إدارة بناء الهرم

إدارة بناء الهرم

إدارة بناء الهرم

 العرب اليوم -

إدارة بناء الهرم

بقلم - زاهي حواس

من المهم عرض وتحليل كل التفاصيل الخاصة ببناء الهرم، حيث لا أحد يستطيع إنكار ما فى بناء الهرم من إعجاز يفوق حد الخيال. وهنا يكون فى إعادة الحديث عن كل ما يخص الأهرامات ردًا على أولئك اللاهثين وراء الشهرة ممن نصبوا أنفسهم علماء وباحثين وخبراء دون علم، بل عن جهل مقيت، وبدأوا فى الخروج بنظريات تنال من عبقرية المصرى القديم فى فن البناء، ومن هؤلاء المزيفين من قالوا بأن الإهرامات ليست اختراعًا مصريًا؟!، لا لشىء سوى الحقد وربما الحسد أيضًا.
عرفنا من خلال الكشف عن بردية وادى الجرف، والتى تعتبر من أهم الوثائق الأثرية المكتشفة فى ٢٠١٣، الكثير عن عملية بناء الهرم نفسه وكيفية إدارة البناء. أشارت البردية التى كشفها الفرنسى بيير تاليت، إلى أن هناك تنظيمًا كاملًا، وإدارة محكمة لبناء الهرم. عرفنا كل هذا من خلال حديث مفتش العمال المدعو «مرر»، والذى كان يعيش فى منطقة بالقرب من دمنهور، وكان يعمل فى هرم الملك خوفو تحت رئاسته المدعو «ددى»، والذى كشفت عن مقبرته غرب هرم الملك خوفو. وكان الرئيس الأعلى هو المهندس «عنخ خاف». وقد أشار المفتش «مرر» إلى منطقة تعرف باسم «را- شيه»، وقد كان هذا اسم مدخل منطقة الهرم، من خلاله كان يتم دخول العمال الذين يعيشون بالقرب من الهرم. وكذلك الأحجار التى كانت تأتى من خارج المنطقة، سواء الديوريت من النوبة، والجرانيت من أسوان، والألباستر من حاتنوب بمصر الوسطى، والحجر الجيرى الجيد الخاص بكساء الهرم من طرة، وكذلك البازلت من الفيوم، فى حين أن كل الأحجار الخاصة ببناء الجسم الداخلى للهرم نفسه فقد جاءت من هضبة الجيزة نفسها.

أشار «مرر» إلى أنه عند عودته من سيناء جاء إلى مدخل الجيزة، وظل منتظرًا يومًا كاملًا هو وعماله حتى استطاعوا دخول المنطقة التى يبنى فيها الهرم. وهذا يدل على أن مدخل المنطقة كان منظمًا، بحيث يتم تسجيل كل ما يخص بناء الهرم من عمال وأحجار وأبقار وماعز وخلافه. ويثبت هذا التنظيم أن عملية بناء الهرم كانت من أهم الأحداث فى حياة المصريين القدماء، فقد كان هذا المشروع هو المشروع القومى لكل المصريين. وكانت العناصر المجاورة للهرم يتم بناؤها فى نفس الوقت. ولدينا أدلة علمية أن المصريين القدماء شقوا ترعة على الجانب الغربى من نهر النيل تصل من أبو رواش حتى دهشور. كما كانت هناك قناة متصلة بالنهر. وقد عرفنا من خلال حديث «مرر» أن الأحجار التى كانت تقطع من محاجر طرة كانت تنقل من خلال مراكب نيلية، وتوضع الأحجار والعمال داخل هذه المراكب، وكانوا يبيتون ليلة بالهرم، وبعد ذلك يسافرون إلى طرة وينامون ليلة فى طرة. وكانت هناك محاجر فى الجنوب وأخرى فى شمال طرة، وبلا شك فإن قيام «مرر» وعماله بقطع أحجار الكساء الخارجى الجيرية من المقطم هو دليل قاطع على أن الهرم قد انتهى بناؤه بالكامل. ونعرف بوجود العديد من المفتشين الذين كانوا يعملون بجانب فريق مرر فى طرة الشمالية والجنوبية. وكان يحيط بالهرم أيضًا العديد من المبانى، مثل معبد الوادى الذى كان يبنى أمام الميناء وبجواره أيضًا المدينة التى كان يعيش فيها الكهنة المسؤولون عن طقوس إحياء عقيدة الملك. وتوجد كذلك المراكب التى تحيط بالهرم، وكذلك الورشة التى كان يتم فيها التحنيط. وقد ثبت من خلال الحفائر التى قمت بها وجود أربعة عشر عنصرًا معماريًا حول هرم الملك خوفو. وكان لكل عنصر معمارى من هذه العناصر وظيفة متصلة بإحياء عقيدة الملك.

كان أهم ما يقوم به الملك بعد تولى الحكم هو اختيار الموقع الذى سوف يتم بناء هرمه فيه. وكان قرار اختيار موقع الهرم يتم بمشاركة «رئيس كل أعمال الملك»، أى المهندس الملكى. وقد جاء اختيار هضبة الجيزة لكثير من الأسباب، منها توافر الحجر الجيرى المحلى وبكميات تكفى لمشروع ضخم كبناء الهرم الأكبر. ومعروف جيولوجيًا أن هضبة الجيزة جزء من هضبة المقطم، وتتكون من ثلاث طبقات، الأولى والثانية عبارة عن صخرة ضعيفة جدًا، وقد نحت منهما جسد أبو الهول، أما المستوى الثالث فهو الصخرة الأقوى أو الأحجار القوية التى استعملت فى بناء الأهرامات، وهى التى نحت فيها رأس ورقبة أبو الهول. ولقد وجدنا أن موقع المحاجر التى جلبت منها الأحجار المحلية لبناء الهرم يقع على بعد ٣٠٠ متر فقط إلى الجنوب من الهرم. ونحن نعرف أن الناحية الجنوبية دائمًا فى أى هرم بمصر تستغل لبناء أهرامات الملكات!، ولحل تلك المعضلة قام المهندس- ولأول مرة- بنقل أهرامات ملكات الملك خوفو إلى شرق الهرم حتى يترك الجانب الجنوبى خاليًا تمامًا لطريق الإمدادات الذى ستنقل عليه الأحجار من المحجر وحتى مواضعها فى جسم الهرم. كان المصرى القديم يتبع قواعد لاختيار المكان، أهمها أن يكون هناك محاجر بالموقع كافيه لبناء جسم الهرم، وأن يكون الموقع فى غرب النيل، حيث توجد مملكة الموتى. وتشير الأدلة الأثرية إلى أنه فى حال موت الملك قبل أن يتم بناء الهرم كانت المسؤولية تقع على عاتق ابنه وولى عهده لاستكمال البناء ودفن أبيه.

كشف العثور على بردية وادى الجرف فى سيناء على معلومات هامة عن بناء هرم خوفو. أضافت الكثير إلى ما نعرفه عن تنظيم البناء، بالإضافة إلى الكتابات التى تركها العمال على الكتل الحجرية. وهناك أدلة أن عملية إدارة الهرم لم تظهر فجأة فى الدولة القديمة، وأنه سبق محاولات من المصريين قبل عصر الأسرات، وخلال العصر الحجرى الحديث، عندما كان المصريون يقيمون بجوار نهر النيل، وعندما تصل بشائر الفيضان فى يوليو كان عليهم الاتحاد وبناء السدود وشق الترع والقنوات. كانت الفكرة مرتبطة بوجود خمس فرق لإدارة بناء المجموعة الهرمية، وأربع بالمعبد الجنائزى لمنكاورع. وربما أكثر من ذلك بهرم الملك بيبى الأول. ولذلك يجب إعادة النظر فى ذلك، لأن مئات من الأشخاص كان يتم تجنيدهم بفرق خاصة تحمل أسماء وشارات مميزة. وقد عرفنا أسماء هذه الفرق من خلال النقوش التى عثر عليها بالحجرات الخمس لهرم الملك خوفو. ووجدنا أن هناك أسماء مثل «مطهرو الأرضين لحورس مجدو (خوفو)» وهو الفريق الأول، ثم «مطهرو حورس مجدو» وهو الفريق الثانى، و«أصدقاء خوفو» وهو الفريق الثالث، و«اتباع قوة التاج الأبيض (خوفو)» وهو الفريق الرابع. استمر استعمال كلمة «أصدقاء» بعد ذلك مثل «أصدقاء منكاورع»، وهناك فريق آخر سمى «سكارى أو ثمالى منكاورع»، وكان قادة الفرق يتم تعيينهم عن طريق الملك. إضافة إلى ذلك كانت هناك فرق عمل موسمية، وكانت أسماؤها تتضمن كلمة مهمة وهى الخرطوش الملكى الذى كان يكتب فى أول النقش. لذلك فإنه من المقبول أن الفرق الأساسية كانت تتكون من عدة تقسيمات من العديد من الأفراد المختصين بالأعمال الثقيلة مثل أعمال المحاجر، وقطع ورفع الأحجار. بينما كانت الفرق الأقل عددًا مختصة بأعمال أكثر دقة. وتلك الفرق الصغيرة المحترفة هى التى قامت ببناء الهرم. وقد عرفنا من خلال دراسة برديات أبو صير أن إحدى الفرق تتكون من عشرة كهنة أطلق عليهم لقب (حمو نتر)، أى خدام الإله. أما الموجودون أمام البحيرة فقد عملوا ليل نهار فى طقوس المعبد، أو على سطحه، وحول الهرم، أو على الجدران المحيطة كحراس للمنشآت ليلًا. وكانت تتم السيطرة على تلك المهام خلال مسؤول الحضور والغياب، الذى كان يسجل أسماء الحضور بالمداد الأسود، بينما أسماء المتغيبين عن العمل فتسجل بالمداد الأحمر. وقد حددت البردية عدد الأشخاص بنحو ٢٠٠-٢٥٠، خدموا فى المعبد الخاص بالملك المتوفى.

ولنا أن نتصور أن هناك حراسة وأمنًا خاصًا بالمدن التى عاش فيها العمال، سواء المدينة الغربية أو المدينة الشرقية، وكان يعيش فى الأولى العمال الدائمون، أو الفنانون الذين يدفع الملك رواتبهم، والمدينة الأخرى كان يعيش فى عنابرها العمال المسؤولون عن نقل الأحجار وقطعها. وبلا شك كانت الطبول تقرع لكى يصحوا قبيل شروق الشمس للعمل فى المحاجر. وكان هناك البعض المسؤول عن قطع الأحجار ويستعملون آلات مصنوعة من الصوان أو الديوريت. وهناك فرق أخرى مسؤولة عن تهذيب الحجر، وإعداده للنقل، وبعد ذلك فريق آخر مسؤول عن نقل الأحجار على زلاجات أو عروق الخشب على الطريق الصاعد الذى يبدأ من المحاجر وينتهى عند الجانب الجنوبى الغربى للهرم. وكان يقف مشرف على كل جانب من جوانب الهرم، وقد عثرنا على أدلة مكتوبة للمشرف على الجانب الشمالى للهرم. وكان هناك أيضًا عمال مسؤولون عن وضع الحجارة عن طريق الطرق التى تم وضعها على جوانب الهرم.

وقبيل الظهر تقرع الطبول مرة أخرى لكى يتم إيقاف العمل للراحة والطعام. ومع غروب الشمس يتم إيقاف العمل، ويسير العمال فى طوابير إلى منطقة الإدارة. وكان هناك مبان واسعة يجلسون فيها لتناول العشاء من اللحوم أو الأسماك. وقد عثرنا على كل الأدلة التى تثبت عملية الذبح، وكذلك عملية وضع الملح على الأسماك، هذا بالإضافة إلى المشرفين الذين كانوا مسؤولين عن الميناء ونقل الأحجار التى يتم بها كساء الهرم.
كان المسؤول الأول عن كل هذه الأعمال يحمل لقب «المشرف العام على كل أعمال الملك»، وقد حمل هذا اللقب الأمير «حم ايونو»، وكذلك «عنخ خاف»، وتشير بردية وادى الجرف إلى أن «حم ايونو» قد مات قبل أن ينهى عمله فى بناء الهرم، وأن «عنخ خاف» هو الذى أكمل بناء الهرم. وقد عرفنا أن المدة التى استغرقت فى بناء الهرم هى مدة حكم الملك خوفو وهى ٢٨ سنة، حيث عرفنا تكرار العام ٢٧ من حكم الملك خوفو مرتين، الأولى فى محجر بالصحراء الغربية، والثانية من خلال بردية وادى الجرف. ولقد عثر الجانب اليابانى داخل حفرة المركب الثانية، والتى تقع إلى الناحية الغربية من الحفرة الأولى جنوب هرم خوفو على مخربشات وكتابات عمال تحمل العام ٢٨، وهذا العام هو العام الذى مات فيه الملك «خوفو» وقام بدفنه ابنه «جد اف رع» الذى بنى هرمه فى أبو رواش.

إن إدارة بناء الأهرامات يجب أن تدرس وأن نعرف كيف استطاع المصريون القدماء منذ حوالى ٤٥٠٠ سنة أن يقوموا بعمل مبدع وهو تنظيم العمال وإعاشة حوالى عشرة آلاف عامل من المصريين لبناء أكبر صرح معمارى فى التاريخ

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة بناء الهرم إدارة بناء الهرم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab