من الاندثار إلى الازدهار ٢

من الاندثار إلى الازدهار (٢)

من الاندثار إلى الازدهار (٢)

 العرب اليوم -

من الاندثار إلى الازدهار ٢

بقلم: دكتور زاهي حواس

قدمنا فى المقال السابق لبعض محطات وفصول من كتاب الأمير سلطان بن سلمان عن رحلته مع التراث الأثرى السعودى من الاندثار إلى الازدهار.. رحلة شهدت تحديات وصعابًا، لكنها تكللت بنجاحات مهمة انتهت بنا إلى ما نشهده الآن من تطور فى كافة مجالات العمل الأثرى بالمملكة العربية السعودية التى أصبحت تمتلك كوادر علمية وطنية قادرة على الاكتشاف والترميم والتوثيق والنشر العلمى. ولعل السبب الأول فى قصة النجاح هذه هو عشق الأمير سلطان بن سلمان للتراث الأثرى وتقديره لأهمية الحفاظ عليه سليمًا للأجيال القادمة.

يقول الأمير سلطان فى كتابه: «لقد انطلقت رحلتى من اندثار إلى ازدهار التراث الوطنى بعد فترة عودتى من رحلة الفضاء على متن المكوك فى صيف عام ١٩٨٥». وقد دعى للمشاركة فى مؤتمر رؤساء البلديات فى أبهى عام ١٩٨٨، حيث تحدث فى المؤتمر عن ضرورة المحافظة على التراث العمرانى والطابع العمرانى والمعمارى للمملكة العربية السعودية من خلال لجنة وطنية تعنى بالمحافظة على التراث العمرانى.

كانت التجربة الأولى هى ترميم وإعادة الحياة لبيت نخيل الغريبات بالدرعية. وكان هذا المنزل ملكًا للملك فيصل، رحمه الله. وتم ترميم المنزل وإعادة ما تهدم من عمارته بالشكل الذى كان عليه؛ حيث إنه بُنى من الطين. وقد تم توثيق هذه التجربة فى كتاب أصدره الأمير باسم العودة إلى الأرض.

وبعد موافقة الملك سلمان بن عبدالعزيز وكان وقتها أميرًا للرياض على مشروع إحياء الدرعية، صدر قرار بتشكيل لجنة علمية يرأسها الأمير سلطان مهمتها وضع التصور العام للتطوير، وبعد ذلك اهتم الأمير بأخذ الخطوات الضرورية للحفاظ على الهوية العمرانية وبالتعاون مع جميع المهتمين بقضايا التراث. وافق الأمير سلطان بن سلمان على أن يكون رئيسًا فخريًا لجمعية علوم العمران، وقام بإطلاق مؤسسة التراث الخيرية كأول مؤسسة شعبية تعنى بالتراث وتساعد الحكومة، لإيمانه بأن أى تغيير يحتاج إلى مبادرات علمية وليس مجرد طرح أفكار، ومشاركة كافة طوائف المجتمع. هذه المؤسسة هى نقطة التحول الثانية فى علاقة الأمير سلطان بالتراث، وقد أسهمت فى نشر الوعى لدى المواطن السعودى بأهمية الحفاظ على التراث. وقد صار للمؤسسة دور هام بعد أن أصبحت نموذجًا هامًا يؤكد أهمية دور مؤسسات المجتمع المدنى فى مساعدة الدولة فى مجال تطوير التراث العمرانى الذى يحفظ تاريخ المملكة على مر العصور.

ومن أهم أعمال المؤسسة العناية بترميم المساجد التاريخية، وقد أطلق الأمير سلطان على هذه المبادرة اسم العناية بالمساجد التاريخية. وعرفت بعد ذلك باسم إعمار المساجد التاريخية. وقد وصل عدد المساجد التى تم تأهيلها إلى ١٤٠ مسجدًا تاريخيًا. بعدها توجه إلى الاهتمام بالآثار والمتاحف وازداد دور المؤسسة إلى لعب دور مهم فى التوعية بأهمية حماية المواقع الأثرية من التعدى. وقد أسفرت برامج التوعية والمبادرات الثقافية عن تحولات جادة فى التعاطى مع قضايا التراث؛ سواء من خلال الهيئات الحكومية المعنية أو من خلال المجتمع المدنى.

تأسست الهيئة العليا للسياحة عام ٢٠٠٠ وبعد ذلك أصبحت الهيئة العامة للسياحة والآثار ثم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطنى، وتم تكليف الأمير سلطان بأن يكون أول أمين لهذه الهيئة الجديدة التى عهد إليها بوضع رؤية علمية لمستقبل إدارة التراث فى المملكة. ولأول مرة فى تاريخ المملكة يتم التعاطى مع التراث المادى كونه ثروة من ثروات المملكة، بل من موارد التنمية؛ فكان لابد من التوظيف الاقتصادى لعناصر التراث الوطنى، وقد بدأ الأمير سلطان فى إدارة الهيئة العليا للسياحة والتى اعتبرها نقطة تحول هامة فى حياته واعتبر الآثار والسياحة كأحد موارد التنمية وليس عبئًا على موارد الدولة كما لا يزال ينظر للتراث الأثرى فى بعض الدول.

لم تكن الآثار أو قضايا الحفاظ على التراث تشغل فكر معظم الشعب السعودى فى الماضى. بل كان هناك عدم الاهتمام بآثار ما قبل الإسلام، بل كان هناك عدم احترام للآثار وتعديات على أراضى الآثار؛ ولذلك بدأت الدولة السعودية فى معالجة هذه المشكلة، وبدأوا فى نقل قطاع الآثار والمتاحف إلى الهيئة العليا للسياحة؛ بعد أن كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم؛ ولذلك بدأ التكامل بين السياحة والآثار، وبالفعل حدثت نقلة نوعية فى حماية وتنمية التراث الوطنى وإدارة العمل بطريقة منهجية علمية عن طريق إعداد رؤية واضحة لعملية استيعاب قطاعات الآثار والمتاحف وعمل استراتيجية وخطط تنفيذية خمسية للتطوير. وتمت إضافة التراث العمرانى ومواقع الآثار الإسلامية والتراث الأولى.

قام الأمير بطرح مفهوم البعد الحضارى والعمل على إبرازه من خلال العناية بتراث المملكة الحضارى، وكانت مبادرة البعد الحضارى تتكون من أربعة محاور هامة وهى أولًا تسجيل وحماية الآثار والبحث والتنقيب الأثرى والمحافظة على مواقع ومبانى التراث العمرانى وتنميتها وتنمية الحرف والصناعات اليدوية وإنشاء وتشغيل المتاحف وتأهيل المواقع الأثرية والتراثية والتوعية الشاملة. وجاء كل ذلك من خلال الإعلان عن مشروع وطنى سمى باسم برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضارى للمملكة العربية السعودية، وتم تنفيذه خلال خمس سنوات. ولذلك بدأ العمل من خلال فريق من الأثريين والمتخصصين فى تنفيذ هذه المنظومة الهامة والتى شملت عددًا من نشاطات الهيئة المهمة فى الداخل والخارج ومن هذه النشاطات حماية مواقع التاريخ الإسلامى فى مكة المكرمة والمدينة المنورة وحماية المواقع المرتبطة بالسيرة النبوية. وأعقب ذلك صدور قرارات هامة بمنع إزالة مبانى المساجد التاريخية، والبدء الفورى فى تسجيل قطع الآثار الإسلامية المرتبطة بالحرمين الشريفين فى السجل الوطنى للآثار. وكذلك نزع ملكية المواقع الأثرية المملوكة للمواطنين واستكمال ترميمها بعد مرور سنوات من نزعها لصالح الدولة ومعالجة أوضاع مبانى التراث العمرانى المملوكة للمواطنين. وأهم ما تم هو اختيار خمسة مواقع هامة لكى تسجل فى قائمة التراث العالمى لليونسكو.. هذا التسجيل أظهر لليونسكو لأول مرة أن المملكة العربية السعودية تصون آثارها من خلال منظومة علمية واهتمام من المملكة بمواقع الآثار الإسلامية وآثار ما قبل الإسلام. وأهم المواقع التى تم تسجيلها هو مدائن صالح عام ٢٠٠٨ والدرعية التاريخية عام ٢٠١٠ وجدة التاريخية عام ٢٠١٤ والرسوم الصخرية فى حائل عام ٢٠١٥ وواجهة الأحساء عام ٢٠١٨ وتمكنت المملكة فى نفس الوقت من ترشيح مواقع أخرى على القائمة، منها منطقة حمى الثقافية بمنطقة نجران عام ٢٠٢٢.

هذا التوسع فى برنامج التوعية بالبعد الحضارى للمملكة وتطوير المتاحف والعناية بالمتاحف الخاصة كان أهم ما شاهدته فى كل زيارة إلى المملكة، التى بدأت لأول مرة تنظم معارض خارجية لآثارها فى أمريكا واليابان حققت دعاية ضخمة جدًا لآثار السعودية. بل فتحت الطريق لأول مرة أمام السياحة العالمية لزيارة آثار ومواقع التراث بالمملكة العربية السعودية. ويعتبر البرنامج الهام الذى أعلن لاستعادة الآثار المسروقة من الداخل عن طريق توعية المواطنين ومن الخارج عن طريق متابعة حالات بيع وعرض الآثار من أهم الإنجازات لحماية التراث من السرقة والاتجار.

أخيرًا لا بد من الإشادة بما حققه الأمير سلطان بن سلمان للتراث الأثرى السعودى؛ من خلال عمله الجاد وعلمه وأخلاقه وتواضعه. وفى كل حديث له يشيد بمن عمل معه ويؤكد دائمًا أنه كان يعمل من خلال منظومة علمية يشارك فيها الجميع؛ لأن النجاح ليس له فقط بل للقيادة التى ساعدته من الدولة وعلى رأسها الملك سلمان، حفظه الله.

arabstoday

GMT 08:26 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادي

GMT 08:25 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 08:22 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سلام عليك يا شام

GMT 08:20 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

GMT 08:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

«سنو وايت».. أهمية أن تكون أنت.. «أنت»!

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هوامش على حياة الشهيد عبدالمنعم رياض

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اللاعبون الأساسيون ومخاطر الفوضى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الاندثار إلى الازدهار ٢ من الاندثار إلى الازدهار ٢



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب
 العرب اليوم - تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 09:19 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هند صبري تعلن مفاجأة عن مشاركتها في دراما رمضان
 العرب اليوم - هند صبري تعلن مفاجأة عن مشاركتها في دراما رمضان

GMT 04:44 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا
 العرب اليوم - بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة
 العرب اليوم - روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 12:09 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

نقص فيتامين د وتأثيره على الصحة النفسية في فصل الشتاء

GMT 10:38 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

دينا الشربيني تكشف موقفها من الانتقادات

GMT 09:27 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

سوريا.. هل قفزت إلى المجهول؟

GMT 19:15 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

انفجارات في مطار القامشلي شرقي سوريا

GMT 16:32 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 11 مدنيا جراء استهداف مسيرة تركية منزلا شمالي الرقة

GMT 17:57 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

أليسون يعود لدوري أبطال أوروبا بعد غياب طويل

GMT 17:52 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إنهاء عمل الحكم ديفيد كوت بسبب ليفربول

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صعود البيتكوين يدفع أسهم شركات التشفير للارتفاع

GMT 01:43 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال راكب حاول إجبار طائرة مكسيكية على السفر إلى أميركا

GMT 09:14 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد بشار الأسد

GMT 16:20 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثلاثة من جنوده في شمال قطاع غزة

GMT 06:16 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... وماذا الآن؟

GMT 01:27 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يرد على شائعات انفصاله عن زوجته ميغان ماركل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab