسك موضع المكتشف لنقش مهم كهذا الذي نتحدث عنه والذي يعود لزمن الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالطبع أن تكون أول من تقع عيناه على نقش تخطى عمره أكثر من ألف وأربعمائة سنة شيء لا يمكن وصفه، ثم أن تكون أول من يقرأ نصاً تاريخياً مثل هذا فذلك أيضاً متعة ما بعدها متعة. ولذلك وجب علينا دائماً التنبيه على أهمية حفظ هذا التراث الأثري الذي لا يقدر بمال، وذلك من خلال نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتعريفهم بمسؤولياتهم تجاه الحفاظ على تراثهم الأثري. إن نصاً كتابياً مختصراً ربما يكون مفتاحاً لحل معضلة تاريخية، والأمثلة على ذلك كثيرة نتناولها بإذن الله في مقالات قادمة.