الفراعنة يغزون إيطاليا

الفراعنة يغزون إيطاليا!

الفراعنة يغزون إيطاليا!

 العرب اليوم -

الفراعنة يغزون إيطاليا

بقلم: دكتور زاهي حواس

لدينا أعظم حضارة فى الدنيا؛ حضارة غزت قلوب الناس فى كل مكان بالعالم!، فلا تجد حضارة يعرفها الصغار قبل الكبار مثل الحضارة الفرعونية. ولو سألت طفلا صغيرا عما يعرف عن مصر فستجده يحدثك عن الأهرامات وأبو الهول والمومياوات وتوت عنخ آمون. وحضارتنا تدرس بطريقة علمية فى كل مدارس العالم، ونرجو أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتكليف أساتذة المصريات لإعادة وضع مناهج تدريس تاريخ مصر للتأكيد على القيم والمبادئ التى قامت عليها الحضارة المصرية القديمة. لكى يعرف أبناؤنا أن أجدادهم كانوا يحكمون الدنيا والعالم القديم بأسره؛ ولقد كنا أعظم إمبراطورية بالحق والعدل والنظام.

تلقيت دعوة منذ أيام للسفر إلى مدينة إيطالية تقع فى شرق إيطاليا وتبعد عن روما حوالى ثلاث ساعات سفر بالسيارة واسم المدينة فورتش التى عاش بها المهندس المعمارى الشهير إرنستو فيروتشى الذى عاش أيضاً فى مصر ما يقرب من أربعين عاماً. كان فيروتشى من المقربين من الملك فؤاد وله معه قصة أحدثكم عنها بعد أن أخبركم أولاً عما حدث فى مدينة فورتشى وكيف توقفت المواصلات فى قلب المدينة بسبب محاضرة عن الفراعنة!، لذلك قرر عمدة المدينة أن تقام المحاضرة فى أكبر ميدان بالمدينة وفى الهواء الطلق. وبالفعل أعدوا شاشة عملاقة لعرض المحاضرة بنفس الجودة والتقنية كما لو كانت المحاضرة داخل قاعة مغلقة. إن ما شاهدته، وما حدث فى هذا الميدان يعجز قلمى عن شرحه مهما كتبت فلن أستطيع وصف مشهد تدافع الناس لحجز الأماكن فى الميدان الذى يتسع للآلاف من الجالسين والواقفين الذين حضروا من الثالثة عصراً لحجز مكان ومعهم أولادهم وطعامهم وشرابهم. كانت هذه هى المرة الأولى التى يتم الحديث فيها عن الفراعنة فى تلك المدينة. ولم أتوقع كل هذا الشغف والعشق من أهلها للحضارة الفرعونية. وقد علمت أن سكان المدن المجاورة عندما سمعوا بأننى سألقى محاضرة عامة عن الفراعنة توافدوا على فورتشى منذ الصباح الباكر.

‏وصلت إلى فورتشى قادماً من روما، وكان فى استقبالى الناشر ومنظم المحاضرة ماركو وذلك بمناسبة تكريم المهندس المعمارى الإيطالى الذى عاش فى مصر سنوات طويلة. وكان من أهم أصدقاء الملك فؤاد بل كان صديقه الأقرب. حاولت أن أذهب للاستعداد للمحاضرة قبلها بساعة وكانت ساعة رهيبة حيث تجمع الناس حولى لأخذ الصور والحصول على توقيعى على أوراق وكتب فى أيديهم ووجدت طفلا صغيرا يقول لى إنه جاء لكى يسمع منى عن أسرار الهرم وأنه يريد أن يعرف قصة الروبوت الذى أرسلته داخل الهرم. وقلت له إننى سوف أشرح ذلك بالصور فى المحاضرة. وبعد ذلك وجدت صديقا جميلا ومعه العديد من الأشخاص جاءوا من مدينة تعرف باسم شفيتا نوفا وهى تبعد عن فورتشى حوالى ساعة بالسيارة وقد حاضرت من قبل فى مدينتهم ثلاث مرات حيث كان يعيش فى هذه المدينة رجل جميل اسمه أليو وكان مغرماً بالهرم ولديه أفكار عن كيفية نقل الأحجار وكان من عائلة كبيرة؛ وأذكر أن صديقى الكاتب الكبير عادل حمودة سافر معى إلى هذه المدينة وحضرنا غذاء أقامه أليو يذكرنا بالاجتماعات التى تقام فى فيلم الأب الروحى!، وكنت أشبه أليو بمارلون براندو. وكان أهل المدينة هم الذين يصرفون على المحاضرة، كما اقترح أصحاب محلات الملابس والأحذية وغيرها بالمدينة أن تفتح بالمجان لنا نأخذ منها ما نشاء مقابل إلقاء المحاضرة!، وعند عودتنا إلى مصر عن طريق مطار روما حدث موقف طريف حيث وجدنا اثنين من رجال أمن المطار يلاحقاننا وتمكنت أنا وعادل من الاختفاء والجلوس على أحد محال القهوة بالمطار وبعد نصف ساعة وجدنا الشرطيين أمامنا يطلبان توقيعى، عندها انفجر عادل حمودة من الضحك!.

استطعت أخيراً أن أرتب صور المحاضرة على جهاز الكمبيوتر الخاص بى وتوصيله بالشاشة العملاقة وساعدنى فى ذلك شاب مصرى سوهاجى اسمه وليام، وكان يعمل فى مصر بالإرشاد السياحى، وعندما جاء فى زيارة إلى هذه المدينة وقع فى غرامها وبالفعل استوطن بها. كان وليام يقوم بالترجمة للحضور وقد طلب منى أن أتحدث باللغة العربية لكى يتمكن من الترجمة من العربية إلى الإيطالية!، بالطبع كانت مفاجأة لى حيث إننى عادة ألقى محاضراتى بالإنجليزية!، بدأت المحاضرة فى تمام السادسة مساءً وبلا شك وجد محافظ المدينة المحاضرة فرصة لكى يحقق بعض المكاسب السياسية ولذلك تحدث أولاً عن اهتمامه بإقامة هذا الحدث وأنه اتفق أولاً مع الأستاذ محمد عاطف الذى قام بعمل معرض آثار مصرى، عبارة عن نماذج مقلدة من آثار عصر ما قبل الأسرات من نقادة وآثار من الدولة القديمة وآثار لتوت عنخ آمون وأخرى للملك رمسيس الثانى، وقد استطاع عمدة المدينة ومعه مؤلفة كتاب عن المهندس المعمارى أرنستو فيروتشى أن يحصلا على تمويل من الاتحاد الأوروبى لإقامة هذا الحدث تكريماً للمهندس المعمارى العظيم.

وبعد كلمة العمدة جاء دور السيد ماركو الناشر المعروف بالمدينة ليلقى كلمته وبعد ذلك تم عرض فيلم لى مدته ٨ دقائق وفيلم قصير آخر عن فيلم Netflix وبدأت المحاضرة وتحدثت أولاً عن أسرار هرم الملك خوفو وعن الأبواب السرية التى عثرنا عليها، بالإضافة إلى الباب الذى عثر عليه خلف المدخل الأصلى للهرم ثم رحلتى فى البحث عن الهرم المفقود فى سقارة ثم قيام دكتور يحيى جاد أستاذ الحمض النووى ومعه الدكتورة سمية إسماعيل بعمل مشروع هام جدا للكشف عن مومياء الملكة نفرتيتى وابنتها عنخ أس أن آمون– زوجة الملك توت عنخ أمون- وكذلك البحث عن سبب وفاة الملك توت عنخ آمون. بعد ذلك تحدثت عن المدينة الذهبية، وكان أهم ما تحدثت عنه هو البحث عن مقبرة كليوباترا ومارك أنطونى. بعد المحاضرة سمح للحضور بأخذ الصور التذكارية معى... حقاً كان يوماً لا ينسى فى حب مصر.

‏أعود إلى المهندس فيروتشى صديق الملك فؤاد الذى عاش فى القاهرة والإسكندرية منذ أن جاء إلى مصر فى عام ١٨٨٩ وقام بمغادرتها إلى إيطاليا فى عام ١٩٣٩ وكل معلوماتى عنه جاءت من خلال الكتاب الذى وضعته كاتبة إيطالية عن سيرته، وقد جاءت إلى مصر وزارت القاهرة والإسكندرية ودمنهور وكل مكان ورد فى مذكرات فيروتشى. ومن أهم الأعمال التى قام بها فيروتشى خلال عصر الملك فؤاد هو بناء قصر المنتزه، والنصب التذكارى للجندى المجهول فى مدينة الإسكندرية، وبناء دار أوبرا دمنهور، وجزء من قصر عابدين والذى عاش فيه لأنه كان من أقرب الناس إلى الملك فؤاد ومن أهم الزيارات التى سجلت كانت مرافقته الملك فؤاد أثناء زيارة مقبرة الملك توت عنخ آمون عام ١٩٢٢ وقابله اللورد كارنانفون الذى شرح للملك كيف كشف الإنجليزى هوارد كارتر المقبرة.

تزوج فيروتشى من سيدة إنجليزية وعاش فى مدينة الإسكندرية لأنه كان يفضل أن يكون قريبا من الملك، وقد كان يشغل وظيفة رئيس المدرسة الإيطالية وقد كتبت الكاتبة الإيطالية فى الكتاب الذى نشرته إحدى دور النشر الإيطالية أن فيروتشى كان أحد أعضاء الماسونية وذلك عام ١٩١٦. وكان الأعضاء يتقابلون أسبوعيا فى مقهى الملك فؤاد بالإسكندرية. كان هناك كثير من الغضب من طرف الإنجليز بسبب علاقة الملك فؤاد بالمهندس الإيطالى. وحاول السفير الإنجليزى فى القاهرة إبعاد الإيطالى ولكن الملك فؤاد رفض ذلك تماما لأنه كانا يعتبره أهم وأخلص صديق له. وكانت الصحف المصرية تنشر العديد من الصور للمهندس الإيطالى وأهم ما نشره عام ١٩٣٠ حيث قامت جريدة الأهرام بنشر صورة له وهو يلبس «طربوش». وقد توفى فيروتشى فى مدينة فورتشى عام، ١٩٤٥ ورفض أولاده أن يسيروا فى جنازته نتيجة للعلاقة غير الطيبة التى كان بينه وبين أمهم. وأهم ما قام به فيروتشى فى مدينته هو بناء منزل من عدة طوابق على الطريقة المصرية من حيث الديكور والشكل بل والمشربيات المصرية ويقع المنزل بالميدان الذى ألقيت فيه محاضرتى. ومن أهم إنجازاته تأسيس جمعية لترميم الآثار الإسلامية، وقد رمم العديد من المساجد. وسوف ‏تقوم السفارة الإيطالية بالقاهرة التى يقودها سفير عظيم هو ميكيلى كوارونى الذى يعشق مصر ويقيم علاقات عظيمة ثقافية وسياسية بين مصر وإيطاليابترجمة هذا الكتاب إلى العربية. ويذكر أن فيروتشى احتفظ بمجموعة ضخمة من الصور لأعماله بالقاهرة سوف تعرض داخل منزله. إن الدعاية التى حصلت عليها مصر لا تقدر بثمن وتؤكد على عظمة وجمال هذا البلد العظيم.

arabstoday

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس

GMT 08:02 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

«ويلٌ للمهزوم»... وويلٌ للمنتصر

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 07:58 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

القربُ الموَلِّد بُعداً!

GMT 07:56 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

لا يوجد جنود فاشلون... فقط جنرالات فاشلة

GMT 07:54 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

الضحك على رمز البراءة في غزة

GMT 07:51 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

عن قمة الرياض للذكاء الاصطناعي

GMT 06:50 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

المؤثرون عنصر حاسم فى الانتخابات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفراعنة يغزون إيطاليا الفراعنة يغزون إيطاليا



هيفاء وهبي تتألق في إطلالة مُميزة بصيحة البولكا دوت

القاهرة - العرب اليوم

GMT 15:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال
 العرب اليوم - أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس

GMT 15:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 07:25 2024 الجمعة ,30 آب / أغسطس

لماذا تتضاءل أهمية الوساطات والتفاوض؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab