بقلم : مشاري الذايدي
الشراهة المتوحّشة، قد يكون هذا الوصفُ هو الأقربُ لتصوير وقاحة بعض الناس الذين أدمنوا التقاط الصور ومقاطع الفيديو في أي مناسبة وزمان ومكان، من أجل صناعة «محتوى» خاص وجاذب.
حادث سيارة عنيف، عراكٌ حادٌّ في حارة، مريض يعاني في مستشفى، تشييع جنازة أو عزاء ميّت... كل المناسبات، كل الأوقات، هي حقٌ مُباحٌ لهذا النفر من الناس... ولا ملامة عليه، أليس هو «صانع محتوى»؟!
قبل أيام، في العزاء الذي أُقيم لشقيق الفنانة المصرية شهيرة، وفي أثناء خروج الفنانة المصرية ميرفت أمين من مسجد الحامدية الشاذلية، أظهر فيديو صراخ الفنانة ميرفت أمين على الصحافيين، بعد أن التفّوا حولها وهي تغادر متجهة إلى سيارتها، وسُمع في الفيديو صوتها وهي تقول: «يوووه»، معبرة عن شعورها بالاستياء، بسبب اقترابهم الشديد منها.
هذه الحوادث في مناسبات عزاء المشاهير تكرّرت في مصر، كما رصد تقريرٌ لـ«العربية نت»، ففي أثناء عزاء الفنان الراحل صلاح السعدني انتشر مقطع فيديو للفنان أحمد السعدني وهو ينفعل على مصورين تزاحموا لالتقاط صور ومقاطع فيديو من جنازة والده، وطالبهم بالابتعاد عن الجنازة.
في أبريل (نيسان) الماضي، أثار انفعال الفنان أحمد عبد العزيز على شاب من ذوي الإعاقة طلب التصوير معه لدى وصوله إلى جنازة الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر أزمةً في مصر، ما دعاه إلى الاعتذار عن هذا الانفعال لاحقاً، قائلاً عبر حسابه على «فيسبوك»: «للأسف الشديد، سيطرت على أخلاقنا وشيمنا الكريمة المعهودة الفوضى الخلّاقة التي اندثرت معها مراعاة القيم واحترام قدسية الموت وخصوصية المشاعر، حتى أضحت ساحات الجنازة ومراسم العزاء حكراً أصيلاً لهمج الميديا والتريندات الخادعة».
شهوة البحث عن الأرقام قاتلة؛ لأنها مزيجٌ من البحث عن تقدير زائف للذات، وصناعة أهمّية وهمية لصاحبها، ومن أسفٍ أنه قد وقع في شِراكها بعض العاملين في مجال الصحافة، في تنافسٍ - أكيد ليس على البّر والتقوى - مع تافهي المحتوى... بل رأيتُ أحدهم وهو يتسنّمُ موقعاً قيادياً في وسيلة إعلامية ينافسُ مؤسسته في حسابه الشخصي على السوشيال ميديا، في نشر الأخبار... وهذا من أغرب ما رأيتُ!
هل هذه «الوقاحة» في اقتحام خصوصيات الناس، والاستهانة بجلالة المناسبات، من أجل غنيمة الصور والفيديوهات و«الحصريات» فقط بسبب تسمين هذا المحتوى أو ذاك، لأسباب نفسية، أم أن «الفلوس» تلعب لعبتها أيضاً، و«الفلوس تُغيّر النفوس» كما قِيل من قبل؟!
المنصّات الكبرى تمنح قدْراً من المال لصاحب الحساب، بالنظر إلى «كميّة» أرقام المشاهدة والتفاعل التي يجلبها، فلذلك نرى هذا «التوحّش» من قبل البعض، ليس ضد الآخرين، بل ضدّ نفسه، كما يحصل مع بعض الفتيات والنساء بابتذال ذواتهن في «فاترينات» السوشيال ميديا.
قبل فترة أيضاً، قُبض على مراهقة بريطانية بسبب فيديو لها وهي تحمل خنجراً للتخويف، وقالت بعد القبض عليها إنها صوّرت الفيديو لجلب المشاهدات وتحقيق الشهرة.
وماذا بعد؟!
هل حان وقت «حوكمة» هذا العالم؛ أسوة بعالم الطيران المدني وقوانين البحار... مثلاً؟!