أعداء مصر خلال الدولة الحديثة

أعداء مصر خلال الدولة الحديثة

أعداء مصر خلال الدولة الحديثة

 العرب اليوم -

أعداء مصر خلال الدولة الحديثة

بقلم - زاهي حواس

وضع أحمس الأول اللبنة الأولى في أساس الإمبراطورية المصرية، وتلاه ابنه أمنحتب الأول، محافظًا على بناء أبيه. ولما جاء تحتمس الأول عمل على تأسيس الإمبراطورية المصرية، حيث امتدت حدودها جنوبا حتى الجندل الرابع. أما ببلاد الشام والشرق الأدنى فقد جاءت مجموعة من الهجرات الهندوأوروبية، والتى استقرت بمنطقة آسيا الصغرى، ونجحت في تكوين مملكة مقربة لبلاد الأناضول، وهى مملكة خيتا أو الحيثيين خلال ٣٠٠٠ ق.م. ولم تكتف بالسيطرة على آسيا الصغرى فحسب، بل تطلعت لمد نفوذها ناحية الجنوب، حيث ساحل بلاد الشام. وبالشمال الشرقى ظهرت مملكة أخرى ذات أصل قوقازى آرى، وهى مملكة ميتانى، حيث دخلت هاتان المملكتان في صراعات مع بعضهما البعض لضم الولايات الشامية التابعة لمصر.

وفى بداية عهد الملك تحتمس الثالث بدأ النفوذ المصرى على تلك الولايات يزول نتيجة للانقسام الداخلى الذي ظهر فجأة بمصر من جراء الصراع بين تحتمس الثالث وحتشبسوت. وحاول تحتمس توحيد ملكه في آسيا، وأعد مجموعة من ١٦ حملة عسكرية قوية، أشدها الحملة الأولى، والتى جاءت في العام ٢٢ من حكمه، أو العام الأول من انفراده بالحكم بعيدًا عن حتشبسوت. وقد عرفنا أخبار تلك الحملة فيما جاء على جدران معبدالكرنك، حيث اصطحب تحتمس الثالث مجموعة من الكتبة ليؤرخوا كل ما يحدث خلال الحملة، وهو ما يعد أول تقليد لعمل تقارير حربية مفصلة يمكن مقارنتها بتقارير المعارك الحربية الحديثة.

وقد بدأ تحتمس الثالث حربه منطلقًا من حصن تاروا (قرب القنطرة) في طريقه إلى فلسطين حتى وصل مدينة (يحم) دون أي مقاومة، وهناك علم من رجال مخابراته أن الأعداء قد تجمعوا بمدينة مجدو.

.. وهم ٣٣٠ زعيما من زعماء سوريا وفلسطين الذين قرروا شق عصا الطاعة عن مصر تحت زعامة أمير قادش. وكان أمام تحتمس الثالث ثلاث طرق للوصول إلى أعدائه، اثنان منها يدوران فيها حول سطح جبال الكرمل، والثالثة طريق مباشر صعب ولكنه يوصل رأسًا إلى مجدو. وقد عقد الفرعون مجلسه الحربى، فكانت نصيحة قواده له أنه ليس من الحكمة أن يخاطر بسلامة جيشه وحذروه من اتخاذ طريق الجبال الذي لا يتسع إلا لمسيرة عربة حربية واحدة!، إلا أن تحتمس صمم على رأيه وأراد مفاجأة العدو من هذا الطريق وأصدر أمره للجيش بالتحرك في فجر اليوم التالى، حيث وصلوا في آخر اليوم إلى مدخل الممر، وفى صباح اليوم التالى صمم تحتمس أن يكون في طليعة جيشه، وأن يسير على قدميه. وعندما انتهى من اجتياز الطريق الوعر أراد الزحف مباشرة إلى مجدو، ولكن قادة جيشه ألحوا عليه في الرجاء أن ينتظر قليلا هناك حتى يتم تجميع الجيش وقد تم ذلك. وعسكر المصريون عند مدخل الوادى (فينا)، وفى فجر اليوم التالى هجم الجيش المصرى على شكل نصف دائرة على مجدو، ولم يلبث المدافعون عنها أن ولوا عند بدء الهجوم تاركين معاشرهم باقية، وكان كل همهم أن يدخلوا المدن المحصنة، وظل المصريون يهاجمون تلك المدينة على مدى ٧ شهور حتى استسلمت استسلامًا تامًا، وقدم جميع من كان فيها من الزعماء ولاءهم وخضوعهم لمصر والفرعون، ولكن زعيم قادش فر بعد المعركة. وبعد استيلائه على مجدو اتجه تحتمس الثالث شمالًا واستولى على البلاد كلها نظير عناء لا يذكر، إلا ثلاث من المدن ربما حاولت ألا تفعل مثلما فعلت الأخرى، فاضطر لتأديبها. وكانت حملته على مجدو بداية لحملات قوية على بلاد الشام. كان يقوم بها عند إقبال الصيف ويرجع إلى مصر في أوائل الشتاء، وقد رأى تحتمس الثالث في حملاته، والتى تلت الحملة الأولى، ضرورة إعداد بعض الموانئ السورية لتكوين قواعد للأسطول المصرى، ففى حملاته الخمس الأولى كان يتقدم ويستولى على بقاع جديدة ولكن دون الوصول إلى بلاد الفرات، حيث تقف أمامه مدينة قادش التي كانت مركزًا لمقاومة الجيش المصرى. وبعدما انتهى تحتمس الثالث من إعداد جيوشه وأساطيله على أتم وجه، قام بمهاجمة قادش واستولى عليها في حملته السادسة بالعام ٣١ من حكمه. وفى حملته الثامنة نجح في الوصول إلى الفرات واستولى على مدينة قرقميش.

وخلال الحملة الـ١٦ والأخيرة، والتى كانت في العام ٤٢ من حكمه، أعلنت مدينة قادش العصيان مرة أخرى يؤازرها ملك لدولة ميتانى، وانضمت إليها مدينة تونيب، فلم يكن أمام تحتمس الثالث سوى تحطيم قادش للمرة الثانية والقضاء على كل أثر لمعارضة النفوذ المصرى في الشام. وكان ضمن نتائج هذه الحملات إحضار عدد كبير من الأسرى الأجانب إلى مصر. حيث أمر الملك تحتمس الثالث بأن يعملوا كعبيد في صناعة الكتان الجيد والقماش الثمين وصيد الحيوانات والعمل في المزارع التابعة لمعبدآمون.

وبعد وفاة تحتمس الثالث خلفه إلى العرش ابنه الملك أمنتحتب الثانى، الذي سار على درب أبيه في حب العسكرية والميل للفتوحات، حيث قام هو الآخر بعدة حملات عسكرية لتأديب السوريين الذين فكروا في الانشقاق عن الحكم المصرى بعدما سمعوا بموت تحتمس الثالث. فانطلق الملك الشاب نحو سوريا لينتقم من أعدائه، ووصل به الأمر إلى التنكيل بهم، إذ أحضر معه سبعة أفراد من المدن السورية إلى طيبة وقتل ستة منهم أمام المعبود آمون رب جبل برقل. وقد بدأ يختار نبلاء تلك الفترة مناظر للأجانب وأعداء مصر وهم تحت السيطرة المصرية كمناظر مفضلة لتزيين مقابرهم، مثل مقبرة قن- آمون.

وجاء بعده الملك تحتمس الرابع، والذى أكمل دور أبيه وحده في ضرب الأعداء في سوريا، حيث ذهب على رأس جيش لتأديبهم وعاد بالغنائم وأحضر معه الأسرى. كما قاد حملة أخرى إلى الجنوب لضرب ثورة اندلعت في السودان. وقد استن تحتمس الرابع سنة جديدة، حيث قام بتزيين مقدمة عربته الحربية بمناظر تمثل ساحة القتال. وهى السمة التي أصبحت تمثل واجهات المعابد فيما بعد.

وكان تحتمس الرابع آخر ملوك مصر المحاربين الذين ذهبوا على رأس الجيش المصرى إلى آسيا وجعل مكانة مصر تمثل الدرجة الأسمى في سوريا والعراق وآسيا الصغرى، ونرى في طيبة الكثير من مقابر رجاله الذين رافقوه في حروبه. حيث امتازت مقابر تلك الفترة برسم المناظر الحربية وتصوير أعداء مصر مثل مقبرة قن- آمون بالبر الغربى من الأقصر. وقد أحضر تحتمس الرابع مجموعة من النوبيين والسوريين الذين ألحقوا للعمل في المعبدالجنائزى له، حيث عمل النوبيون كطهاة وخبازين، في حين خدم السوريين كصناع نبيذ.

ومن أهم القصص حول الملك تحتمس الرابع، القصة الشهيرة المعروفة باسم لوحة الحلم التي تقع بين مخلبى أبوالهول، وتشير القصة إلى أن الأمير جاء ليصيد الحيوانات المتوحشة في الوادى القريب من أبوالهول ويعرف باسم وادى الغزلان، وبعد عناء الصيد جاء الأمير لكى يرتاح بجوار التمثال، وجاء له أبوالهول في الحلم متضررا من الرمال التي تجثم على صدره ويطلب منه أن يزيل الرمال من فوقه، وإذا ما قام بذلك فسوف يجعله ملكا على مصر. وفعلًا قام بذلك الأمير ووجد بعد إزالة الرمال أن الأحجار التي غطت جسم أبوالهول في الدولة القديمة قد سقطت، ولذلك فقد أعادها لجسمه مرة أخرى، وبعد ذلك أصبح الأمير ملكا على مصر. وقد وجدنا أن هذا الأمير قد قتل أخيه الذي كان أحق منه بالحكم وترك هذه القصة ليشير إلى أنها رغبة الآله ليصير ملكا على مصر.

وخلال عصر الملك توت عنخ آمون، ورغم صغر سن الملك، ظلت مصر مسيطرة على حدودها، واستمر ولاة النوبة يأتون ومعهم أتباعهم إلى مصر ليقدموا ولاءهم وهداياهم، وأما في آسيا فلم يذكر أي حملات عسكرية سوى تلك التي قام بها حور محب الذي كان قائد الجيش في عهد الملك الشاب، بل وفى عهد إخناتون، والتى ذكرت في مقبرة المدعو حوى بطيبة رقم (٤٠)، حيث مظهر مجموعة من النوبيين في صفوف في الهيئة المميزة لهم، حاملين الجزية والقرابين من أطعمة وحيوانات مختلفة، رافعين أيديهم معلنين ولاءهم لمصر.

كما ظهرت مناظر الأجانب على مجموعة من كنوز الملك الذهبى بالمتحف المصرى بالتحرير، والتى سوف تنقل إلى المتحف المصرى الكبير بأحد الصناديق التي عثر عليها في مقبرة الملك توت عنخ آمون، التي اكتشفت عن طريق الإنجليزى هيوارد كارتر في ٤ نوفمبر ١٩٢٢، صور على جانبيه للملك وهو على عربته الحربية يجرها زوج من الخيول المزينة بالزخارف وهو واقف بالسهم والقوس يصوبه نحو أعدائه بقوة ويظهر خلفه الجيش المصرى منظم في ثلاثة صفوف. وظهر أعداء مصر في حالة من الفوضى والهلع وقد تعثروا على بعضهم البعض من جنود وعربات وخيول. أما على الجانبين الضيقين للصندوق فيظهر الملك على هيئة أبوالهول يسحق أعداءه الشماليين والجنوبيين.

وعلى زوج من الصنادل المصنوع من الخشب والمغطى برقائق من الذهب المطعمة ظهر منظران لزوج من الأسرى، أحدهما نوبى والآخر آسيوى، وهما مقيدان، حيث يظهر النوبى بملامح مميزة، في حين ظهر الآسيوى بلحية طويلة وبشرة غامقة وملابس مزركشة، ويظهر الأسيران بين ثمانية أقواس بدلًا من التسعة أقواس وهم أعداء مصر الممثلين دائمًا أمام الملك. وسوف نجد بأعلى وبأسفل الصندل والتى تمثل أعداء الملك التقليديين ليقبعوا أسفل قدم الملك كدلالة على سيطرته عليهم.

وهناك درع ضمن مجموعة من الدروع عليه منظر يظهر الملك في هيئته التقليدية يضرب أعداءه، حيث صور الملك شاهرًا سيفه بإحدى يديه، بينما باليد الأخرى ممسكًا بزيلين لزوج من الأسود اللذين يرمزان لأعداء مصر، وخلفه تظهر الربة الحامية لمصر العليا «نخبت» في صورة أنثى العقاب، ناشرة جناحها واقفة على أعواد البردى، رمز مصر السفلى، وأسفل الملك أرض صحراوية ذات ثلاثة تلال، رمز للبلاد الأجنبية، بينما ظهر على درع آخر منظر الملك في هيئة أبوالهول، وهو يطأ بقدميه زوجًا من الأسرى أحدهما نوبى والآخر آسيوى.

وهناك قلادة ذهبية مصور عليها بطريقة التفريغ منظر حملة عسكرية للملك، حيث يظهر راكبًا عجلته الحربية وأمامه زوج من الأسرى نوبى وآسيوى، وأسفل العجلة رمز اتحاد الأرضين على جانبيها أسدان مقيدان راكعان، ومازال للحديث بقية لكى نثبت أن الادعاءات الحالية الأمريكية بأن أصل المصريين هو الجنس الإفريقى الأسود ليس صحيحًا.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعداء مصر خلال الدولة الحديثة أعداء مصر خلال الدولة الحديثة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 03:30 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

11 قتيلا وعشرات الجرحى إثر حادث دهس في سوق بألمانيا

GMT 08:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب توفيق يكشف للمرة الأولى سراً عن أشهر أغانيه

GMT 09:03 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يشوق جمهوره لدويتو مع رامي صبري

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مدحت صالح يروى صفحات من قصة نجاحه على المسرح الكبير

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab