عندما جاء العرب إلى مصر وشاهدوا الأهرامات أثارت خيالهم إعجابًا وتعجبًا!، ولكن لم يفهموها، ولذلك فقد تركوا لنا معلومات كثيرة يغلب عليها التعجب من هذه المبانى العملاقة. وأهم مَن كتبوا في هذا الموضوع كان المقريزى وعبداللطيف البغدادى، ومن أهم ما نُشر عن الأهرامات ما جاء في قصص ألف ليلة وليلة، والحديث عن الحجرات السرية داخل الأهرامات. ومن أهم ما تركه العرب لنا قصة المأمون بن هارون الرشيد، الذي جاء بجنده، وحاولوا العثور على مدخل الهرم الأكبر، وعندما لم يعثروا عليه، قاموا بحفر مدخل في الناحية الشمالية، يقع أسفل المدخل الأصلى مباشرة، وهذا المدخل يُعرف حتى الآن باسم مدخل المأمون، ثم قاموا بإزالة العديد من الأحجار، حتى وصلوا إلى الهرم من الداخل، ويُقال إنهم عثروا على العديد من المومياوات، التي وُضعت داخل الهرم في العصر المتأخر.
وفى 395 ميلادية، تم تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى شرق وغرب. وخضعت مصر بعد ذلك لحكم الإمبراطورية البيزنطية 642 ميلادية. ودخل بعد ذلك العرب إلى مصر. ولدينا العديد من القصص التي تم تداولها خلال هذه الفترة، ومنها أن الملك سوريد، الذي عاش منذ ثلاثة قرون قبل الفيضان، بنى الهرم الأكبر كقبر للإله هرمس، رسول الإله اليونانى، والذى يتشابه مع الإله تحوت، إله الحكمة والمعرفة عند الفراعنة، وأن السبب الأساسى في بناء الهرم هو لحفظ أدلة هرمس خوفًا من تدميرها بالفيضان. وأشار العرب أيضًا إلى أن الهرمين الكبيرين (هرمى خوفو خفرع) بُنيا لملوك قدامى. وقال لنا المقريزى إن الملك زين حوائط وسقوف الهرم بالمناظر والنجوم، وأدخل فيه الكنوز. وأشار أيضًا إلى أن الأقباط قالوا إن الملك سوريد قد دُفن بالهرم. وفى القرن الثانى عشر بعد الميلاد، أشار عبداللطيف البغدادى إلى أن الهرم كان مغطى بالكتابات التي تركها الزوار، وبعضها كان من خلال العصر الفرعونى. وقد يشير هذا الكلام إلى أن عبداللطيف البغدادى قد شاهد الكساء الخارجى لهرم الملك خوفو لأن الهرم يُقال فعلًا إنه كان مغطى بالكتابات.
وأشار عبداللطيف البغدادى أيضًا إلى أنه شاهد تدمير الأهرامات الخاصة بالملكات عن طريق الأمير قرارقوش خلال عصر الناصر صلاح الدين في 1138 إلى 1193 ميلادية. وأشار أيضًا عبداللطيف البغدادى إلى أن الاسم العربى «أبوالهول» يعنى «أبوالرعب»، وأن المقريزى هو الذي قال إن شيخًا، يُعرف بـ«صائم الدهر»، هو الذي دمر أنف «أبوالهول»، وبعد ذلك حدثت في البلاد عواصف دمرت الزراعة، واعتقد الناس أن هذه هي لعنة «أبوالهول». لذلك يُعتقد أن رواية المقريزى عن تدمير أنف «أبوالهول» هي أقرب القصص إلى الحقيقة، وأن القول بأن نابليون بونابرت أحضر جنوده ووقف أمام «أبوالهول»، وهم يحملون البنادق والبارود، ودمروا أنف التمثال، لا يمكن تصديقه لأن نابليون، الذي جاء إلى مصر في 1798 ميلادية، هو الذي أمر بتسجيل آثار مصر في كتاب وصف مصر. ولذلك لا يمكن أن يسمح بتدمير أنف «أبوالهول». ولذلك نعتقد أن «صائم الدهر» هو الذي دمر الأنف في عام 1196 ميلاديًّا. وهناك أيضًا قصة تقول إن أحد أحفاد صلاح الدين قد دمر هرم الملك منكاورع، واستمر يُزيل الأحجار منه لمدة خمسة شهور!، وطبقًا لعبداللطيف البغدادى، فقد قال إن الصليبيين عادوا إلى أوروبا، ونشروا قصصًا وحكايات عن الشرق الأوسط وعن الأهرامات، ومنها قصص عن الهرم بأنه كان عبارة عن مخازن للغلال لبنى يوسف خلال أوقات المجاعة، وعندما وقعت في مصر تحت الاحتلال التركى، وذلك عام 1517 ميلاديًّا. وبدأ اسم مصر يظهر للعالم، وأعلن السلطان سليم الأول سلامة الفرنسيين الذين يزورون مصر، وبدأت الرحلات والزيارات إلى الهرم، ولذلك بدأنا نسمع العديد من القصص والروايات عن الآثار المصرية والمومياوات.
وهنا نرى أن الأدلاء أو التراجمة، الذين قاموا بمقابلة هيرودوت، وقالوا الكثير عن الأهرامات، أمدوه بمعلومات غير صحيحة!، بل تقترب من الخيال. ومثل هؤلاء هم الذين قابلوا العرب عندما دخلوا مصر، ولا يزال أمثالهم موجودين إلى يومنا هذا حول الأهرامات، بل الشوارع المحيطة بالمنطقة، يصطادون الزوار للاحتيال والنصب عليهم، ويروون لهم خيالات وروايات كاذبة.
لقد شرحت من قبل أن لدينا أدلة تشير إلى وجود قرية كانت تقع أسفل هضبة الجيزة في مكان قرية نزلة السمان الحالية، وهذه القرية كانت تُعرف باسم بوزيرس، بل أشار المؤرخ بلينى الأكبر إلى أن أهالى بوزيرس، الذين يعيشون أسفل هرم خوفو، يتسلقون الهرم. ومن المعروف أن اسم القرية بوزيرس مأخوذ من قصة إيزيس وأوزوريس لأن إله الشر ست، شقيق أوزوريس، قد قطع جسد أخيه إلى 14 قطعة، وقام بنشرها في أماكن تحت اسم «بر أوزير»، أي منزل أو سكن أوزير، وعُرفت في اليونانية باسم «بوزيريس»، وفى العربية باسم «أبوصير».
أما عن نظرة الأوروبيين للأهرامات فقد جاء إثانيوس كريتشر، الذي يعتبر البعض أنه أبوعلم المصريات، ورسم الهرم و«أبوالهول» في كتاب نُشر في عام 1674 م. وقد بدأ الرحالة في القرنين 15 و16 بعمل رسومات للآثار المصرية، ويُعتبر «كريتشر» هو أول مَن اعتقد أن الهرم له صفة أو اتصال بالأرواح أو بالقارة المفقودة. وقد يكون بعض الذين يعتقدون في ذلك الآن قد تأثروا به. ويُعتبر جورج سانديز أول شخص يعتقد أن الهرم قد بُنى كمقبرة لملك. وكان أول أوروبى يقوم بأخذ قياسات صحيحة للهرم هو بروسبيرو البينى، وكتب أنه قام بتوسيع مدخل الهرم حتى يمكن للزائر دخوله بسهولة. وجاء جون جريفز، أستاذ الفلك بجامعة أكسفورد، وقام بدراسة الأهرامات، وأشار إلى أن أهرام خوفو وخفرع ومنكاورع هي مقابر لحفظ مومياوات الملوك. وعندما تسلق الهرم أشار إلى أن درجاته تبلغ 207- 208، وبعد ذلك جاء بنوا دى ماليه، الذي كان قنصلًا لفرنسا، وذكر أنه زار الهرم أكثر من 40 مرة، بل رسمه من الداخل. وفى القرن الثامن عشر كتب العديد من الأوروبيين عن مصر، ومنهم الأب كلاود سيكارد، الذي زار مصر في الفترة ما بين 1707
و1725، وسجل حوالى عشرين هرمًا و24 معبدًا و50 مقبرة، وبعده جاء ريتشارد بوكوك ودان فريدريك عام 1737 م. وقد أنشأ بكوك خريطة للجيزة، ووصف الطريق الصاعد لهرم الملك خوفو، ونشرها «دان» عام 1755 م. وكان قد أرسله ملك الدنمارك «نوردون»، الذي زار العديد من مواقع الآثار في مصر، أول مَن دخل الحجرات الخمس، التي تقع فوق حجرة الدفن الثالثة، وهذه الحجرات منقوشة بأسماء ثلاثة من فرق العمال التي شاركت في بناء الهرم، وقد سجل «نوردون» اسمه على إحدى هذه الحجرات. ولن ننسى فضل حملة نابليون عام 1798 م على الآثار، وهذه الحملة ربما قامت بأول دراسة علمية مصورة لآثار مصر، وكان يوجد بالحملة مهندسون ومساحون وكيميائيون وأثريون وغيرهم، وسجلوا لنا الآثار المصرية في سلسلة كتب «وصف مصر».
وقد تركوا لنا حوالى 3000 رسم وصورة، وكان لكشف حجر رشيد الفضل في قيام شامبليون بحل رموز الكتابة الهيروغليفية. وقام الكولونيل كوتيل والمهندس ليبير بدراسة الهرم من الداخل، وبعد ذلك بدأ العديد بالعمل في الآثار، ومعهم دروفيتى، وكذلك القنصل الإنجليزى هنرى سولت، الذي كان مغرمًا بالرسم، وحصل على تصريح لعمل الحفائر. وفى القرن 18 جاء جيوفانى باتسيتا كافجليا، وكان لديه أفكار غريبة عن الهرم، ويعتقد في وجود سرداب من «أبوالهول» إلى الهرم. واتفق سولت مع كافجليا على العمل بـ«أبوالهول»، وعثرا على جزء من ذقن «أبوالهول» تمثل حوالى 15% فقط من الذقن، وقاما بوضع 10% من الذقن في المتحف المصرى و5% في المتحف البريطانى.
بعد ذلك جاء هيوارد فيز إلى مصر عام 1835م، وأصبح كافجليا مساعدًا له للعمل حول الأهرامات. ثم جاء جيوفانى بلزونى إلى مصر عام 1841، وفتح المدخل العلوى لهرم خفرع، وبعد ذلك عمل بهرم منكاورع. ولكن في النهاية جاء إلى مصر فلندرز بترى، وكان شابًّا ذكيًّا، تعلم الحروف الهيروغليفية، وهو في السادسة من عمره، وكان مهتمًّا بالآثار، إلى جانب الرياضيات، وقام بعمل مسح أثرى للعديد من مواقع الآثار االبريطانية وقتها بمنطقة Stonehenge. وقع بترى في غرام مصر عندما قرأ كتاب تشارلز بيازى Our Inheritance in the Great Pyramid، وقد جعله هذا يعتقد أن الهرم عبارة عن نموذج من مقياس هائل لمحيط الأرض. وصل بترى إلى مصر عام 1880م، وكانت في ذهنه ضرورة عمل مسح أثرى جديد للهرم الأكبر. وقام بقياس الجهات الخارجية للهرم وحول مواقع الأركان، وقسّم طول جهاته إلى مثلثات. وبهذه الطريقة أنشأ المواقع متعددة الزوايا المتضمنة في هرمى خفرع ومنكاورع. ولسوء الحظ، لم يُنشر أبدًا الرسم التخطيطى المقسم إلى مثلثات على مقياس رسم أكبر من مقياس صفحة الكتاب!. بدأ بترى عملية التنقيب في الهرم عامى 1888- 1889م، وكان قد سبقه ريتشارد لبسيوس، الذي عمل في التنقيب عن الآثار في هوارة عام 1843، وحفر ما تبقى من الـ«لابيرنث»، المتاخم لهرم الملك أمنمحات الثالث، وقام أيضًا بحفائر في هرم الملك سنوسرت الثالث في اللاهون، ولكنه لم يعثر على مدخل الهرم المؤدى إلى حجرة الدفن. وعثر بترى على كنز المجوهرات الخاصة بالأميرة سات حاتحور يونيت، التي تُعتبر من روائع كنوز المتحف المصرى ومتحف المتروبوليتان.
وكان لافتتاح قناة السويس صلة بالهرم، وكان من المنتظر أن تُفتتح عام 1879، ولكن قبلها بعام بُنى طريق مرتفع من الجيزة إلى هضبة الأهرامات، وذلك لتسهيل الزيارات الملكية للهرم، والتى كان أهمها زيارة الإمبراطورة أوجينى دى مونيتوكوتيه. وفى نفس الوقت بُنى فندق مينا هاوس أسفل الهضبة، ولذلك بدأت السياحة لزيارة الأهرامات، وبدأت الصور تظهر مع نهاية القرن التاسع عشر، وفيها تظهر مياه الفيضان مجاورة للأهرامات. وأبدى بعد ذلك العديد اهتمامهم الشديد جدًّا بالتنقيب في الأهرامات ومحيطها، مثل ماريت باشا، الذي كشف عن العديد من المناطق الأثرية، منها السرابيوم في سقارة، وعمل في الجيزة وغيرها. ولذلك تلهف علماء المصريات من مصر وفرنسا وبريطانيا على العمل في مصر، بعد أن تولى ماسبيرو رئاسة مصلحة الآثار، وبدأ فتح امتيازات للعديد من البعثات الأجنبية.
وفى الجيزة بدأ جورج رايزنر العمل بجوار الهرم الثالث، وهيرمان يونكر العمل غرب وجنوب الهرم، وهولشر الكشف عن معبدالوادى لخفرع، ومسيو باريز في ترميم وتنظيف «أبوالهول»، وسليم حسن العمل في المصاطب الموجودة جنوب الطريق الصاعد لخفرع. وبدأ أيضًا فيرث ولوير العمل في مجموعة زوسر بسقارة، والبعثة الأمريكية في اللشت، وبورخارد في أبوصير، وإمرى في سقارة. وكان ماريت هو مدير مصلحة الآثار، وقد أرسله متحف اللوفر في مهمة لشراء مخطوطات قبطية، ولكن بدلًا من ذلك، بدأ حفائره في السرابيوم بسقارة، ثم عمل مديرًا للأنتيكخانة، وتبعه ماسبيرو وغيره من الجانب الفرنسى. ولكن كان هناك أثرى مصرى وحيد يعمل في الآثار، وهو أحمد باشا كمال، وقد سُميت قاعة المؤتمرات بالطابق الأرضى بمبنى تسجيل الآثار بالزمالك باسمه، والقاعة بالطابق العلوى باسم المرحوم جمال مختار، ولكن لم يسيطر المصريون للأسف على مصلحة الآثار إلا بعد ثورة يوليو عام 1952.