زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

 العرب اليوم -

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

حفّزني مقالٌ جميلٌ - كعادته - للكاتب والباحث السعودي ناصر الحزيمي كتبه في صفحة «العربية نت» عن «زمن الفطحل»، وهي مطالعة رائقة من فوائد حبيبنا (أبي بدر الحزيمي).

يقول ناصر إنَّه حينَ شاهد سلسلة الفيلم الأميركي الشهير «جوراسيك بارك» عن قدرة علماء على إنعاش وعودة الحياة للديناصورات الموغلة في القدم... تذكّر فكرة غامضة وردت في التراث العربي عن «زمن الفطحل».

يقول المعجمي العربي الشهير أبو منصور الأزهري (المتوفى: 370هـ) في كتابه تهذيب اللغة:

قَالَ اللَّيْث: الفِطَحْلُ هُوَ دَهْرٌ لم يُخلق الناسُ فِيهِ بعد. وَأنْشد:

زمنَ الفِطحْل إِذْ السَّلامُ رِطَاب...

جاء في لسان العرب لابن منظور (المتوفى: 711هـ):

الفِطَحْل، عَلَى وَزْنِ الهِزَبْر: دَهْرٌ لَمْ يخلَق النَّاسُ فِيهِ بَعْدُ، وزمنُ الفِطَحْل زَمَنُ نُوحٍ النَّبِيِّ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَسُئِلَ رُؤْبَةُ عَنْ قَوْلِهِ: زَمَنَ الفِطَحْل، فَقَالَ: أَيام كَانَتِ الْحِجَارَةُ فِيهِا رِطاباً.

كما جاءَ في كتب التراث العربي عن زمن الفطحل: أَيَّام كَانَت الْحِجَارَة رطبَة وَإِذا كل شيء ينْطق، قَالَ: وَزعم بعض أهل اللُّغَة أَنَّ زمن الفطحل هُوَ زمن الخصب وَالسعَة، وَأَنَّهُمْ أَرَادوا برطوبة السَّلَام ابتلال الصخر ورفاهية الْعَيْش واتصال الغيوث وَصدق الأنواء.

بدوري أنا أودّ التهميش على مقالة ناصر الجميلة، بمُلح - سبق ذكرها هنا - من ترابط الأساطير من الماضي للحاضر، فأقول:

ثمّة مثل عامّيٌّ عند أهل الجزيرة العربية، وهو:

«يوم كل شي يحكي».

أورد هذا المثل العلاّمة السعودي، المرحوم، الشيخ محمد العبودي، في كتابه الحافل عن الأمثال العامية، ثم علّق الشيخ محمد بالقول:

«أي: عندما كان كلُّ شيء من الحيوانات يتكلم».

ويتابع: «ذلك أنَّ من خرافاتهم أنَّ كلَّ الحيوانات والطيور في قديم الزمان، كانت تتكلَّم كما يتكلَّم الإنسان. إلا أنَّها استعجمت بعد ذلك، وبقيَ الإنسان وحدَه القادر على الكلام».

ويخبرنا العلامة العبودي بأنَّ هذا الأمر هو زعمٌ قديم للعرب، وليس حادثاً مع العوام. قال الجاحظ: «كانت العرب تقول: كان ذلك إذ كل شيء ينطق».

أتذكَّر شخصياً أنني كنت أستمع لـ«سواليف»، أي حكايات، رجل من بلدة واقعة بعالية نجد، غرب الرياض، فسأله شخصٌ عن زمن وقوع القصة، ليردّ عليه: «سنة حنّا قطين على رغل... يوم الحصى تمر».

أي وقع ذلك بالعام الذي كنّا به بوقت الصيف الشديد بقرب مورد مياه اسمه «رغل»، وذلك بزمن قديم جداً حين كان الحصى تمراً، كناية عن عدم واقعية القصة.

وبعد، يُرجعنا ذلك كلُّه للكسل البحثي بالجزيرة العربية - نستثنى أسماء قليلة مثل د. سعد الصويان، عالم الأنثروبولوجيا السعودي، بمؤلفاته الخاصة أو الموسوعات التي أشرف عليها - أقول يرجعنا ذلك للكسل البحثي والاستسهال في تقليب أوراق الهوية وتفحّص ملامح الثقافة، في الأمثال والحكايات والعادات، لأنَّ في ذلك:

أولاً، خدمة «ضرورية» لتجذير الهوية الوطنية بعيداً في أرض الروح.

وثانياً فيه إثراء وحيوية في تكثير المنابع التي يستقي منها المبدعون اليوم، بكتابة الروايات وتفجير الدراما، وتمكين الرسامين والموسيقيين، وغيرهم من مواردَ ثرّةٍ فوّارة لا تنقطع، منذ زمن كانَ فيه:

كل شي يحكي. وكان الحصى تمر... زمن الفطحل.

arabstoday

GMT 19:28 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 04:53 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

فى المشمش!

GMT 04:50 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الأصدقاء وذكريات لا تعنيهم

GMT 04:48 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

كهفُ الفيلسوف.. وحبلُ الفيل

GMT 04:44 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

حق مستهلك الأوبر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول



GMT 17:33 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

صبا مبارك تتعاقد على بطولة مسلسل «وتر حساس»
 العرب اليوم - صبا مبارك تتعاقد على بطولة مسلسل «وتر حساس»

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

الجنائية الدولية... مساواة متجنية؟

GMT 14:46 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

49 هزة أرضية تضرب إيطاليا الأقوى منذ 40 عاما

GMT 00:40 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

نظافة الشوارع وسلامتنا

GMT 10:10 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

توني كروس يقرر اعتزال كرة القدم بعد "يورو 2024"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab