آفةُ الفَهمِ السقيمِ

آفةُ الفَهمِ السقيمِ!

آفةُ الفَهمِ السقيمِ!

 العرب اليوم -

آفةُ الفَهمِ السقيمِ

بقلم:تركي الدخيل

مِنْ غُرَرِ أبي الطيب المتنبي، بيتاه:

وكَمْ مِن عَائِبٍ قَولاً صَحِيحاً

وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

ولَكِنْ تَأْخُذُ الآذَانُ مِنهُ

عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ والعُلُومِ

وهما بيتان قال عنهما أبو الفتح عثمان بن جني: «هذا كلام شريفٌ لا يصدر إلا عن فضل باهر»، وصدق والله.

أما النويري، فقد قال في كتابه: (نهاية الأَرَبِ في فنون الأَدَبِ): «إنَّ الكلام الجامع؛ هو أن يكون البيتُ كُلّه جارياً مجرَى مَثَلٍ واحدٍ»، ومَثَّلَ لذلك بقول المتنبي:

وكَمْ مِن عَائِبٍ قَولاً صَحِيحاً

وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

قلتُ: أشهد بالله أن المتنبي ببيته هذا، قد فتح أبواباً واسعةً، لا تكاد تُحصى، للكُتاب والمؤلِّفِين والمصنِّفين والمتناظرِينَ، وأغناهم به عن حَشوٍ كانوا قائليه، فما نَقَصهم ولا نَقَصنا الاستغناءُ عن التطويل.

إنما يُؤتى الناس من قِبَلِ فَهمِهم، وقد قِيل: «مَنْ عَرَفَ أَنِسَ، ومَنْ جَهلَ استوحشَ». وجاء في القرآن الكريم قولُه تعالى: (بل كذّبوا بما لم يُحيطوا بعلمه ولمَّا يأتِهم تأويلُه)، فجهلهم به دفعهم للكفر، ولو فهموه لعلموه، ولو علموه لآمنوا به.

ومثله: (وإذ لم يهْتَدوا بهِ فسَيَقولونَ هذا إفْكٌ قديم).

ومنه، قول المتنبي:

ومَن يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ

يَجِدْ مُرّاً بِهِ المَاءَ الزُّلَالَا

ودعّم هذا المعنى أبو العلاء المعري بقوله:

وَالنَّجمُ تَسْتَصْغِرُ الأبصارُ طَلْعَته

وَالذَّنْبُ للعينِ لا لِلنَّجمِ في الصِّغَرِ

ونحوه للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، من الشعر العامي:

الكوكب اللي تقول الناس يا صغـره

من كثر ما هو بعيد وشوفهم قاصر

وفي قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾، الجمهور على ضم الذال في (الذل)، وهو ضِد العزِّ، وقُرئ: بكسرها، وهو الانقياد وضدّ الصعوبة. قال أبو الفتح بن جني: «الذِّلُّ في الدَّابة: ضد الصعوبة، والذُّلُّ للإنسان: هو ضد العِزِّ، وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمةَ للإنسان، والكسرةَ للدابة، لأنَّ ما يلحق الإنسانَ أكبرُ قدراً ممَّا يلحق الدابة، فاختاروا الضمةَ لقوتها للإنسان، والكسرة لضعفها للدابة، ولا تَسْتَنْكِرْ مثلَ هذا ولا تَنْبُ عنه، فإنه من عَرَفَ أنِسَ، وَمَنْ جَهِلَ استوحش، وقد قال شاعرنا في معناه:

وكَمْ مِن عَائِبٍ قَولاً صَحِيحاً

وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

ولَكِنْ تَأْخُذُ الآذَانُ مِنهُ

عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ والعُلُومِ».

وذهب العكبريُّ إلى أنّ: «القريحة: خالص الطَّبْع، وأصلُه من قريحة البئر، وهي أول ما يخرج من مائها... يقول: كلّ أحد يأخذ على قدر فهمه، وكلّ أذن تأخذ من الكلام الذي تسمعه على قدر طبع صاحبها، فإن كان عارفاً فَهِمَهُ وقَبِلَهُ بِطَبْعِهِ، وإن كان جاهلاً نَفَرَ عَنهُ طَبعُهُ، فَكُلُّ أُذُنٍ تُدرِكُ مِن الكلام ما يُنْبِه عليه الطبع».

«يقال: لفلان قريحة جيدة، يُراد استنباط العلم بجودة الطبع... فإذا عاب إنسانٌ قولاً صحيحاً، فذلك لأنه لم يفهمه، وإنما أُتِيَ من سُقم قريحته، وهذا معنى رائع بديع»، وفقاً للبرقوقي.

التَعَالُم قاد الجاهلَ إلى الزَّلل، ولو قال: لا أعلَمُ، لنَجَا وسَلِمَ.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آفةُ الفَهمِ السقيمِ آفةُ الفَهمِ السقيمِ



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab